شعر الوصف في العصر العباسي
محتويات
الشعر في العصر العباسي
تطوّر شعر الوصف في العصر العباسي تطوّرًا واسعًا؛ بسبب تفتّح الحياة وتنوّعها، فتداخلت الثقافة العربيّة بغيرها من الثقافات، كما اختلطت بالألفاظ الأجنبية الجديدة على اللغة العربيّة؛ بسبب اختلاطها باللغات الأخرى، خاصّةً الفارسية والروميّة والتركية، وبسبب ارتباط الشعر بالحياة، وأصبح هناك تغيّر في طبيعة الشعر لما طرأ من تغيّرات على الحياة في العصر العباسي، فأصبحت مخيلات الشعرات تتّسع باستمرار وتتسع آفاقهم وتكثر مواضيعهم وفنونهم الشعرية، فظهرت الأغراض الشعرية الأخرى، وأكثروا من التشبيهات الأدبية والألفاظ الرقيقة، واستعملوا الألفاظ الأعجميّة، فابتعدت اللغة الشعريّة عن الألفاظ التقليديّة البدويّة الغليظة، ومالت لتكون سهلة رقيقة المخارج وبسيطة الصياغة والتعبير.
تعريف الوصف
يعدّ الوصف من الأغراض التقليديّة في الشعر العربي، ويعدّ من أسُس الشعر المهمّة، حيث قال القيرواني: "الشعر إلّا أقلّه راجع إلى باب الوصف"، وتفسير ذلك أنّ الكثير من أغراض الشعر العربي الأخرى هي من باب الوصف أيضًا كالمديح والهجاء والرثاء والغزل وغيرها، ففنون الشعر جميعها إن صحّ التعبير تدخلُ ضمن مسألة الوصف، إلى جانب أنّه غرض شعريّ مستقلّ.
وكان للوصف غَلَبة وقوة في الشعر العباسي، إذ توسّع الشعراء فيه واستخدموه بكثرة فأبدعوا في وصف المشاهد ووصفوا الطبيعة والأزهار والأنهار والطير والحيوان، بل أصبح الشعراء يصفون كلّ ما تقع أعينُهم عليه، فكان أبو تمّام مثالًاعلى الشعراء العباسيّين الذين أكثروا وصف الأمطار والسّحب، حيث يصف الشاعر سحابة ممطرة بقولِه: [١]
ديمةٌ سمحةُ القيادةِ سَكوبُ
- مُستغيثٌ بها الثّرى المكروبُ
لو سَعتْ بقعة لإحياءِ نعمى
- لسعى نحوَها المكانُ الجَديبُ
شعر الوصف في العصر العباسي
لقد كان الوصف في الأدب الإسلامي والجاهلي يمثل معظم قصائد الشعراء، ويصوّر مظاهر الطبيعة حيّة وجامدة غير أن الشعراء العباسيين اهتمّوا بتصوير الجانب المادي من الحضارة الجديدة، وتعدّدت الموضوعات الوصفيّة لتشملَ جميع مظاهر الحياة عند العباسيّين، حتّى أنّ الشعراء يسجّلون الحياة داخل البيوت والقصور والطبيعة وما فيها من وسائل اللهو والتسلية.
وصف الطبيعة
حيث لم يكن وصف الطبيعة قبل هذا العصر قائمًا بذاتِه أو فنًا مستقلًا، بل كان كثيرًا ما تبدأ به القصيدة، ثمّ ينتقل الشاعر إلى البحتري في وصف فصل الربيع مصوّرًا إيّاه كائناً حيًّا: [٢]
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكًا
- من الحسن حتّى كاد أن يتكلّما
وصف القصور
لقد منحَ الشعر العباسي ألوانًا مختلفة وعديدة من الأوصاف التي كانت في العصور القديمة، ومدّت لها يد الحضارة في التهذيب والتطوير، ومنها ابتكر المدينة الجديدة، فقد كان للتطور الحضاري أثر لتنوّع الوصف، ففي قصور الخلفاء و بيوتهم البناء الشامخ الجميل والبساتين والنوافير والجدران المليئة بالرسومات والزخارف الجميلة، والشاهد في هذا أنّ الشاعر كان يحسّ ذلك كله، وربما عدل الشاعر أحيانًا عن وصف الأطلال إلى وصف القصور في الحاضرة، وخصّها بمقطوعات مثل قول محمد بن يسير الرياشيّ -ت230هـ- في قصر خرب: [٣]
ألا يا قصرُ قصرَ النوشجاني
- أرى بك بعدَ أهلك ما شجاني
فلو أعفى البلاء ديار قومٍ
- الفضلُ منهم ولعظم شاني
شعراء الوصف في العصر العباسي
برز في العصر العباسيّ العديد من الشعراء الكبار، حيث كان لهم الحضور البارز والأثر الواسع في تطور وظهور شعر الوصف في العصر العباسي على مستوى واسع، من أشهرهم ما يأتي:
- ابن الرومي: هو علي بن العباس بن جريج الرومي، شاعر من طبقة بشار والمتنبي، رومي الأصل، وُلد عام 221هـ/836م، ولد ونشأ ببغداد، ومات في 283 هـ/869م مسمومًا، قال المرزباني: لا أعلم أنه مدح أحداً من رئيس أو مرؤوس إلا وعاد إليه فهجاه [٤]، ومن أشهر قصائده ما يأتي:[٥]
ضحك الربيعُ إلى بكى الديم
- وغدا يسوى النبتَ بالقممِ
من بين أخضرَ لابسٍ كمماً
- خُضْراً، وأزهرَ غير ذي كُمَم
متلاحق الأطراف متسقٌ
- فكأنَّه قد طُمَّ بالجَلم
- أبو نواس: هو الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن صباح الحكمي كان شاعر العراق في عصره، ولد في الأهواز من بلاد خوزستان في سنة 164هـ/763 م ونشأ بالبصرة، ورحل إلى بغداد كان جده مولى للجراح بن عبد الله الحكمي، أمير خراسان، فنسب إليه، وتوفّي في 198هـ/ 813م [٦]، ومن أشهر قصائده ما يأتي: [٧]:
وكأنَّ سعدى إذْ تودعنا
- وقَدِ اشْرَأبَّ الدَّمعُ أنْ يكِفَا
رشأٌ تواصينَ القيانُ بهِ
- حتى عقدنَ بأذنهِ شنفا
فالحبّ ظهْرٌ أنْتَ راكِبُهُ
- فإذا صرفْتَ عِنانَهُ انْصَرَفَا
- البحتري: هو الوليد بن عبيد بن يحيى الطائي أبو عبادة البحتري، شاعر كبير ولد عام 206 - 284 هـ و توفي عام 821 - 897 م، يقال لشعره سلاسل الذهب، وقال انقاد الغربين أنهم يرون البحتري أقل فطنة من المتنبي و أوفر شاعرية من أبي تمام، ولد في مدينة بنمنبج بين حلب والفرات ورحل إلى العراق [٨]، ومن أشهر قصائده ما يأتي: [٩]
بعَدُوّكَ الحِدْثُ الجَليلُ الوَاقِعُ
- وَلِمَنْ يُكَايدُكَ الحِمَامُ الفَاجِعُ
قُلْنَا لَعاً لَمّا عَثَرْتَ وَلاَ تَزَلْ
- نُوَبُ اللّيَالي وَهيَ عَنكَ رَوَاجِعُ
وَلَرُبّمَا عَثَرَ الجَوَادُ وَشَأوُهُ
- مُتَقَدّمٌ وَنَبَا الحُسَامُ القاطعُ
المراجع[+]
- ↑ "الوصف"، art.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 18-6-2019، بتصرّف.
- ↑ "أكان الصبا إلّا خيالا مُسلِّما"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 18-6-2019.
- ↑ "الادب العربي في العصر العباسي"، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 18-6-2019.
- ↑ "نبذة حول : ابن الرومي"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 18-6-2019، بتصرّف.
- ↑ "ضحك الربيعُ إلى بكى الديم"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 18-6-2019.
- ↑ "نبذة حول : أبو نواس"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 18-6-2019، بتصرّف.
- ↑ "وكأنَّ سعدى إذْ تودعنا"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 18-6-2019.
- ↑ "نبذة حول : البحتري"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 18-6-2019، بتصرّف.
- ↑ "بعدوك الحدث الجليل الواقع"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 16-6-2019.