موضوع إنشاء عن النبي أيوب
موضوع إنشاء عن النبي أيوب
لقد أكرَمَ الله عباده بالمرسلين الطاهرين، فَكُلُّ نبيٍّ أُرسل كانت قصَّته عبرةً للأمم من بعده، فالأنبياء هم من اصطفاهم الله -عزَّ وجلّ- لحمل رسالته، فيعلم سبحانه عن تمسُّكهم بأوامره، ومن بين الأنبياء كان أيوب -عليه السلام-، فكان ذا قوَّةٍ وجمال ومالٍ وفير، مُنعَمًا عليه، وكان ذلك في أرض البثنيَّة في حوران في الشام، فيقال أنَّه كان يمتلكها جميعها، وشاء القدر أن تُبدل هذه الخيرات كلها بابتلاءاتٍ ومصائب، قال الله -عزّ وجلّ- في كتابه العزيز: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [١].
لقد مات أولاد أيُّوب جميعهم، وذهبت أمواله، وابتلاه الله بأمراض في جسمه حتَّى كان لا يسلم موضع شبر من جسمه، إلا وقد أخذ نصيبه من الألم، ومع كلِّ هذا فإنَّ أيوب كان يستحيي أن يَدعوَ ربَّه برفع البلاء، لأنه قد عاش في نعيم طويل فكان صابرًا محتسبًا لا يتأفّفُ من قضاء ربِّه بل يذكر الله في آناء الليل، وأطراف النَّهار، وكانت له امرأةٌ صالحةٌ عاشت معه في الرَّخاء، وحفظًا لودِّه ومحبَّةً له، فلم تتركه وحيدًا، مع شدَّة قومه عليه، فكانوا قد طردوه خارج بلده، ولم يعد يقترب منه أحدٌ خوفًا من العدوى، فلم يرحموا ضعفه، إلا هذه المرأة الخلوق التي صبرت مع زوجها، فلم تتركه في محنته بل كانت عونًا له على مرضه وصبره.
كانت هذه المرأة تعمل خادمةً في بيوت الأشراف حتى تأتي بالطَّعام لأيوب -عليه السلام- وفي يومٍ من الأَّيام أجمعوا أمرهم على أن يطردوها، وذلك لاحتكاكها بالنبي أيّوب -عليه السلام- فكانوا يخافون منها أن تنقل العدوى إليهم، وأيوب -عليه السلام- أمام ناظريها بالبلاء يتضوَّر ألمًا، ومشقَّةً ولا طعام في بيته، فقامت بقصِّ ضفيرة شعرها وبيعها لنساء الأشراف، فأتت إليه بالطعام الوفير فسألها من أين لك ذلك، فلم تجبه، وفي اليوم التَّالي لم تجد بدًّا من بيع ضفيرة شعرها الأخرى، فعادت إليه أيضًا بالطَّعام، لكنه في هذه المرة امتنع عن الأكل إلا أن تقول له، فكشفت عن رأسها فوجده حليقًا وقد باعت شعرها.
حزن النبي أيوب -عليه السلام- لهذا أشد الحزن، فالآن قد طال الأذى حتى امرأته التي يحبها، فنظر إلى السَّماء قائلًا: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [٢] فكانت الإجابة من الله -عزَّ وجلّ-: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ} [٣] فكان أمرٌ من الله برفع البلاء عنه فقال {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ}[٤] أمره الله عزَّ وجل أن يضرب برجله الأرض فنبعت الماء فاستحم منه فسلم من الأذى، وأمره أن يضرب الأرض في مكان آخر فنبعت من الماء فشرب منه فذهب ما في بطنه من الأذى، فكان سليمًا في الظاهر والباطن، وآتاه الله مالًا وأولادًا وعزًّا بعد أن فقد جميع هذا، إنَّ الصبر من مفاتيح فرج الله -عزّ وجلّ-، فإن أحسن العبد في صبره ورضي، كان ذلك خيرًا له في الدٌّنيا، والآخرة، وخير مثالٍ على ذلك الصَّابر النبي أيوب -عليه السلام-. [٥]