ما معنى الرمز في الأدب
نشأة الرّمز
نشأت الرّمزيّة في أواخِرِ القرن التّاسع عشر، واستمرّت حتّى أوائل القرن العشرين، ولم يُعرف مُصطلح الرّمزيّة إلّا في عام 1885م، وكان أوّل ورودٍ له في مقالٍ للشّاعر الفرنسي جان موريس الذي ردَّ فيه على اتّهامه ومَن مثله بالانحلال والانحدار، ثمّ أنشأ موريس جريدةً سمّاها الرّمزي عام 1886م، إلّا أنّه قد شاع في عام 1891م أنّ الرّمزيّة قد ماتت، لكنْ ما حدث بالفعل أنّها انتشرت، واستمرّت، وقويت، وأصبح لها شأنها في الأدب والفنّ، فبقيت آثارها حتّى القرن العشرين على تعرّضها لهجمات كثيرة، لنجدها بعد ذلك متعايشةً مع المدارس الجديدة مثل السّرياليّة، والوجوديّة، وغيرها، وفي هذا المقال حديثٌ حول معنى الرمز في الأدب. [١]
معنى الرمز في الأدب
الرّمزيّة مثلها مثل أيّ حركةٍ أو فكرة، لها ما لها، وعليها ما عليها، وممّا أخذه روّادها عليها مبالغتها في الذّاتيّة والانطواء على النّفس، وإفراطها في التّهاون الّلغوي والصّياغة الشّكليّة، والجدير بالذِّكْر أنّها لا تخلو من مضامين فكريّة واجتماعيّة تدعو إلى التّحلّل من القِيَم الدّينيّة والخُلُقيّة، مُتستّرةً بالرّمز، ومعنى الرّمز في الأدب، أو ما اصطُلح عليه باسم المدرسة الرّمزيّة، يتلخّص في كونه حركة في الأدب والفنّ، استُخدمت للتّعبيرعن الأفكار والمشاعر، وسرّ الوجود، وكان ردّة فعل على المدرستين: الواقعيّة والرومانسيّة، وتُستخدم في بعض الأحيان للإشارة إلى الرّموز الوثنيّة، كما أنّه مهمٌّ بالنّسبة إلى الدّين؛ لأنّ بعض الإيحاءات الدّينيّة والإلهيّة فُسّرَت عن طريق الرّموز، وهذا يقودنا إلى وصف ماكس فيبر الدّينَ بأنّه نظامٌ من الرّموز الدّينيّة المقدّسة. [١]
الرّمز بين الشّرق والغرب
عند الحديث عن معنى الرمز في الأدب، فالحديث إذًا عن الأدب العربي مرتبطًا بالأسطورة، وفي حين انتشرت الرّمزيّة في الأدب الغربيّ، ظُلِمَ الأدب العربيّ باتّهامه بأنّه خِلْوٌ من أبعاد الرّمزيّة الأسطوريّة، والحقيقة أنّ الجزيرة العربيّة لم تخلُ من الأساطير، وفي الوقت الذي شاعَ فيه أنّ الأساطير اليونانيّة أثّرت في الأدب كانت الحقيقة تقول إنّ الأساطير الشّرقيّة القديمة هي الأصل، المصريّة، والبابليّة، وغيرها ممّا ازدهر في بلاد فارس، والهند، والصّين، وثراء الشِّعر الجاهلي مثلًا بالرّموز يدلّ على تأثّره بالأساطير، ويمتدّ هذا الثّراء إلى ما بعد العصر الجاهلي، لنجد أنّ الّلغة العربيّة منجم رموز، وأنّ الشّعر العربي كفّته راجحة في ميزان الرّمز، وفي ميزان الإبداع العالمي والنّقد المعاصر، وعلى هذا لا تكون الرّمزيّة وليدة الزّمن الحديث، ولا مُقترنة بالأدب الغربي، وإلّا عُدّ هذا نوعًا من التّجاهل لحقائق واضحة من التّاريخ الإنساني عامّةً، الذي بدأ مسيرته منذ آلاف السّنين. [٢]
خصائص المدرسة الرمزية
وبعد أن تجلّى معنى الرمز في الأدب، ثمّ المآخذ عليه، تجدر الإشارة إلى خصائصه التي تجعل له صوته الخاص، وتميّزه عن غيره من الحركات والمصطلحات الأدبيّة، وتعرّفنا إلى ما أُريدَ منه أن يضيفه إلى الأدب، وإلى وجهة نظر روّاده التي أرادوا لفتَ أنظار المتلقّي إليها، وهي: [٣]
- مُجافاة أسلوب الدّقّة، والتّفكيرالمُجرّد، والمنطق، والشّروح، والتّفصيلات.
- يسعى الرّمزيون إلى الدخول في عالم لا حدود له؛ عالمِ الأطياف، والحالات النّفسيّة الغائمة، أو الضّبابيّة، والمشاعر المُرهفة الواسعة، والتّغلغل إلى خفايا النّفس، وأسرارها، ودقائقها.
- نَهَجَ الرّمزيّون نهجًا مختلفًا عن نهج الرّومانسيّين فيما يخصّ التّعبيرعن التّجارب النّفسيّة، بأنْ وجدوا أنّ المجاز والتّشبيه في الّلغة قاصران عن استيعاب التّجربة النّفسيّة، والتّعبير عنها بصدق، وأنّه لا بُدّ من البحث عن أسلوبٍ جديد، ولغةٍ ذات علاقاتٍ جديدة تتيح التّعبيرعن أرجاء العالم الداخلي ونقلَ حالاته إلى المتلقيّ، وهذا الأسلوب الجديد يقوم على اللمح والومض ونقل المشاعر جملةً بتكثيفٍ غير مباشر، فلجؤوا إلى الرّمز للتّعبير عن الأفكار، والعواطف، والرّؤى؛ لأنّه أقدرعلى الكشف عن الانطباعات المرهفة، والعالم الكامن خلف الواقع والحقيقة.
- واعتنى الرّمزيّون بالموسيقى الشّعريّة، موسيقى الّلفظة والقصيدة، وأفادوا من الطاقات الصوتية الكامنة في الحروف والكلمات مفردةً ومركبة ومن التناغم الصوتي العام في مقاطع القصيدة، لتعبّر عن الجوّ النّفسي للمبدع، ونقله إلى المتلقّي.
- يُعوّل الرّمزيّون في تعبيرهم على مُعطيات الحسّ، كالألوان، والأصوات، والإحساس اللّمسيّ والحركيّ، ومُعطيات الشمّ والذّوق، وعدّوها رمزًا موحيًّا.
- أوائل الرّمزيّين كانت أشعارهم تتراوح بين الوضوح والشّفافية والغموض، فلم يخرجوا فجأةً من الرومانسية وغيرها، بل احتفظوا ببعض ملامح تلك المدارس، ولذا نجد بودلير وفيرلين أكثر وضوحًا من رامبو، والوضوح هنا يختلف عن المباشرة المرفوضة نهائيًّا، إنّه يعني عدم التعقيد في الفكرة وعدم الإغراب في الصورة، وحين انتهجوا الغموض، فكان المقصود به التّصرّف في الّلغة على نحوٍ غير مألوف، وإفساح المجال لخيال القارئ لمعرفة المرموز إليه، ووجود الإشارات والتّلميحات التي تحتاج إلى معرفةٍ واسعةٍ وشروح، والتّكثيف الشّديد، والوصول إلى الدّقائق النّفسيّة التي يصعب التّعبير عنها، وغيرها من المعاني التي تشرح غموضهم.
المراجع[+]
- ^ أ ب "ادب حديث الرمزية وقصيدة النثر والنثر الحديث"، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 015-06-2019. بتصرّف.
- ↑ فايز علي، الرمزية والرومنسية في الشعر العربي، صفحة (21،23،60)، بتصرّف.
- ↑ "خصائص المدرسة الرمزية "، www.almerja.com، اطّلع عليه بتاريخ 015-06-2019. بتصرّف.