مقاصد سورة الحج
محتويات
سورة الحج
سورة الحج من أعاجيب السور في القرآن الكريم، فمن آياتها ما نزل في مكة وهي الآيات: "52-53-54-55"، لذلك فهذه الآيات مكيَّة، أما ما بقي من آياتها فهي مدنيَّة، ومنها آيات نزلت في الليل وأُخرى في النهار، ومنها ما نزلت في سفر النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، ومنها ما نزل في غير ذلك، فقد جمعت هذه السورة بين أشياء كثيرة، وعدد آياتها كاملةً ثمانٍ وسبعين آية، وترتيبها في المصحف السورة الثامنة والعشرون، وهي السورة الوحيدة من سور القرآن الكريم التي سُميت باسم ركن من أركان الإسلام، وتحدثت آياتها بالإضافة لأحكام الحج عن اليوم الآخر والبعث والنشور وعبادة الله -سبحانه وتعالى- والجهاد، وسيتناول هذا المقال مقاصد سورة الحج.[١]
أسباب نزول سورة الحج
قبل الحديث عن مقاصد سورة الحج، يجب معرفة أسباب نزول هذه السورة الكريمة، وشأنُها كشأن السور الطويلة في القرآن الكريم، فقد تعددت أسباب نزولها بتعدد الأماكن والأزمنة التي نزلت فيها آياتُها، فجلُّ الآيات نزلت في المدينة المنورة، وكانت تتحدث عن أحكام التشريع، وبعضها نزل في مكة المكرمة، ومن أسباب نزول قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}،[٢] قال المفسرون عن هذه الآية: "نزلت في أعرابٍ كانوا يقدمونَ على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- إلى المدينة، مهاجرين من باديتهم، وكانَ أحدُهمْ إذا قدم المدينة: فإنْ صحَّ بها جسمه ونتجتْ فرسُهُ مهرًا حسنًا، وولدتْ امرأتُهُ غُلامًا، وكَثُرَ مالُهُ وماشيتُهُ، رضيَ عنهُ واطمأنَّ، وقالَ: ما أصبتُ منذُ دخلتُ فِي دينِي هذا إلا خيرًا، وإنْ أصابَهُ وجعُ المدينة، وولدتْ امرأتُهُ جاريةً، وذهبَ مالُهُ، وتأخَّرتْ عنْهُ الصَّدقةُ، أتاهُ الشَّيطانُ فقالَ: والله ما أصبتَ منذُ كنتَ على دينِكَ هذا إلا شَرًّا، فينقلبُ على دينهِ"، لهذا السبب نزلت الآية الكريمة، وهناك روايات كثيرًا في أسباب نزول آيات سورة الحج، فكلُّ آيةٍ منها لها سبب يختلف عن غيرها.[٣]
مقاصد سورة الحج
في سورة الحج جملة من المقاصد الإلهيَّة، فمن مقاصد سورة الحج في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}[٤]خطابٌ موجه لكلّ البشر بأن يتقوا الله تعالى، ويخشوا حساب يوم القيامة وأهواله، فهو يومٌ عصيب تشيبُ لشدَّته الوِلْدان، وتُسقِط الحواملُ حملها، وتذهلُ المرضِعُ عن ولدها، فلم يعدّ للناس من أمرهم شيء كأنَّهم سُكارى، فحذارِ من عذاب الله، ثم تتحدث الآيات من قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ}[٥]إلى قوله تعالى: {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ}،[٦]ومضت الآيات لتستدل على نفي الشرك بالله، وتخاطب المشركين المُجادلين بأن ينتهوا عن مكابرتهم في الاعتراف بوحدانية الله تعالى وانفراده بالعبودية، فإنَّ المجادلة هي وسوسة من الشيطان، والشيطان لا يُغني عن الإنسان شيئًا ولا ينصره في الدنيا أو في الآخرة، وكيف لهؤلاء المشركين أن يرتابوا في البعث ويقولون أنّه من المستحيل أن يعود حيّ بعد أن يموت، ألم ينظروا إلى خلق الإنسان من التراب ثم من نطفة ثم طورًا بعد طور، وأنَّ الله ينزل الماء على أرضٍ ميتة فتعود حيَّةً وينبت فيها الزرع من جديد، فالله -جلَّ وعلا- قادرٌ على كل شيء، ولا شك من إتيان يوم القيامة.[٧]
ومن مقاصد سورة الحج في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ}[٨]إلى قوله تعالى: {إنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}،[٩]إنَّ مجادلة المشركين الذين ينكرون البعث نابعةٌ من جهلهم وعدم امتثالهم لأوامر النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، كما وصفت الآيات تردد المشركين في أمر اتباعهم لدين الإسلام، وتوضح العذاب الذي ينتظر المكذبين، والجنة والنعيم للمؤمنين الصالحين، وفي الآيات من قوله تعالى: {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ}[١٠]إلى قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ۚ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}،[١١]تبين الآيات الكريمة أنَّ الله سيحاسب الناس بالعدل من مشركين ونصارى ويهود ومجوس، وممن آمن بالله وصدَّق رسله، كل أولئك سيفصل الله بينهم الله تعالى بعدله يوم القيامة، وستكون جهنم بعذابها عقابًا للمشركين والجنة بنعيمها جزاءً للمؤمنين، وتُفصلَّ الآيات بوصف عذاب جهنم ونعيم الجنان.[٧]
ومن قوله تعالى: {إِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}،[١٢]حتى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}،[١٣]وبعد أن ذكرت الآيات كفار قريش الذين يمنعون المسلمين من حج بيت الله الحرام، بأنَّ هذا البيت قد بناه النبيّ إبراهيم -عليه السلام-، وهو بيت الله الذي أختار مكانه وأمر نبيه ببنائه، في المكان نفسه الذي بنته فيه الملائكة في القديم ولكنَّه هُدم بسبب الأمطار والسيول، وقد جعل الله لنفسه بيتًا في كونه ليحجَّ الناس إليه، وليوحدوه دون غيره من مخلوقاته، ثم توضح الآيات الكريمة أركان الحج والأعمال التي يجب على الحُجاج أن يقوموا بها، بعد أن أمر نبيه بدعوة الناس لحجِّ البيت، ويذكر بعض الأحكام المتعلقة بالحج ومنها أحكام الأنعام التي يأخذها الحجاج معهم كهدية لبيت الله الحرام، أو كفارة عن خطأ ارتكبوه في الحج، فيذبحون الهدي، والقصد الأول والأخير للحج هو عبادة الله، والذبح أيضًا إرضاءً لله وحده ولا يكون لغيره وإلا كان شركًا وحرامًا.[٧]
ومن مقاصد سورة الحج في قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}،[١٤]وحتى قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ}،[١٥]أنَّه يأذن للمؤمنين بقتال المشركين الذين أعلنوا قتالهم، وذلك ليكون التمكين للمؤمنين في الأرض وينشروا عقيدتهم ورسالة نبيهم، وتشبيه أولئك المشركين بالأمم البائدة الذين أعرضوا عن ذكر الله وأصروا على الكفر، فكان العذاب جزاءهم، ولا يغرهم أنَّ الله أخّر عنهم العذاب فإنَّ الله يمهلهم كما أمهل من قبلهم، ويبشر نبيه بالنصر على كلِّ من آذاه وآذى أصحابه وأخرجهم من ديارهم بغير الحقّ، وسيكون يوم القيامة يوم العدل والجزاء، فكلُّ من هاجر في سبيل الله وجب أجره على الله تعالى، سواءً مات شهيدًا أو مات على فراشه، وقد حثَّ الله عباده ورغبهم في النظر إلى الكون وما فيه من أدلة على وحدانيته، كالمطر الذي ينزل من السماء ليعيد للأرض الحياة، وتعاقبِ الليل والنهار، فكلُّ ما في هذه السماوات والأرض هو ملك الله يتصرف فيه كيف أراد -سبحانه وتعالى-.[٧]
وفي الآيات من قوله تعالى: {لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ ۖ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ ۚ وَادْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ ۖ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُّسْتَقِيمٍ}،[١٦]وحتى قوله تعالى في آخر سورة الحج: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ}،[١٧]يخفف الله تعالى عن قلبِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين معه بأنَّ الشيطان هو السبب في ضلالة الكفار وعدم اتباعهم أوامر الرسل، ولكن النصر في النهاية لدين الله والحكم لله ورسوله، والخذلان للشيطان ومن اتبعه، والفوز لأهل الله والقرآن في الدنيا وفي الآخرة على خشيتهم غضب الله وصبرهم وإيمانهم، وانتهت الآيات الكريمة بالتذكير بنعم الله على البشر، وأنَّه -جلَّ وعلا- اصطفا من خلقه بشرًا وملائكة، ليكونوا أمناء على دينه وأرشدهم إلى طريق القرب من الله بالصلاة والاستقامة والعمل الصالح، والله تعالى هو ناصرهم ومولاهم.[٧]
تفسير آية ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ
في تفسير الآية الكريمة: {ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}،[١٨]إنَّ الله -سبحانه وتعالى- أمرَ بتعظيم شعائره، وهي ما أوجبَ الله على خلقه من العبادات، كمناسك الحج والعمرة، وتعظيم الأماكن التي يأدون عندها حجهم، والأعمال التي يقومون بها في حجهم أيضًا، كما هو الحال مع سائر العبادات، فتعظيم شعائر الله هو دليل على القلوب التقيَّة المُحبَّة لله ورسوله، وتكون التقوى مع اجتناب الرجس من الأوثان، فإنَّ ذلك من حُبِّ القلوب لله، وخشيته -جلَّ وعلا-، والإخلاص في عبادته، واليقين بعظمته.[١٩]
أركان الحج وواجباته
بعد التفصيل في مقاصد سورة الحج من الطبيعي الحديث عن أركان فريضة الحج التي فصلها أهل العلم اعتمادًا على القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وللحج أربعة أركان وأولها الإحرام بالحج ويكون في القلب كنية للحج، وللإحرام ميقات معين ومن الواجب الإحرام فيه، وثاني الأركان هو الوقوف بعرفة، وطواف الزيارة وطواف الإفاضة وآخر الأركان هو السعي بين الصفا والمروة، أمَّا واجبات أو مناسك الحج فهي سبعةُ مناسك وهي كالآتي:[٢٠]
- الأول هو الإحرام من الميقات، وذلك بحسب البلد الذي يمر عليه الحاجّ فمثلًا من يأتي من اليمن يُحرم في ميقات اليمن، والإحرام واجب بنية الحجّ أو العمرة.
- والثاني أن يقف بمزدلفة بعد الانصراف من عرفات، ويبيت فيها أي في مزدلفة.
- والثالث هو المبيت في مِنى إحدى عشرة واثنا عشرة ليلة لمن كان على عَجَل، والليلة الثالثة عشرة لمن لم يتعجل.
- ورابعُ مناسك الحج هو رميُ الجمرات.
- والخامس هو الحلق أو التقصير للرجال، والتقصير للنساء، فالرجال مخيرون في ذلك أمَّا النساء فليس لهنَّ سوى التقصير.
- والسادس هو طواف الوداع، لابدّ للحاج من أن يطوف طواف الوداع إذا انتهى من حجه وسيعود إلى بلاده.
- أمَّا المنسك السابع هو الوقوف بعرفة حتى غروب ذلك اليوم، فإن وقف في ليل ذلك اليوم كفاه الوقوف ليلًا أمَّا إذا بدأت وقوفه في النهار فلابدّ من الوقوف بعرفة حتى غروب الشمس.
المراجع[+]
- ↑ "سورة الحج" مشاهد الحج""، www.kalemtayeb.com، اطّلع عليه بتاريخ 25-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الحج، آية: 11.
- ↑ "أسباب النزول"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الحج، آية: 1-2.
- ↑ سورة الحج، آية: 3.
- ↑ سورة الحج، آية: 7.
- ^ أ ب ت ث ج "مقاصد سورة الحج"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الحج، آية: 8.
- ↑ سورة الحج، آية: 14.
- ↑ سورة الحج، آية: 15.
- ↑ سورة الحج، آية: 25.
- ↑ سورة الحج، آية: 26.
- ↑ سورة الحج، آية: 38.
- ↑ سورة الحج، آية: 39.
- ↑ سورة الحج، آية: 66.
- ↑ سورة الحج، آية: 67.
- ↑ سورة الحج، آية: 78.
- ↑ سورة الحج، آية: 32.
- ↑ "تفسير سورة الحج"، www.quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 25-06-2019. بتصرّف.
- ↑ "أركان الحج وواجباته"، www.binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 25-06-2019. بتصرّف.