الصورة الشعرية في الشعر الحديث
محتويات
الصورة في الشعر العربي
الشعر نصٌّ إبداعيّ، فالشاعر يعبّر فيه عن رؤيته بطريقة غير تقليديّة، ويستخدم أساليب تعبيرية متعددة، ومن هذه الأساليب: التشبيه أو الاستعارة أو المجاز وغيرها، وكان الشاعر القديم يستخدم هذه الأساليب في شعره، ويرسم الصور الفنية التي تعطي للشعر الصفة الإبداعية التي يتميز بها عن غيره من النصوص، ويؤثر في المتلقي، ولم يكن الاهتمام في الصورة الشعرية محصورًا بالشعر في العصور السابقة، بل إن الشاعر الحديث اهتمّ بها اهتمامًا كبيرًا، وحاول أن يجدّد فيها بما يتواءم مع التجديد في الشعر الحديث من حيث الشكل والمضمون، ولذلك فإن الشعراء المُحدَثين استخدموا الصور بأسلوب أكثر حداثة، واجتهدوا في تجنّب الصور المستهلكة، وحاولوا جَعْل هذه الصور أكثر تمثيلًا للواقع والمجتمع الذي يعيشون فيه.[١]
مفهوم الصورة الشعرية في الشعر الحديث
الصورة وسيلة للتعبير عن الشعور أو الفكرة في أبسط معانيها، ولا يمكن الفصل بين الشعور والفكرة في تشكيل الصورة الشعرية، ولكن هذه الصورة لا تتشكّل بصورة مباشرة أو حرفيّة، بل إن الشاعر فيها لا يرتبط بنسق الأشياء كما هي في الحياة، بل يلجأ إلى اللاوعي يستمدّ منها الرموز المتباعدة في الزمان والمكان؛ ليعبّر عن فكرة أو شعور أو رؤية أو تجربة مرَّ بها في قصيدته، فالقصيدة تتشكل من مجموعة من الصور التي قد لا ترتبط ببعضها في الواقع، ولكن الشاعر بخياله الابتكاري يستطيع الربط بينها، لإقناع المتلقي بأسلوب فني إبداعي بلاغي يؤثر في نفسه، ويثير عاطفته وفكره، ويحفزه على الفَهم والتفسير للنصّ الشعري.[٢]
ويؤدّي الخيال الإبتكاري دورًا مهمًّا في تشكيل الصور الشعرية، بهدف التعبير عن معنى جديد، وتُسهم اللغة أيضًا في تشكيل الصورة الشعريّة، فلا يستخدم الشاعر المعنى المعجميّ المباشر للفظة، إنّما يعيد تشكيلها بصورة خاصّة، أيْ استخدام التعبير الأدبي الذي ينطوي على الانزياح الأسلوبي الذي المتلقي إلى التأويل والتفسير، وهذا ما يجعل النص الشعري يمتلك خصوصية، فقد ينظر إليه كل قارئ من زاويته الخاصة، ليكون النص الشعري ينطوي على معانٍ وتأويلات متعدّدة.[٣]
علاقة الصورة الشعرية بالخيال الأدبي
إن الشعر مزج بين الحقيقة والخيال، أو هو استخدام الخيال لفَهم الحقيقة وفهم الكون والإنسان والحياة، وطرح الأسئلة المتجذّرة في نفس الإنسان، لتشكيل موقف ما تجاه أمر ما، فالخيال أصل الصورة الشعريّة، ولا تتشكل الصورة إلا به، فهو الخيط الذي يجمع عناصر الصورة، ويشكلها في نص شعري إبداعي، يخالف بذلك النصوص المألوفة العادية، فالشاعر يبحث عن اللامألوف؛ ليفهم المألوف أو ليسعى إلى فهمه، وهذا ما يجعل صاحب النص شاعرًا يستحقّ هذه التسمية؛ لما يضفيه على شعره من شعوره، وتمتزج عاطفته بخياله، فيخلق ويبدع نصًّا يحقق له التفرد والتميز عن غيره من الناس، فما يجعل هذا الإنسان مبدعًا أو شاعرًا هو اختلاف نظرته للأمور، وإعماله لعقلِه ومخيّلته التي ترى الأشياء المألوفة، فتحولها إلى أشياء غير مألوفة، فتُحدِث الإدهاش للقارئ وتُسحره، بل تجعله يشارك في تأويل النص الشعري الذي يصبح بوجود الصورة الشعرية فيه مفتوحَ الآفاق للقول فيه.[٤]
ولذلك فالسؤال الذي يُطرح على النصّ الشعريّ: كيف يقول الشاعر ما يقول، لا ماذا يقول، فالموضوعات مطروحة في الطريق، وكذلك الألفاظ، لكن التعبير عن المعنى بالصور هو الذي يجعل الموضوع متميزًا، فقد يجمع الشاعر بين عناصر متنافرة لا علاقة حقيقية بينها في الواقع، ولكن ينسجها بخياله فتصبح معبرة دون أن تبوح، وتبتعد بذلك عن المباشرة والتقريريّة، وهذا ما يجعل الصورة الشعرية جوهر العمل الشعري، فهو تشكيل بالصور مستعينًا بالطاقة اللغوية التي تمنح الشاعر قدرته على التعبير، وتحقيق الانسجام في الصورة الشعرية مما يضفي بعدًا جماليًّا على النص الشعري، وطاقة إيحائيّة تعبر عن نفسية الشاعر، وتجربته الشخصية التي تتعدى الذاتية، وتكتسب بعدًا إنسانيًّا بهذه الصور الشعرية إذا استخدم الشاعر الرمز والأسطورة ببراعة لكي يربط الأزمان ببعضها الأسطورة.[٥]
وتعدّ الصورة الشعريّة وسيلة للتجديد في النص الشعريّ؛ لأنها تجعل النص متجددًا نابضًا بالحركة والحياة، فضلًا عن أنّ الصورة الشعرية تجعل النص الشعري يتجاوز حدود زمانه ومكانه، فتكون سببًا من أسباب خلودِه عن طريق إضفاء بعد إنساني يتوزّع في أجزاء النص عامةً، لذلك يشعر القارئ أنّ الشاعر يخاطبه في القصيدة.
شواهد على الصورة الشعرية في الشعر الحديث
يستخدم الشاعر الصورة الشعرية في نصّه، سواء أكان يكتب شعرَ شطريْن أم شعر تفعيلة؛ لأنها تساعد الشاعر في الابتكار الأدبي والتعبير عما يريد بأسلوب متجدّد بعيد عن التكرار، والناظر في الشعر العربي المعاصر يجد أن القصيدة الطويلة تتيح للشاعر أن يمدّ الصورة لتشمل مقطعًا شعريًّا كاملًا، وقد تتعدد فيه الصور، وتتآلف فيما بينها؛ لتُشكّل رؤية الشاعر، ومن أمثلة الصورة في القصيدة الطويلة ما يأتي:
- قصيدة السندباد في رحلته الثامنة لخليل حاوي:[٦]
- تحتلُّ عَيْنيَّ مروجٌ مُدْخَناتٌ
- وإلَهٌ بَعْضُهُ بَعْلٌ خصِيبٌ
- بعْضُهُ جبَّارُ فحْمٍ ونارْ
- ملْيُونُ دارٍ مثلُ داري ودارْ
- تزهو بأَطفالٍ غصُونِ الكرمِ
- والزيتون جمر الربيعْ
- غبَّ ليَالي الصَّقيعْ
يمكنُ ملاحظة أنّ الشاعر خليل حاوي في النص السابق يستخدم أسطورة "بعل"، وهي تدلّ على البعث والتجدد، ويعود إلى التراث العربي ويستلهم منه شخصية السندباد؛ ليعبّر فيه عن رؤيته للواقع المحيط، بالإضافة إلى صور فنيّة متعدّدة كما ظهر في قولِه: والزيتونُ جمرُ الرّبيع.
- أكاد أسمع العراق يذْخرُ الرعودْ
- ويخزن البروق في السّهول والجبالْ
- حتى إِذا ما فضَّ عنها ختمها الرّجالْ
- لم تترك الرياح من ثمودْ
- في الوادِ من أثرْ
- أكاد أسمع النخيل يشربُ المطر
- وأسمع القرى تئنّ ، والمهاجرين
- يصارعون بالمجاذيف وبالقلوع
- عواصف الخليج، والرعود، منشدين:
- مطر ...
- مطر ...
- مطر ...
- وفي العراق جوعْ
- وينثر الغلالَ فيه موسم الحصادْ
- لتشبع الغربان والجراد
- وتطحن الشّوان والحجر
- رحىً تدور في الحقول ... حولها بشرْ
- مطر ...
- مطر ...
- مطر ...
المراجع[+]
- ↑ سلمى الخضراء الجيوسي (2007)، الاتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث (الطبعة الثانية)، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، صفحة 744. بتصرّف.
- ↑ عز الدين إسماعيل (1978)، الشعر العربي المعاصر:قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية (الطبعة الثالثة)، القاهرة: دار الفكر العربي، صفحة 35، 39. بتصرّف.
- ↑ شكري الماضي (2011)، مقاييس الأدب: مقالات في النقد الحديث والمعاصر (الطبعة الأولى)، دبي: العالم العربي للنشر والتوزيع، صفحة 73. بتصرّف.
- ↑ شكري الماضي (2011)، مقاييس الأدب: مقالات في النقد الحديث والمعاصر (الطبعة الأولى)، دبي: دار العالم العربي للنشر والتوزيع، صفحة 74، 71. بتصرّف.
- ↑ شكري الماضي (2011)، مقاييس الأدب: مقالات في النقد الدديث والمعاصر (الطبعة الأولى)، دبي: دار العالم العربي للنشر والتوزيع، صفحة 70، 72. بتصرّف.
- ↑ "السندباد في رحلته الثامنة"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 1-07-2019.
- ↑ "أنشودة المطر"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 1-07-2019.