سؤال وجواب

منهج البحث التاريخي


منهج البحث

عَرَّف فرانسيس بيكون وكلود برنارد المنهج منذ القرن السابع عشر على أنّه: "وهو الطريق الذي يؤدّي إلى الكشف عن الحقيقة في مختلف العلوم بواسطة مجموعة من القواعد التي تسير العقل وتعمل على تحديد عملياته للوصول إلى نتيجة معلومة"[١]، وهذا ما يسمّى علميًا علم المناهج، حيث يعمل على الوصول إلى الحقيقة من خلال البحث في طرق المنهج الذي يستخدمه الباحثون لدراسة المشكلة، في العلوم الاجتماعية والانسانية والطبيعية، منهج البحث التاريخي أو "الوثائقي أو الاستردادي" ومنهج المسح والمنهج التجريبي علم التاريخ البشري وعلم الأثار والجيولوجيا، وذلك لاستِنباط الحقائق المتعلقة بجميع الأحداث والظواهر التي تدرسها وتتناولها هذه العلوم[٤]، وهناك قواعد مهمة يجب الالتزام بها عند استخدام منهج البحث التاريخي في الدراسة، فالدراسات التاريخية ليس جمع المعلومات والبيانات عن الظاهرة فقط، بل هناك بعض الاعتبارات والمهارات ينبغي ملاحظتها من قبل الباحث إذا أراد تطبيق طريقة علمية في البحث، وهي:[٥]

  • إنّ الحقائق والبيانات والأحداث ليست غاية البحث، بل تُعدّ وسيلة للوصول إلى نتائج تعتمد على الإثبات والتحقيق والتفسير، فلا يمكن أن تكون النتائج منعزلة عن عصرها ومكونها الذي أثرت وتأثرت بها.
  • المادة التاريخية ليست دراسة للتجربة بأن يقوم الباحث بإعادتها والتأكد من صحتها، فالباحث يلجأ إلى السجلات والآثار الباقية والروايات والمشاهدات، حيث تحتاج إلى معايير دقيقة للنقد الخارجيّ والدّاخلي والتحقُقِ من صحتها وصدق مضمونها.
  • الظواهر التاريخية لا يمكن تفسيرها تفسيرًا كافيًا بسبب واحد، يجب وجود عدة أسباب مختلفة ومتعددة، فلا يعتمد الباحث على الأسباب والظروف المسببة للحادثة فقط، بل كل ما يتفاعل معها ويرتبط بها.
  • ينبغي على كل باحث أن تتوفّر فيه عدة خصائص واتجاهات، في مجال البحث التاريخي، للتأكد من حقيقة الفكرة الرئيسة وصحتها للبحث، حيث لا يمكن أن تخضع للفكرة المباشرة، فيجب توفر: الصحة والأمانة الفكرية ومراعاة الدقة وعدم التحيز للأهواء والرغبات العنصرية والعقائدية والشخصية والأدلة الكافية؛ للتوصل إلى النتائج والأحكام.

يهتمّ الباحثون اليوم بمنهج البحث التاريخي لكثرة المجالات التي يمكن استخدامه فيها، فهو لا ينحصر بالتاريخ وحسب، يمكن استخدامه في مجالات مثل: القانون والعلوم الطبية والدين والطب وغيرها من العلوم، وذلك للتحقق الباحثين من صدق الحقائق والمعلومات القديمة، فأكثر الباحثين انشغلوا في كتابة التاريخ لتمجيد الدول والسلطات، وغفلوا عن هدف الحقيقي في الوصول إلى الحقائق الموضوعية، ما جعل المؤرخين يسترجعون الخبرات الإنسانية الماضية بطرق وأساليب لا تنتهك الحوادث والظروف، حيث يتم جمع المعلومات وفحصها وتدقيقها بحسب معايير خاصة لعرضها وتفسيرها بطريقة آمنة.[٥]

خطوات منهج البحث التاريخي

خطوات المنهج التاريخي تتشابه كثيرًا مع خطوات المناهج الأخرى، إلّا أن منهج البحث التاريخي لا يعتمد على حصر البيانات من خلال القياس أو الاختبار، بل إنّ منهج البحث التاريخي يبحث عن بيانات موجودة بالفعل، توجد مجموعة من الخطوات العلمية المتسلسلة والمترابطة لمنهج البحث التاريخي، والتي يجب على الباحث الالتزام بها عند استخدام هذا المنهج، وهي كما يأتي:[٦]

تحديد المشكلة

تحديد مشكلة البحث في منهج البحث التاريخي لا يختلف عنها في أساليب مناهج البحث العلمي الأخرى، فتحديد المشكلة نفسها في جميع مناهج البحث، مهما كان موضوع الدراسة ومنهجها.

جمع مصادر المعلومات

تنحصر أهم مصادر المعلومات في السجلات والوثائق، مثل: الدساتير والقوانين والصحف والكتب القديمة وقوانين الضرائب والأنظمة والرسائل والوصايا والصور والأفلام، والآثار والشواهد التاريخية والدراسات التاريخية القيمة وشهود العيان والزيارات الميدانية والمكتبات ومراكز التوثيق ومراكز المعلومات، وتنقسم مصادر المعلومات في منهج البحث التاريخي إلى قسمين رئيسيَن، هما:

  • المصادر الأولية للمعلومات: مثل المصادر الأصليّة للمعلومات، والتي تكون أقرب إلى الواقع وتعكس الحقيقة.
  • المصادر الثانوية للمعلومات: تعتمد على المصادر الأوليّة، والتي يتم تلخيصها أو تصنيفها أو مراجعتها.

نقد المعلومات

حتى يتأكد الباحث من صدق المعلومات ودقتها، فإنه يقوم بدراستها ونقدها على مستويين، هما:

  • النقد الخارجي للوثائق التاريخية: في هذه المرحلة يتم ربط النقد بمدى أصالة وصدق مصدر المعلومات مهما كان نوعه وشكله، وأيضًا التحقق من شخصية الكاتب والمؤلف وزمن الوثيقة ومكان صدوره.
  • النقد الداخلي للوثائق التاريخية: يهتم النقد الداخلي للوثائق بالتأكّد من درجة صحة الوثيقة أو المصدر، ويتم التأكد من ذلك استنادًا إلى عدد من الأسئلة، مثل: لماذا قام المؤلف بكتابتها؟، هل قدم الحقيقة كاملة أم حاول تحريفها وتشويهها؟، هل يوجد أي تناقض في محتوى الوثيقة وموضوعها؟، هل اعتمدت في كتابتها على ملاحظات مباشرة أم غير مباشرة؟.

صياغة الفروض

يتطلّب البحث التاريخي صياغة فرضيات كباقي مناهج البحث تساعده في تحديد اتجاهه ووجهته وتوجيهه في جمع نوع معين من المعلومات، وبعد فحص وتدقيق المعلومات وتمحيصها ونقدها يمكن تعديلها بناءً على ذلك، ثم يتم استخلاص الحقائق ووضع النتائج، فالنقد الداخلي والخارجي للمعلومات يُعدّ اختبار لفرضيات الدراسة بنفيها أو إثباتها.

كتابة تقرير البحث التاريخي

هناك موضوعات أساسية في كتابة تقرير البحث التاريخي، سيتم ذكرها فيما يأتي:

  • أن يتم كتابة الحقائق التاريخية على مذكرات أو بطاقات خاصة بشكل حقائق منظمة، وذلك على أساس التسلسل الزمني، أو على أساس جغرافيّ أو موضوعيّ، أو عوامل البحث التي يدرسها الباحث.
  • دراسة البيانات التاريخيّة وتحليلها وتنقيحها والتركيز على علاقة السبب والنتيجة بالعوامل المدروسة والحوادث والعلاقات المحتملة بينهما.
  • كتابة تقرير البحث على أساس ما يأتي:
    • المقدمة، بما فيها خلفية عن موضوع البحث والمشكلة.
    • الدراسات السابقة لموضوع البحث.
    • أسئلة وأهداف وفرضيات البحث.
    • منهجية البحث وذلك للإجابة على الأسئلة أو الفرضيات.
    • عرض الحقائق التاريخية بالتحليل والتفسير.
    • النتائج واقتراح التوصيات.

المراجع[+]

  1. عبدالرحمن بدوي (1963)، مناهج البحث العلمي (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار النهضة العربية، صفحة 5. بتصرّف.
  2. أحمد بدر (1994)، أصول البحث العلمي ومناهجه (الطبعة التاسعة)، القاهرة: المكتبة الأكاديمية، صفحة (34-35). بتصرّف.
  3. محمد حمدان (1989)، البحث العلمي كنظام (الطبعة الأولى)، عمّان: دار التربية الحديثة، صفحة 63. بتصرّف.
  4. صفوح خير (1983)، المنهج العلمي في البحث الجغرافي: مناهجه وأساليبه (الطبعة الأولى)، دمشق: وزارة الثقافة والإرشاد القومي، صفحة 18-19. بتصرّف.
  5. ^ أ ب رحيم العزاوي (2007)، مقدمة في منهج البحث العلمي (الطبعة الأولى)، عمّان: دار دجلة، صفحة 79-80. بتصرّف.
  6. ربحي عليان (2001)، البحث العلمي أسسه ومناهجه وأساليبه إجراءاته (الطبعة الأولى)، عمّان: بيت الأفكار الدولية، صفحة 42-46. بتصرّف.