رمضان شهر الانتصارات
محتويات
شهر رمضان
فاضل الله تعالى بين خلقه زمانًا ومكانًا، ففضل بعض الأمكنة على بعض، كما فضل بعض الأزمنة على بعض، ليختار سبحانه وتعالى شهر رمضان على سائر الشهور، فهو كالشمس بين الكواكب، وأختص تبارك وتعالى هذا الشهر بفضائل عظيمة ومزايا كبيرة، فيه نزل القراَن الكريم وفيه ليلة القدر والتي هي خيرٌ من ألف شهر، وجاء في قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ*لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}،[١] وهو الشهر الذي فرض الله تعالى صيامه كما انه شهر العتق من النار، والتوبة والمغفرة وتكفير الذنوب والسيئات، يتناول هذا المقال رمضان شهر الانتصارات، والانتصار على النفس الأمارة بالسوء بالإضافة لتفصيل غزوة بدر وشهداء هذا الشهر الفضيل.[٢]
رمضان شهر الانتصارات
اعتبر رمضان شهر الانتصارات في الإسلام، فكانت انتصارات قد غيرت مجرى التاريخ وأرست دعائم الأمن في الأمة الإسلامية، ففيه كانت أول غزوات المسلمين والتي سُميت غزوة بدر بالسنة الثانية للهجرة وكانت الغزوة بين الحق والباطل، بين الشِرك والتوحيد، بين الإسلام والجاهلية، كما شهد رمضان فتح مكة المكرمة في السنة الثامنة للهجرة، وبالفتوحات الإسلامية شهد الشهر العظيم معركة القادسية بقيادة الصحابي سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-، وفُتحت بلاد الأندلس على يد طارق بن زياد، ووقعت معركة حطين والتي استرد فيها المسلمين بيت المقدس، وبما أن رمضان شهر الانتصارات فقد انتصر المسلمين على التتار في معركة عين جالوت بقيادة سيف الدين قطز، وفُتحت القُسطنطينية على يد محمد الفاتح.[٣]
ولأن هذا الشهر عظيم كانت أحداثه عظيمة على مر التاريخ الإسلامي، حيث كانت نهاية حقُبة عبادة الأصنام التي كان العرب يعبدها قبل الإسلام، ففي هذا الشهر من السنة الثامنة للهجرة، بعث النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- الصحابي خالد بن الوليد لهدم بيت العُزى، وبعث الصحابي عمرو بن العاص لهدم سواع، كما وكل سعد بن زيد الأشهلي بهدم مناة، وفي السنة التاسعة بعث المُغيرة بن شعبة لهدم اللات الذي كانت تعبده ثقيف في الطائف.[٤]
وفي رمضان شهر الانتصارات فُتحت عمورية وهي بلدة قرب أنقرة في تركيا، وكانت من أفضل بلاد النصرانية، وبدأت قصة الفتح بان الروم قد هاجموا المسلمين وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وأسروا الرجال وسبوا النساء، حتى صاحت امرأة هاشمية وقالت: وامعتصماه، فبلغ الخبر المعتصم، فقال وهو جالس على عرشه: لبيك لبيك، وجهز جيشًا عظيمًا وخرج إلى الروم، ففتح عمورية سنة ثلاث وعشرين ومائتين.[٤]
الانتصار على النفس الأمارة بالسوء
هيأ الله -سبحانه وتعالى- للصائم نصر على الشيطان، فصفده ليُسهل للمسلم ويقوي عناصر المناعة الإيمانية لديه، ويستحضر كل مسببات القوة اللازمة لينتصر في معركته مع شيطانه بشكل دائم أو غالب على أقل تقدير، وهذا الشهر فرصة مناسبة للانتقام من الشيطان والتغلب عليه بسهولة ويُسر، وأُعتبر عدم النصر على الشيطان في شهر رمضان فشل، لأن المسلم حر طليق في كامل قوته ولياقته وعافيته بينما الشيطان مُكبل مُصفد.[٥]
ولأن رمضان شهر الانتصارات فأن المسلم في تمرين عملي على التغلب على شهواته المُختلفة، من شهوة البطن والفرج والنظر والسمع والكلام والقلب والنفس وغيرها، والانتصار على الشهوات قضية مصيرية بالنسبة للمؤمن، لأن الهزيمة فيها وفشل المقاومة يؤدي به للانهزام بجميع المعارك بالحياة، لأن الشهوات تحجز موارد التوفيق، وتصرُف النجاح، فالسلف حققوا الانتصارات على أعدائهم بعد أن انتصروا بمعركة الشهوات ومعظم هزائم المسلمين كانت بعد استسلامهم لشهواتهم.[٥]
وفي رمضان ينبغي على المسلم أن ينتصر على الرياء، والشح والبُخل وتطهير النفس منهما، ورمضان فرصة مواتية للانتصار على اللسان واَفاته، وهو ميدان رحب لتحقيق كل مظاهر الجدية والإيجابية لدى المؤمن والابتعاد عن السلبية واللامبالاة، كما أنه شهر انتصار على أمراض القلوب المليئة بالحقد والبغضاء والكراهية، ووسائل تنظيف وتطهير القلب متوفرة بكثرة بالشهر الفضيل، والقلب السليم عُملة رابحة تنفع صاحبها يوم القيامة، وتُنقذه من عذاب النار، وجاء في قوله تعالى: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ*إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}،[٦] ويُعد رمضان فرصة للانتصار على اليأس والإحباط، والانتصار على سوء الخُلق والتأكل والهزال الروحي.[٥]
غزوة بدر
كانت قريش قد صادرت أموال وأملاك المهاجرين مع النبي -عليه الصلاة والسلام- وتربصت للنيل منهم بجميع الوسائل، المهاجرين أرادوا إضعاف قريش والضغط عليها من خلال التعرض لقوافلها التجارية بين مكة المكرمة والشام، التي تمر بالقرب من المدينة المنورة، وعلم المسلمين أن قافلة كبيرة يرأسها أبي سُفيان تحمل أموالًا عظيمة، فندب النبي الكريم أصحابه للخروج لأخذها فخرج ثلاثمائة وتسعة عشر رجلًا، لما بلغ أبا سُفيان خروج المسلمين سلك بالقافلة طريق الساحل، وأرسل لقبيلته يطلب النجدة، فخرجت قُريش بقيادة أبا الحكم ولم يتخلف من فُرسانها إلا القليل، حتى بلغ جيشهم ألف مقاتل، فلما بلغوا الجحفة علموا بنجاة القافلة لكن أبا الحكم أصر على المضي وقال: والله لا نرجع حتى نقدم بدْرًا فنقيم بها ونطعم من حضرنا وتخافنا العرب.[٧]
المسلمين وصلوا إلى بدر وعلموا بنجاة القافلة وقدوم جيش قريش، فاستشار النبي العظيم أصحابه وبالتحديد الأنصار لانهم بايعوه على الدفاع عنه داخل المدينة، ولم يباعوه على القتال خارجها، فكان رد الأنصار من الأوس والخزرج بالبقاء مع النبي -عليه الصلاة والسلام، فلما رأى اجتماعهم على القتال بدأ بتنظيم الجيش، وقبل المعركة أشار النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى مكان مصارع جماعة من زعماء قريش، فما تحرك أحدهم عن موضع يده، وأنزل الله تعالى مطرًا طهر به المؤمنين وثبت به الأرض تحت أقدامهم، وجعله وبالًا شديدًا على المشركين.[٧]
وفي صبيحة يوم السابع عشر من الشهر الفضيل من السنة الثانية للهجرة، رتب النبي الكريم الجيش في صفوف تُشبه صفوف الصلاة، وبدأ القتال بين الفريقين بمبارزات فردية ثم كان التحام الصفوف، وأمد الله تعالى المسلمين بمدد من الملائكة كما جاء بقوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ}،[٨] ونصر الله تعالى النبي والمؤمنين رغم قلة عددهم وعُدتهم، وكانت نتيجة الغزوة مقتل قائد قريش عمرو بن هشام وعدد كبير من زعمائهم كأمية بن خلف والعاص بن هشام، وبلغ عدد القتلى من قريش سبعين رجلًا وأُسر منهم سبعون أبرزهم سُهيل بن عمرو، والوليد بن الوليد، والعباس بن عبد المطلب، وما تبقى من المشركين فروا من ساحة المعركة تاركين ورائهم غنائم كثيرة، وأقام النبي -عليه الصلاة والسلام- في بدر ثلاثة أيام ودفن شهداء المُسلمين وهم أربعة عشر شهيدًا، وقد تمت مفاداة الأسرى بالمال، وكانت هذه الموقعة من المعارك الفاصلة في تاريخ الإسلام وسماها الله تعالى بيوم الفرقان بالكتاب الكريم لأنها فرقت بين الحق والباطل وكان لها الأثر الطيب في إعلاء شأن الإسلام وعزة للمسلمين.[٧]
شهداء شهر رمضان
أُستشهد في رمضان عددًا من الصحابة والتابعين، ولعل الله تعالى اختار لهم الشهادة في الشهر الفضيل مكافئة لما قدموا للإسلام والمسلمين، ولعل أبرز من أُستشهد في رمضان الخليفة الراشدي الرابع علي بن أبي طالب، المعروف عند أهل التاريخ والسيرة أن أمير المؤمنين -رضي الله عنه- قُتل بضربة غادرة بسيف عبدالرحمن بن ملجم المرادي على هامته، وكان ذلك فجر يوم الجمعة السابع عشر من رمضان سنة أربعين هجري.[٩]
ومن شهداء شهر رمضان أبناء الخنساء الأربعة في معركة القادسية، قبل أن ينزلوا ساحة المعركة جمعتهم وأوقدت في قلوبهم جذوة الإيمان ونور اليقين، وشدت من أزرهم، وذكرتهم بما أعد الله تعالى للمسلمين من ثواب، ولما احتدم وطيس الحرب تقدم أبناؤها الأربعة واشتدوا على عدوهم غير مبالين بالموت حتى قضوا نحبهم جميعًا، ولَمَّا بلغ خبر استشهادهم إلى الخنساء لم تجزع، بل قالت: "الحمد لله الذي شرَّفني بهم".[١٠]المراجع[+]
- ↑ سورة القدر، آية: 1-3.
- ↑ "فضائل شهر رمضان"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-07-2019. بتصرّف.
- ↑ "رمضان شهر الانتصارات والفتوح (خطبة)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-07-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب "معارك العزة في رمضان"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-07-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "رمضان وبرنامج الإنتصار"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-07-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الشعراء، آية: 88-89.
- ^ أ ب ت "غزوة بدر الكبرى 2هـ"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-07-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنفال، آية: 9.
- ↑ "تفاصيل حول كيفية مقتل الإمام علي رضي الله عنه"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-07-2019. بتصرّف.
- ↑ "المرأة الجسور.. الخنساء"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-07-2019. بتصرّف.
