مقاصد سورة النساء
محتويات
سورة النساء
هي السورة الرابعة في ترتيب سور القرآن الكريم البالغ عددها مائة وأربعة عشر سورة، تأتي بعد سورة آل عمران وقبل سورة المائدة، وهي تعتبر من السور الطوال إذ يبلغ عدد آياتها مائة وستٌ وسبعون آية، نزلت هذه السورة في المدينة المنورة لذا وكباقي السور المدنيّة فإنها تتضمن الكثير من الأحكام التشريعية التي تنظّم شؤون المجتمع الإسلامي، وكان سبب تسميتها بسورة النساء نظرًا لاحتوائها على قوانين وتشريعات تُعنى بشؤون النساء، كأمور البيت والأسرة والميراث وغيرها من الأمور التي تهمّ النساء على وجه الخصوص، وسيتحدث هذا المقال عن مقاصد سورة النساء وأحكامها.[١]
أسباب نزول سورة النساء
نظرًا لأن مقاصد سورة النساء تأخذ بعين الاعتبار سبب نزولها فسيتم ذكر هذه الأسباب، وبما أنّها من طوال السور فسيتم ذكر بعض أسباب نزول آياتها والتي هي على النحو الآتي:[٢]
- كان سبب نزول أول آيات سورة النساء أن رجلًا من بني غطفان كان مسؤولًا عن مالٍ لابن أخيه اليتيم، فلما بلغ الفتى وأصبح شابًا طلب ماله فأبى عمه إعطاءه إياه فنزل قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا * وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا}[٣].
- وفي سبب نزول قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا}[٤] كان لأنّ أهل الجاهلية كانوا إذا مات أحدهم يأتي أحد أولياءه أو اقرباه فيلقي ثوبًا على زوجته فتصبح من نصيبه كأنّه يرثها، وقد نزلت الآية لتنهى المسلمين عن فعل مثل هذا.
- أمّا قوله -تعالى-: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}[٥] كان عندما تمنت النساء الخروج إلى الغزو وتساءلوا عن سبب تقسيم الميراث بأنّ لهم نصف ما كان للرجال، فقد جاء في نصّ الحديث الشريف: "قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رسول الله تغزو الرِّجَالُ وَلَا نَغْزُو، وَإِنَّمَا لَنَا نِصْفُ الْمِيرَاثِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}".[٦]
- وقد نزلت الآية الكريمة: {الذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا}[٧]، وورد عن أهل التفسير أنّها نزلت في فئةٍ من اليهود كانوا ينهون المسلمين الأنصار عن الإنفاق في سبيل الله بحجة أنّهم يخشون عليهم من الفقر.
مقاصد سورة النساء
تتنوع مقاصد سورة النساء نظرًا لكثرة عدد آياتها فهي من طوال السور ولغزارة الأحكام الشريعة الموجودة فيها، لكن وعلى وجه العموم فإن مقاصد سورة النساء ارتكزت بشكلٍ أساسيّ على توحيد الله وإفراده -جلّ وعلا- بالعبودية ولأنّه خالق هذا الكون ومدبّره كانت سورة النساء من السور التي تجيب المسلمين عن معظم الأسئلة التشريعية لبناء مجتمعٍ سليم، بعيدًا عن المحرمات مع فتح باب التوبة للمسلمين الذين كانوا يجهلون تلك الأحكام وقاموا ببعض أخطاء الجاهلية.[٨]
ويتبين عند دراسة مقاصد سورة النساء أنّها كانت من السور التي تتطرق للحديث عن المنافقين وصفاتهم كي يحذرهم المسلمون ولا يلقوا لحديثهم بالًا، فقد كان المنافقون يسعون بشكلٍ دائم إلى زعزعة استقرار الدولة الإسلامية وزرع الشك في قلوب حديثي الإسلام، كقوله -تعالى-: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا * وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ۗ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا}[٩]، وقوله -جلّ وعلا-: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ}[١٠]، ففي هذه الآيات تحذيرٌ من سماع كلام هؤلاء المنافقين والحثّ على اجتنابهم.[٨]
وكان من مقاصد سورة النساء أيضًا أمر إيتاء كلّ ذي حقّ حقه من الأرحام واليتامى من الرجال والنساء، وبيانٌ لتوزيع الميراث والأموال توزيعًا صحيحًا وعدم أكل الأموال بالباطل، مع الإشارة إلى أنّ هذه الأحكام التي يسنّها الله -جلّ وعلا- ليست بغرض التضييق على المسلمين وإدخال المشقة، فقد قال -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}[١١]، وهذه الآية مثالٌ صريح على أمر الله بأداء الأمانات وأنّه شاهدٌ على الناس وأنّه لا يُظلم عنده أحد.[٨]
وتتضمن السورة الحديث عن الجهاد والحثّ على بذل الأموال والأنفس والأرواح في سبيل إعلاء كلمة الله والدفاع عن الدين الإسلامي، قال -جلّ وعلا-: { الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ}[١٢] فلهذا اعتبر أهل التفسير أنّ تبليغ أمر الجهاد إلى المسلمين وإبراز أهميته وأحكامه هو من مقاصد سورة النساء أيضًا.[٨]
وقد كان من مقاصد سورة النساء تصحيح عقيدة أهل الكتاب اليهود والنصارى وتأكيدٌ على وحدوية الله -تبارك وتعالى- وأنّ الدين الحق هو الإسلام، وتأكيدٌ بأمر نبوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنّ الدين الذي أتى به محمدٌ هو ما أتى به موسى وعيسى وسائر أنبياء الله، وأنّ اتباع دين الإسلام هو السبيل الوحيد الذي يقود إلى الصراط المستقيم الذي ينتهي بالمسلمين إلى خيري الدنيا والآخرة، فقد قال -تعالى-: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا}[١٣]، وبهذا تشتمل مقاصد سورة النساء على التوحيد والأحكام التشريعية والأوامر الإلهية مع الاهتمام بشكلٍ خاص بالنساء واليتامى وأصحاب الأمانات والحقوق.[٨]
فضل سورة النساء
جاء في فضل سورة النساء ما روي عن الصحابيّ الجليل عبد الله بن مسعود أنّه قال: "إنَّ في النساء لخمسُ آياتٍ ما يَسُرُّنِي بها الدنيا وما فيها وقدْ علمتُ أنَّ العلماء إذا مرُّوا بها يعرِفُونَها: "إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا" وقولُه "إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا" و "إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ" وقوله "وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا" وقوله "وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا"[١٤]، وجاء أيضًا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: "من أخذ السبعَ الأُوَّلَ من القرآنِ فهو حَبْرٌ"[١٥]، والحبر هو العالم كما أنّ سورة النساء هي من ضمن سور القرآن السبعة الأولى.[١٦]
الأحكام التشريعية في سورة النساء
تضمنت سورة النساء أكثر جوانب المجتمع تعقيدًا فهي بالنسبة للمسلمين بمثابة دستورٍ يرجعون إليه في بيان الأحكام، ومن الأحكام التشريعية التي تحدثت عنها سورة النساء ما يأتي:[١٧]
- جعل الرجال قوامين على النساء وبهذا حمايةٌ لهم.
- بيان كيفية حفظ مال اليتيم.
- بيان الأمور المتعلقة بالمهر.
- تقسيم الميراث تقسيمًا شرعيًّا صحيحًا.
- بيان المحرمات من النساء.
- بيان أحكام الزواج.
- بيان حقوق الزوجة.
- بيان كيفية فض الخلاف والصلح بين الرجل وزوجته.
المراجع[+]
- ↑ "سورة النساء"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-06-2019. بتصرّف.
- ↑ "كتاب: أسباب النزول - سورة النساء"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 01-02.
- ↑ سورة النساء، آية: 19.
- ↑ سورة النساء، آية: 32.
- ↑ رواه أحمد شاكر، في عمدة التفسير، عن أم سلمة هند بنت أبي أمية ، الصفحة أو الرقم: 1/495، صحيح.
- ↑ سورة النساء، آية: 37.
- ^ أ ب ت ث ج "مقاصد سورة النساء"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 37-38.
- ↑ سورة النساء، آية: 142.
- ↑ سورة النساء، آية: 58.
- ↑ سورة النساء، آية: 76.
- ↑ سورة النساء، آية: 173.
- ↑ رواه الهيثمي ، في مجمع الزوائد، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 7/14، رجاله رجال الصحيح.
- ↑ رواه الألباني ، في السلسلة الصحيحة ، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 2305، حسن.
- ↑ "في ظلال سورة النساء"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-06-2019. بتصرّف.
- ↑ "مقاصد سورة النساء"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-06-2019. بتصرّف.