المحسنات البديعية في اللغة العربي
محتويات
اللغة العربية
تعدُّ اللغة العربية لغة من اللغات السامية الأكثر انتشارًا في العالم، فهي اللغة الرسمية لدول الوطن العربي الكبير ولبعض الدول المحيطة بالوطن العربي، وهي لغة مقدسة؛ لأنَّها لغة القرآن الكريم ولغة الصلاة والعبادات الإسلامية، ولأنَّ أعداد المسلمين في العالم تجاوزتِ المليار مسلم كان من الطبيعي أن يزداد عدد المتقنين للغة العربية في العالم من غير العرب بسبب الدافع الديني لتعلُّمها، وتُستخدم اللغة العربية أيضًا كلغة رسمية في الكنائس العربية الممتدة في الوطن العربي، وهي أعظم لغة على وجه الأرض، فقد عظمتْ بعلومها وبلاغتها وفصاحتها واتساع معانيها وكثرة كلماتها، وهذا المقال سيسلِّط الضوء على علم البلاغة والمحسنات البديعية في اللغة العربية بالتفصيل.
علم البلاغة
قبل التفصيل في المحسنات البديعية في اللغة العربية لا بدَّ من تعريف علم البلاغة، فلمَّا قُسِّمَتْ علوم اللغة العربية صُنِّفَتِ المحسنات البديعية في اللغة العربية مع علم البلاغة، وعلم البلاغة هو واحد من علوم اللغة العربية، والبلاغة في اللغة من الفعل بلَغَ ومعناها أدرك الشيء وعرف الغاية ووصل إلى النهاية، وبناءً على هذا تكون البلاغة في اللغة إيصال المعنى المراد إلى المتلقي السامع أو القارئ بإيجاز، وقد جاء عن ابن الأثير أنَّه قال: "مدارُ البلاغة كلِّها على استدراج الخصم إلى الإذعان والتَّسليم؛ لأنَّه لا انتفاع بإيراد الأفكار المليحة الرَّائقة ولا المعاني اللطيفة الدَّقيقة دون أن تكون مستجلبةً لبلوغِ غرض المخاطبِ بها".[١]
ويحيط علم البلاغة بالجملة العربيّة إحاطة كاملة، فيبحث عن كلماتها وفي تراكيب الجملة وفي معنى الجملة العربية أيضًا، ولهذا قسَّم العلماء علم البلاغة إلى ثلاثة أقسام رئيسة، وهي: علم البيان، علم المعاني، علم البديع، وفيما يأتي تفصيل وتعريف لكلٍّ من علم البيان وعلم المعاني، وعلم البديع الذي يبحث في المحسنات البديعية في اللغة العربية.[١]
علم البيان
يُعرَّف علم البيان بأنَّه علم يبحث في مطابقة الكلام للحال الذي قيل فيه هذا الكلام، ويهتمُّ علم البيان أيضًا بتأليف الكلام ونظمه وسياقه، لذلك تُصنَّف الأساليب اللغوية في اللغة العربية مع علم البيان، كالأسلوب الخبري والإنشائي وأسلوب الإيجاز والإطناب والمساواة، وجدير بالقول إنَّ أوَّل من ألَّف كتابًا في علم البيان هو أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي البصري وكان اسم الكتاب "مجاز القرآن"، ولعلم البيان أركان يقوم عليها، وهي: التشبيه، المجاز، الكناية، الاستعارة، والله تعالى أعلم.[٢]
علم المعاني
يهتمّ علم المعاني بمعاني النصِّ وأفكارها، وهو علم يعرف به أحوال اللفظ وطابقة للمعنى المراد، كما يهتم هذا العلم بالتركيب اللغوي الخاص بالنصِّ في اللغة، ويقوم علم المعاني بإرشاد الكاتب إلى الصورة اللفظية المُرادة بأقرب صياغة ممكنة، لذلك فهو يهتم بأمور الإيجاز والإطناب في اللغة، ويهتم بأسلوب الفصل والوصل ويُعنى بالاستعارة والمجاز المرسل والتشبيه والكناية وغيرها من الأساليب البلاغية في اللغة العربية.[٣]
علم البديع
هو أهمّ فرع من فروع البلاغة العربية، وهو علم يهتم بتحسين الكلام من حيث اللفظ والمعنى في النص، ويتفق المؤرخون أنَّ الخليفة العباسي عبد الله بن المعتز هو أول من وضع علم البديع، ثمَّ قدامة بن جعفر الذي تناول محسنات أخرى في كتابه "نقد الشعر"، ويُعرِّف ابن خلدون علم البديع على أنَّه: "هو النَّظر في تزيين الكلام وتحسينه بنوع من التنميق: إما بسجعٍ يفصلُهُ، أو تجنيس يشابه بين ألفاظِهِ، أو ترصيعٍ يقطع أوزانه، أو تورية عن المعنى المقصود بإيهام معنى أخفى منه، لاشتراك اللفظ بينهما، أو طباق بالتقابل بين الأضداد وأمثال ذلك"، وعرَّفه الجاحظ بقوله: "والبديع مقصور على العرب، ومن أجلِهِ فاقَتْ لغتُهم كلَّ لغة، وأربت على كلِّ لسان"، وتُقسم المحسنات البديعية في اللغة إلى محسنات معنوية ومحسنات لفظية، والله تعالى أعلم.[٤]
المحسنات البديعية في اللغة العربية
تُقسم المحسنات البديعية في اللغة العربية إلى محسنات معنوية ومحسنات لفظية؛ فالمُحسِّنات المعنوية تهتمُّ بتحسين معنى جملة ومضمونها لا شكلها وألفاظها، أما المحسنات اللفظية فتعنى بتحسين لفظ النصّ، وفيما يأتي تفصيل في شرح المحسنات البديعية في اللغة العربية.
المحسنات المعنوية
وهي نوع من المحسنات البديعية في اللغة العربية، وتُعنى المحسنات المعنوية بتحسين الجانب المعنوي من النص وليس الجانب اللفظي الظاهر المقروء، ومن المحسنات المعنوية في اللغة العربية ما يأتي:[٤]
- الطباق: وهو الجمع بين الضدين في جملة واحدة، ويكون الطباق إيجابيًّا أو سلبيًّا، الإيجابي يكون بذكر اللفظ وضده، مثل: أبيض، أسود، والسلبي يكون بإضافة الكلمة ومرتين، مرة بنفي ومرة بلا نفي، مثل: وصلتُ إلى البيت وما وصلتُ.
- المقابلة: وهي مجيء معنيين غير متقابلين أو أكثر من معنيين، مثل قوله تعالى في سورة التوبة: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا..}.[٥]
- التورية: وهي ذكر لفظ في الكلام له معنيان، أحد المعنيين قريب والآخر بعيد، ومثاله قول "شوقي" الثانية للشاعر حافظ إبراهيم:
يقولون إنَّ الشَّوق نارٌ ولوعةٌ
- فما بال شوقي اليوم أصبح باردا
- حسن التعليل: وهو إنكار علة الأمر الواضحة والإتيان بعلة أدبية طريفة ومناسبة للموقف.
- المشاكلة: ربط الشيء بغيره لفظًا لأنَّه مصاحب له.
- التوجية أو الإيهام: هو الإتيان بكلام يحمل معنيين مختلفين لإيصال الغرض المُراد دون أن يؤخذ على القائل شيء أبدًا.
- المبالغة: هو وصف الشيء وصفًا مستحيلًا.
- التبليغ: وصف الشيء وصفًا ممكنًا في العقل والعادة.
- الإغراق: وصف الشيء وصفًا ممكنًا في العقل لا في العادة.
- الغلوّ: وصف الشيء وصفًا مستحيلًا في العقل والعادة.
المحسنات اللفظية
وهي المحسنات التي تُعنى بتحسين لفظ النصِّ في اللغة العربية، ومن المحسنات اللفظية التصريع وحُسن التقسيم والازدواج والجناس والسجع وردُّ العجز إلى الصدر، وفيما يأتي شرح أهم المحسنات اللفظية في اللغة العربية:[٤]
- الجناس: وهو تشابه اللفظين نطقًا واختلافهما معنًى، ويُقسم إلى جناس تام وهو الذي يتفق بنوع الحروف وشكلها وعددها وترتيبها، ويختلف بالمعنى، ومثاله قول الله تعالى ساعة في سورة الروم: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ}[٦]، وجناس ناقص وهو ما اختلف اللفظان في نوع الحروف أو عددها أو شكلها أو ترتيبها اختلافًا بسيطًا.
- السجع: والسجع هو توافق الفواصل في النثر بحرف واحد، ويكثر السجع في المقامات الأدبية، مثل المقامة البغدادية التي يقول فيها بديع الزمان الهمذاني: "اشْتَهَيْتُ الأَزَاذَ، وأَنَا بِبَغْدَاذَ، وَلَيِسَ مَعْي عَقْدٌ عَلى نَقْدٍ".
- رد العجز على الصدر: وهو ذكر الكلمة في أول الفقرة وفي آخرها بما يتناسب مع أولها، وتكثر هذه الحالة في الشعر، ومثالها قول الشاعر الأقيشر السعديّ:
سريعٌ إلى ابنِ العمِّ يَلْطُمُ وجْهَهُ
- وليسَ إلى داعي النَّدَى بسَرِيعِ
روَّاد علم البديع
كان العرب القدماء يهتمون بشؤون لغتهم اهتمامًا بالغًا، هذا الاهتمام أدى إلى وجود عقول مفكرة عربية استطاعت أن تضبط قواعد هذه اللغة العظيمة؛ فمنهم من وضع علم النحو، ومنهم من اختصَّ بعلم العروض، ومنهم من سبر أغوار علم البلاغة وأقسامَهُ كاملة، وكان لعلم البديع من هؤلاء العلماء نصيب وافر، وفيما يأتي أبرز رواد علم البديع في التاريخ:[٤]
قدامة بن جعفر
وهو أحد علماء اللغة المشهورين في التاريخ العربي، فهو صاحب كتاب نقد الشعر، وفي هذا الكتاب يمرُّ قدامة على المحسنات البديعية في اللغة العربية ويشرحها شرحًا كافيًا شافيًا، ومن المحسنات التي ذكرها قدامة في كتابه: "الترصيع، الغلو، صحة التقسيم، صحة المقابلات، صحة التفسير، التتميم، المبالغة، الإشارة، الإرداف، التمثيل. التكافؤ، التوشيح، الإيغال، الالتفات".
ابن قيم الجوزية
هو شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعيّ الدّمشقيّ، عالم من علماء العرب، وهو أحد الأشخاص الذين اهتموا بعلم البلاغة اهتمامًا كبيرًا، فقد تحدَّث في كتبِهِ عن الحقيقة والمجاز والاستعارة والتمثيل، وهي مسائل اختص بها علم البلاغة، كما تحدَّث عن المحسنات المعنوية واللفظية بالتفصيل.
التنوخي
هو محمد بن عمرو التنوخيّ، عالم من علماء العرب، وصاحب كتاب "الأقصى القريب في علم البيان"، وقد تحدَّث فيه عن بعض ما يحمل علم البديع، فذكر تأكيد المدح بما يُشبه الذم والاشتقاق والتكرار والتقسيم والمبالغة والتضمين والاستدراج والسجع ولزوم ما لا يلزم والجناس، وغيرها.
المراجع[+]
- ^ أ ب "البلاغة"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 13-07-2019، بتصرّف.
- ↑ "علم البيان"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 13-07-2019. بتصرّف.
- ↑ "علم المعاني"، www.books.google.com، اطّلع عليه بتاريخ 13-07-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث "علم البديع"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 13-07-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة التوبة، آية: 82.
- ↑ سورة الروم، آية: 55.