تأملات في سورة الضحى
سورة الضحى
تعدّ سورة الضّحى من السّور المكّيّة التي نزلت على النّبيّ محمّد –صلّى الله عليه وسلّم- في مكّة الكرّمة، بعد سورة الفجر، تقع في القرآن الكريم في الجزء الثّلاثين، وترتيبها السّورة الثّالثة والتّسعون، وتعتبر من قصار المفصّل، عدد آياتها إحدى عشرة آية، وقد نزل الوحي بها على النّبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- بعد انقطاعه لعدّة أيام، فضاق صدر النّبيّ واشتدّ كربه، وظنّ بأن الوحي قد هجره، فكان الفرج الرّبانيّ، فأنزل الوحي الأمين بهذه السّورة الكريمة بلمستها الحانية على قلب المصطفى –صلّى الله عليه وسلّم- لتخفّف عنه ما نزل به من آلام وأوجاع وأحزان، وتسكب فيه الأمل والرّضى، فكانت له من ربّه تسلية وتسرية ونجاء وطمأنينة، وبعد هذه المقدّمة سيتمّ الانتقال إلى تأملات في سورة الضحى.[١]
تأملات في سورة الضحى
ما أكثر ما تحيط بالإنسان في هذه الحياة الهموم من كلّ جانب، حتّى ليجد أحيانًا الدّنيا تضيق عليه بما رحبت، تلك حقيقة واقعيّة، وحينئذٍ فإنه بحاجة إلى من يزرع فيه الأمل، ويفتح له بابًا من الرّجاء، ويرشده إلى الطّاقات الكامنة فيه، وسورة الضّحى تعدّ لمسة حانية على القلوب البائسة، وعلى النّفوس الحائرة، وتعدّ دفقة أمل بأنّ رعاية الله وعونه لا يتخليان عن عباده المؤمنين، فسورة الضّحى تعدّ البلسم الشّافي للنّبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- بعد انقطاع الوحي عنه لأيام عدّة، وهي من السّور التي تحمل في طيّاتها الكثير من المعاني والأحكام الجليلة، والحديث عن تأملات في سورة الضحى يطول شرحه، لذا سيتمّ التّطرق إلى التّأملات واللّمسات البيانيّة في قوله تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى}،[٢][٣]
إنّ هذا التّرتيب الإلهي لهذه الآيات هو التّرتيب الأمثل والطّبيعيّ، وذلك لأنّ الإنسان إلى ما قبل سنّ البلوغ يسمّى يتيمًا، إذا فقد أحد والديه أو كلاهما، فاليتم إلى ما قبل سنّ البلوغ، وبعد ذلك ينتقل إلى سنّ التّكليف، وفي هذا السنّ تنتفي عنه صفة اليتم، ويصبح في سنّ التّكليف الشّرعيّ، فأصبح واجبًا عليه أن يميّز بين الحلال والحرام وأن يتعرّف طريق الهداية، ليتعلّم كيف يسير في هذه الحياة ضمن الضّوابط الشّرعيّة، وليتوصّل بعد ذلك إلى الكسب الحلال، قبل أن يكون فقيرًا أو غنيّا، وبعد ذلك تأتي العيلة بعد سنّ البلوغ، فالنّبيّ –صلى الله عليه وسلّم- كان فقيرًا معدمًا فأغناه الله تعالى، وكفاه حاجة الغير بزواجه من السّيّدة خديجة –رضي الله عنها- فالإنسان سواء فقيرًا أو غنيًّا لا بدّ وأن يسير ضمن النّهج الإلهيّ، فترتيب الآيات الثّلاث السّابقة هو التّسلسل الطّبيعيّ في هذه الحياة، المرحلة الأولى مرحلة اليتم لمن فقد والديه أو أحدهما، ثمّ المرحلة الثّانية بعد سنّ البلوغ الهداية، ثمّ المرحلة الثّالثة الفقير والغنيّ يجب أن يسيرا في طريق الهداية، وممّ تقدّم فقد تمّ الوقوف على تأملات في سورة الضحى، وفي الآيات الثّلاث 6-8 فقط لضيق المجال.[٣]
هدف سورة الضحى
إن هدف سورة الضّحى الأسمى تثبيت النّبيّ الكريم –صلّى الله عليه وسلّم- وإبعاد القلق والحزن عنه، والتّأكيد له بأنّ الذي رعاه وحماه سابقًا، لن يتخلّى عنه لاحقًا، ووعد ربّه ووعده الحقّ، بأنّ الآخرة ستكون خير له من الأولى، والتي لقي فيها ما لقي من اليتم وضنك العيش ومرارته، ولسوف يكون عطاء ربّه له بلا حدود، حتّى يرضى رضاء أبديًّا، قال تعالى: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}،[٤] ثمّ ينتقل الخطاب الرّبانيّ من الخاصّ إلى العام من النّبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- إلى كلّ مؤمن، بأن يسترجع شريط حياته، ويستذكر كم مرّ بشدائد وخطوب، ثمّ أتاه الفرج من الله تعالى بعد ذلك، فاطمأنّت نفسه، وذهب حزنه، وبشّ وجهه، إنّ الأسلوب القرآني المعجز في سورة الضّحى بتذكير النّبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- بما حلّ به من عسر ويسر إنه دليل بشارة على زوال الخطوب، يكاد يتطابق مع سورة الشّرح، من حيث الهدف والمضمون واللّمسة الحانية، ومن الملاحظ أنّ امتنان الله تعالى في سورة الضّحى على رسوله الكريم –صلّى الله عليه وسلّم- كان قد انصبّ على النّعم الحسيّة، كالإيواء من اليتم والإغناء من الضّلال، بينما الامتنان في سورة الشّرح انصبّ على تذكير نبيّه بالنّعم المعنويّة، كشرح الصّدر ووضع الوزر ورفع الذّكر، وكلا الفضلين من كرم الله تعالى ورحمته بعباده التي وسع بها كلّ شيء، وما على العباد إلّا أن يحدّثوا بنعمة الله تعالى، ويزيدوا من شكرهم لله تعالى عليها.[٥]المراجع[+]
- ↑ جعفر شرف الدين (1420 هـ)، الموسوعة القرآنية، خصائص السور، بيرون-لبنان: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية، صفحة 3، جزء 12. بتصرّف.
- ↑ سورة الضحى، آية: 6-8.
- ^ أ ب فاضل صالح السامرائي، لمسات بيانية، صفحة 417-418. بتصرّف.
- ↑ سورة الضحى، آية: 4-5.
- ↑ "نظرات في سورة الضحى-الأمل في الله لا يزول "، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 21-07-2019. بتصرّف.