عناصر الجريمة وأركانها
الجريمة والمجتمع
تعدّ الجريمة من أشدّ الأخطار التي تؤثر على المجتمع بأكمله، وتعدّ عقبة أمام التطورات الحضارية والتكنولوجية والاجتماعيّة والثقافية، فالمجتمع الذي تنتشرُ به الجريمة هو مجتمع رجعي وغير آمن، ومن الأسباب الكامنة وراء ارتكاب الجريمة: تفكك الروابط الأسريّة، البطالة وعدم توفر فرص العمل، شدة الفقر، انخفاض الخدمات الصحية والتعليمية، وانتشار المخدرات، وأسباب كثيرة لا يمكن حصرها، لذلك كان لا بد من إيقاع العقاب بحق كل شخص يقدم على ارتكابها، للحد منها وردع من يفكر بارتكابها، وفيما يأتي حديث حول نشأة الجريمة، ومفهوم مبدأ الشرعية والعقاب، وعناصر الجريمة وأركانها.
نشأة الجرائم وتطورها
مرّ المجتمع البشري بمراحل عديدة قبل أن يظهر ما يسمّى بالدولة، فنشأت الأسرة والعشائر، وقد خضعت هذه الجماعات إلى عادات وتقاليد تحكمها، فكان لا بدّ أن تحظى الجريمة بمحل من الاهتمام، فالجريمة ولدت مع ولادة الإنسان منذ القدم، وتحدّثت عنها الكتب السماويّة حين قتل قابيل أخاه هابيل، فأيّ اعتداء كان يمس أي فرد من أفراد الأسرة يعتبر إعتداء على كامل أفراد الأسرة بحكم رابطة الدم التي تجمع بينهم، فيأبهون جميعهم للأخذ بثأر المجني عليه من الجاني وأسرته، وكذلك العشائر حيث يقوم رئيس العشيرة بإيقاع العقوبة المناسبة على الجاني، ولعب الدين دورًا كبيرًا في ذلك حيث أن الأفراد كانوا يعتقدون أن الجريمة تثيرُ غضب الآلهة لذلك كانوا يضعون أقسى العقوبات على الجاني، وبعد ظهور مفهوم الدولة وضعن الدول نصوصًا تخدم أهدافها ومصالحها للحد من الجريمة والنهوض بدولة متقدمة، حيث قامت كل دولة بوضع قانون جنائي توضح فيه الأفعال التي يعدها القانون جريمة والعقوبات المناسبة لكل جريمة، فعند اكتمال عناصر الجريمة يستحق العقاب. [١]
مبدأ الشرعية والعقاب
هناك قاعدة متفق عليها في سائر الدول العربية والغربية وهي: "أنّ الأصل في الأشياء أو الأفعال أو الأقوال الإباحة إلّا إذا نص القانون على خلاف ذلك"، ومن هنا عرف ما يسمى بمبدأ الشرعية والعقاب، ويعني هذا المبدأ أنه لا يجرم أي فعل ولا يعاقب عليه إلا إذا وجد نص قانوني يجرم الفعل ويرتب عقابًا عليه، وقد ظهر هذا المبدأ لأول مرة في الشريعة الإسلامية، والهدف من هذا المبدأ أنه ضمانة أساسية لحماية حقوق الإنسان من تغول الجهة المعنيّة بإيقاع العقاب ويحافظ هذا المبدأ على حريات الأفراد التي كفلتها الدساتير الدولية والاتفاقيات المعنية بحقوق الإنسان، فيجعل الفرد في معرفة مسبقة بالأفعال المجرمة والتي ينبغي عليه اجتنابها والقيام بالأفعال الأخرى غير المجرمة بكلّ حرية ودون أي تخوف، ورغم الأهميّة القيمة التي يحرص هذا المبدأ على تقديمها لكنّه لم يَفلَت من الإنتقادات بسبب أن الجرائم تتنوع وتتعدد ولا يمكن حصرها جميعًا في قانون واحد. [٢]
عناصر الجريمة وأركانها
تعدّ عناصر الجريمة وأركانها من الشروط الأساسية التي تبنى عليها جميع الجرائم، فينبغي توافرجميع هذه الأركان مجتمعة حتى تقوم الجريمة، وفي حال غياب أي عنصر لا يتصف الفعل بالجريمة ولا تقوم المسوؤلية الجنائية، وهي ثلاثة أركان رئيسة كالآتي: [٣]
- الركن القانوني: ويقصد بهذا الركن ضرورة وجود نص في القانون يجرم الفعل الذي ارتكبه الشخص حتى تقوم مسؤوليته، وبالتالي إيقاع العقوبة المناسبة عليه، ويعتبر هذا الركن مفترضًا في الجرائم كافّة على اختلافها.
- الركن المادي: وهو الفعل أو السلوك الذي يقوم به الشخص ويجرمه القانون الجنائي ويرتب على القيام به عقوبة، ولهذا الركن ثلاث عناصر يجب توافرها: أولًا الفعل الجرمي وقد يكون هذا الفعل إما إيجابيًا كقتل شخص، أو سلبيًا كامتناع الشاهد عن أداء الشهادة في جريمة ما أمام المحكمة، ثانيًا النتيجة الجرمية وهي الأثر الجرمي الذي نتج عن الفعل الجرمي، ثالثًا العلاقة السببية وهي التي تربط الفعل الجرمي بالنتيجة التي حصلت أي لولا الفعل لما حدثت الجريمة.
- الركن المعنوي: ويعني أن يكون المجرم صاحب إرادة حرة وواعية لما يقوم به، أي أنه مدركًا للجريمة وعناصرها وقاصدًا نتائج فعله، أما إذا كان الفاعل غير مدرك خطورة فعله كأن يكون غير مميّز أو مُكره لا تقوم الجريمة؛ لأنّ الجريمة فقدت أحد عناصرها ألا وهو الركن المعنويّ.
المراجع[+]
- ↑ عبدلله سليمان (1995)، شرح قانون العقوبات الجزائري، الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية ، صفحة 20-25، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ حسن صادق المرصفاوي (1981)، أصول الإجراءات الجنائية (الطبعة الأخيرة)، الإسكندرية-مصر: منشأة المعارف، صفحة 39. بتصرّف.
- ↑ فرج القصير (2006)، القانون الجنائي العام، تونس: مركز النشر الجامعي، صفحة 38-113. بتصرّف.