مظاهر التجديد في شعر أبي نواس
الشعر في العصر العباسي
شهدَ الشعر في العصر العباسي انتشارًا واسعًا وازدهارًا كبيرًا لعدّة عوامل كان منها علاقة الخلفاء العباسيين بالشعر وحبّهم له وتقديرهم للشعراء، فأجزولوا العطاء لهم، ممّا شجعهم على نظمه، إضافة إلى ما تحلّى به الخلفاء من ثقافة عالية، وملكة شعرية مكنتهم من نظم الشعر، ومن ثمّ فتح مجالسهم للشعراء والأدباء، إضافة إلى التقدّم الحضاري، وتطوّر التقاليد في جميع مناحي الحياة، والحرية الواسعة التي تحلّى بها الشعراء في نظم الشعر، فأسهم كل ذلك في ظهور مظاهر جادة وحثيثة للتجديد في الشعر، ومن أبرزها مظاهر التجديد في شعر أبي نواس.
نبذة عن أبي نواس
الحسن بن هانئ الحكمي الدمشقي أو أبو نواس شاعر عباسي مولّد، ولد في الأهواز من إيران لأم فارسية، وانتقل بعدها مع والدته إلى البصرة بعد وفاة والدة في السادسة من عمره، وانتقل بعدها إلى الكوفة ثمّ إلى بادية العراق حيث أقام فيها سنة كاملة، وأخذ اللغة من أهلها، ثم عاد إلى البصرة، وفيها أخذ علوم الشعر والأدب والحديث والفقه والتفسير من علمائها. اتصل أبو نواس بهارون الرشيد، وامتدحه حتى نال مكانة عالية لديه، رغم حبس الرشيد المستمر له لما في شعره من مجون. واتصل كذلك بابنه الأمين، حتى اتخذه الأمين نديما له، وفي ظل الصراعات بين الأمين والمأمون، عاب الناس على الأمين اتخاذ أبي نواس نديما لما عرف عن من خلع ومجون، مما دفع الأمين إلى سجنه عدّة مرات، ولكن لم يؤثر ذلك في علاقته بأبي نواس، الذي رثاه عند وفاته.
اختُلِفَ في وفاة أبي نواس، فقيل أنه توفي في السجن، وقيل إنّه توفي مسمومًا في دار إسماعيل بن نوبخت، وعندما توفّي ترك مجموعة كبيرة من القصائد جمعت في ديوان من عشرة فصول، بدا جليّا فيها مظاهر التجديد في شعر أبي نواس. [١]
مظاهر التجديد في شعر أبي نواس
يعدّ الأسلوب الشعريّ من أبرز مظاهر التجديد في شعر أبي نواس، وقد حاول عدد من الشعراء الاقتداء به، ومحاكاة أسلوبه، ومن مظاهر التجديد لديه ما يأتي:
- الخمريات: إذ ظهرت الخمريات بوصفها مظهرًا من مظاهر التجديد في شعر أبي نواس، وبوصفها غرضًا مستقلًا من الأغراض الشعريّة، فكان يتغنّى بها، يصفها، ويمدحها، ويتلذذ بها، ويحمّلها دلالات ورموز تبتعد فيها عن كونِها شيئا ماديّا، وصوّرها بصور بديعة، واستعارات جديدة، حتى عدّت الصورة الشعرية لديه أيضًا مظهرًا من مظاهر التجديد في شعر أبي نواس، وقد حاول في خمرياته أن يشابه صنعة الوليد بن يزيد الذي كان أول من أوجد القصيدة الخمرية، وأن يخطو خطو حسين بن الضحاك الباهلي، الذي لم يكن بينه وبين أبي نواس فوارق روحية. [١]
- البنية: ومن مظاهر التجديد في شعر أبي نواس، الثورة على بنية القصيدة الجاهلية، فثار بداية على المطوّلات الشعرية إلى المقطوعات، وثار عن الأطلال، وسخر من البكاء عليها، بحجة أنها لا تناسب عصره، فبدأ القصيدة بالوقفة الخمرية، أو بذكر ابنة الحان المحرمة، وإظهار عشقه لها، والتغزل بالغلمان، ودعا إلى ترك الرحلة: [٢].ومن قصائده التي دعا فيها دعوة صريحة لهجر البكاء قوله[٣]
لا تَبْكِ ليلى، ولا تطْرَبْ إلى هندِ
- واشْرَبْ على الوَرْدِ من حمراء كالوَرْدِ
كأساً إذا انحدَرَتْ في حلْقِ شاربها
- أجْدَتْهُ حُمْرَتَها في العينِ والخدّ
فالخَمرُ ياقوتة ٌ، والكأسُ لُؤْلُؤة ٌ
- من كَفِّ جارِيَةٍ مَمشوقَة القَدّ
تَسْقيكَ من عيْنها خمرًا، ومن يدها
- خمْرًا، فما لك من سُكرَينِ من بُدّ
لي نشوتان، وللنَّدْمانِ واحدةٌ
- شيءٌ خُصِصْتُ به من بينِهِمْ وحدي
- الأغراض الشعرية: من مظاهر التجديد في شعر أبي نواس، استحداث أغراض شعرية جديدة، منها التفاخر بشعوبيته والتقليل من قيمة العرب، والهجوم على الدين الإسلامي والعتاب والخمريات والغزل بالغلمان، ومن شعرِه في العتاب: [٤]
يا مَنْ جَفـاني ومَــلّا
- نَسيـتَ أهْـلاً وسَهْـلا
وماتَ مرْحَبُ لَمّـا
- رَأيتُ مـاليَ قَلاّ
إنّي أظُنـّكَ تَـحْكي
- فيما فَعَلْتَ، القِرِلّى
تَلْقَاهُ في الشّرّ ينْأى
- وفي الرّخَا يَتَدَلّى
- الأوزان الشعرية: من مظاهر التجديد في شعر أبي نواس، خروجه عن الأوزان الشعرية المعهودة، التي تقيّد موهبته، ولجأ إلى النظم على الأوزان الرشيقة السهلة التي ابتعد عنها القدماء، وفي القافية خرج عن لزوم القافية الواحدة التي جاءت بها قصيدة عمود الشعر، ونظم باستخدام المزدوجات والمسمّطات، والربّاعيات، كما اهتم كثيرا بالإيقاعات الداخلية للقصيدة القائمة على استخدام المحسنات البديعيّة، والتكرارات الداخليّة في القصيدة. [٥]
المراجع[+]
- ^ أ ب "أبو نواس"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 5-6-2019. بتصرّف.
- ↑ مروة حملاوي، إيمان لعور، بنية القصيدة العباسيّة عند الشعراء المولّدين: بشار بن برد وأبي نواس أنوذجا، صفحة 17. بتصرّف.
- ↑ "لا تَبْكِ ليلى ، ولا تطْرَبْ إلى هندِ،"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 5-6-2019.
- ↑ "يا مَنْ جَفـاني، ومَــلاّ"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 5-6-2019.
- ↑ مروة حملاوي، إيمان لعور، بنية القصيدة العباسية عند الشعراء المولّدين: بشار بن برد وأبي نواس أنوذجا، صفحة 61-63. بتصرّف.