الجناس التام في اللغة العربية
محتويات
علم البديع
هو أحد علوم البلاغة العربيَّة، وهو علمٌ يُعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية المُطابقة ووضوح الدلالة، والأنواع البلاغية التي تندرج تحت عنوان "علم البديع" قسمان؛ البديع المعنوي الذي يرجع إلى المعنى فيزيد المعنى حُسنًا، ومن أنواعه: الطباق والمقابلة وحسن التعليل والتورية والمزواجة والمُشاكلة وغيرها، والبديع اللفظي الذي يرجع إالى اللفظ فيزيده حُسنًا ومن أنواعه: الجناس والسجع والمماثلة والموازنة والاقتباس والتضمين وغيرها، وسيتحدث هذا المقال عن أحد المحسنات اللفظية وهو الجناس التام في اللغة العربية.[١]
الجناس
من أشهر والعروض، ومن الأشياء جملةً، وأمَّا في الاصطلاح فهو تشابه اللفظين في النطق، واختلافهما في المعنى، وسبب هذه التسمية يعود إلى أنَّ تركيب حروف ألفاظه من جنس واحد، والجناس نوعان؛ الجناس التام في اللغة العربية، والجناس غير التام في اللغة العربيّة، كما أنَّ كل نوع منهما ينقسم بدوره إلى أنواع، وأنواع الجناس التام هي المماثل والمُستَوفى وجناس التركيب، أمّا الجناس غير التام فأنواعه الجناس غير التام الواقع في نوع الحروف، والجناس غير التام الواقع في هيئة الحروف، والجناس غير التام الواقع في عدد الحروف، والجناس غير التام الواقع في ترتيب الحروف، وسيتم شرحها بالتفصيل، وذكر الأمثلة المناسبة لتوضيحها.[٢]
الجناس التام في اللغة العربية
الجناس التام في اللغة العربية هو ما اتفق فيه اللفظان في أربعة أمور، وهي: نوع الحروف وهيئة الحروف -أيْ حركاتها وسكَناتها- وعدد الحروف وترتيب الحروف، والجناس التام له ثلاثة أنواع:[٣]
- المماثل أو المُتماثل: وهو ما اتفق لفظه في الاسمية كما في قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ}[٤]، أو ما اتفق في الحرفية مثال قولهم: "من الناس من يعمل من شروق الشمس حتى غروبها"، أو ما اتفق في الفعلية كما في قول البحتري:[٥]
إذا العَينُ رَاحتْ وَهيَ عَينٌ على الجَوَى ** فَلَيْسَ بسِرٍّ ما تُسِرُّ الأضَالِعُ
- الجناس المُستَوفى: كما يُقال له المستوفي، وهو ما كان لفظاه من نوعين مختلفين من أنواع الكلمة، كأن يكون أحدهما فعلًا والآخر اسما كما في المثال: "ارعَ الجار ولو جار"، أو أن يكون أحدهما فعلًا والآخر حرفًا مثل:[٦]
علا نجمه في عالم الشعر فجأة ** على أنه ما زال في الشعر شاديا
أو أن يكون أحدهما اسمًا والآخر حرفًا، مثال ذلك في قول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّك لنْ تُنفِقَ نفقةً تُريدُ بها وجهَ اللهِ إلَّا أُجِرْتَ عليها حتَّى اللُّقمةُ ترفَعُها إلى في امرأتِكَ".[٧]
- جناس التركيب: هو ما كان فيه اللفظان مركبين، أحدهما أو كلاهما، الأول ما كان فيه اللفظان مركبين، ويُدعى الجناس المُلفَّق كما في قول الشاعر:[٨]
فلم تضع الأعادي قَدْرَ شَانِي ** ولا قالوا: فلان قَدْ رَشَانِي
والثاني، ما كان فيه أحدُ اللفظين مركبًا والآخر كلمة واحدة، وهو:
- إمَّا متشابه، والذي تشابه ركناه لفظًا وخطًّا، مثال:[٩]
إذا ملك لم يكن ذاهبه ** فدعه فدولته ذاهبه
- وإمّا مفروق، وهو ما تشابه ركناه لفظًا لا خطًا، ومثال عليه:[١٠]
لا تعرضنّ على الرواة قصيدة ** ما لم تكن بالغت في تهذيبها
فإذا عرضت القول غير مهذب ** عدوه منك وساوسّا تهذي بها
- إمَّا مَرفُوّ، وهو ما كان أحدُ ركنيه كلمة واحدة، والآخر مركب من كلمة وبعض كلمة أخرى، ومثاله:[١١]
والمكر مهما استطعت لا تأته ** لتقتني السؤدِّدَ والمكرمه
الجناس غير التام في اللغة العربية
بعد الحديث عن الجناس التام في اللغة العربية وأنواعه، لا بدّ من ذكر الجناس غير التام وأنواعه أيضًا، وهو ما اختلف فيه اللفظان المتجانسان في واحدٍ من الأمور الأربعة الآتية نوع الحروف أو عدد الحروف أو هيئة الحروف أو ترتيب الحروف، وهي بالتفصيل كما يأتي:[١١]
- الجناس غير التام الواقع في نوع الحروف: ويشترط فيه ألا يقع الاختلاف بأكثر من حرفٍ واحد، فإن وقع في اثنين أو أكثر مثل: "نصر ونكل"، و"ضرب وفرق"، لك يكن من الجناس، لبعد ما بينهما من التشابه الجناسي، ويأتي هذا الجناس على نوعين:
- الجناس غير التام الواقع في عدد الحروف: ويسمى أيضًا جناسًا ناقصًا؛ لنقصان حروف أحد اللفظين عن الآخر، واتفاق الباقي في النوع والهيئة والترتيب، وله ثلاثة أنواع:
- المُطرَّف: ما كانت الزيادة في أحد لفظيه في أول اللفظ، كما في قوله تعالى: {والتفت الساق بالساق* إلى ربِّكَ يومئذٍ المساق}.[١٤]
- المُكتنف: ما كانت الزيادة فيه في وسط اللفظ، ومثاله القول: "لم يخلق الله داءً إلا وخلق له دواء".
- المُذيَّل: ما كانت الزيادة فيه في آخر اللفظ ومثاله قول حسان بن ثابت:
وكنا متى يغوُ النبيُّ قبيلةً
نصل جانبيه بالقنا والقنابل
- الجناس غير التام الواقع في هيئة الحروف: وهذا الجناس يأتي على نوعين:
- الجناس المُحَرَّف: هو ما اختلف فيه اللفظان بالضبط، أي بالحركات والسكنات، ومثاله كما جاء في حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم كما حَسَّنتَ خَلقِي، فحسّن خُلُقي".[١٥]
- الجناس المُصحَّف: هو ما اختلف فيه اللفظان في النقط لاغير، بحيث لو أُزيل نقطة من إعجام أحدهما أي نقطة منه، أو كليهما لم يُميَّز أحدهما من الآخر، كما في قول الشاعر:[١٦]
من بحرِ جودك أغترف ** وبفضل عِلمك أعترف
- الجناس غير التام الواقع في ترتيب الحروف: ويُسمى جناس القلب، ويكون الاختلاف فيه واقعًا في ترتيب الحروف، ويأتي على أربعة أنواع:
- القلب الكلِّي: وهو ما انعكس فيه ترتيب حروفه تمامًا، كما في قول الشاعر:[١٧]
حُسامك فيه للأحباب فتحُ ** ورمحك فيه للأعداء حتفُ
- قلب بعض: وهو ما انعكس فيه ترتيب الحروف جزئيًا: نحو القول: "رحم الله امرأً أمسكَ ما بين فكيَّه، وأطلق ما بين كفَّيه".
- المُجنَّح: وهو ما كان أحد اللفظين المتجانسين المقلوبين في أول البيت من الشعر، أو الفقرة من النثر، والآخر من آخر البيت، أو في آخر الفقرة، وسميَّ كذلك لأن اللفظين صارا للبيت كالجناحين للطائر في وقوعهما متوازيين من الطرفين المتقابلين، ومن أمثلته:[١٨]
قد لاح أنوار الهدى
في كفِّه في كلِّ حال
- المُسْتَوي: وهو ما يُمكن فيه قراءة ألفاظ البيت أو العبارة طردًا وعكسًا دون أيِّ تغيير في المعنى، كما في قوله تعالى: {كلٌّ في فُلك}.[١٩]
ملحقات الجناس
بعد الحديث المُفصَّل عن الجناس التام في اللغة العربية، وعن الجناس غير التام وأنواعه، من الجيد الاشارة إلى ملحقات الجناس وهي ثلاثة أنواع:[٢٠]
- الجناس المزدوج: ويسمى كذلك المردَّد أو المكرَّر، وهو أن يأتي اللفظان المتجانسان متتاليين دون فاصلٍ بينهما، كما في قوله تعالى: {ولا نُطيعُ فيكم أحدًا أبدًا}".[٢١]
- جناس الاشتقاق: وهو أن يجمع الاشتقاق بين اللفظين، كما في قوله تعالى: {إنِّي وجهتُ وجهي للذي فطرَ السماوَاتِ والأرضَ حَنيفًا}.[٢٢]
- شبه جناس الاشتقاق: وهو ما يشبه الاشتقاق وليس منه، والفرق بينهما أن معنى المشتق يرجع إلى أصلٍ واحد كما مرّ، فكلُّ ركن منه يباين الآخر في المعنى، لذلك عدَّه بعض العلماء في الجناس لا في الملحق، لأنَّ اللفظين فيه متشابهان مع اختلافهما في المعنى، ومثال ذلك قوله تعالى: {قال إنِّي لعَمَلِكُمْ من القَالِين}.[٢٣]
المراجع[+]
- ↑ "علم البديع"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 22-07-2019. بتصرّف.
- ↑ "جناس"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 22-07-2019. بتصرّف.
- ↑ "الجناس التام "، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-07-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الروم، آية: 55.
- ↑ "ألمت وهل إلمامها لك نافع"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 22-07-2019.
- ↑ عبده عبد العزيز قليقة (1412-1992)، البلاغة الاصطلاحية (الطبعة 3)، القاهرة: دار الفكر العربي، صفحة 339.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن سعد بن أبي وقاص، الصفحة أو الرقم: 4249، أخرجه في صحيحه .
- ↑ "الأدب والفنون الأخرى"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-07-2019.
- ↑ "القول البديع في علم البديع"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-07-2019.
- ↑ شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري، نهاية الإرب في فنون الأدب، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 78، جزء 4.
- ^ أ ب "الجناس"، www.almerja.com، اطّلع عليه بتاريخ 22-07-2019.
- ↑ سورة الأنعام، آية: 26.
- ↑ سورة الهمزة، آية: 1.
- ↑ سورة القيامة، آية: 29-30.
- ↑ رواه ابن حبان، في بلوغ المرام ، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 451، صحيح.
- ↑ " من بحر شعرك أغترف"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-07-2019.
- ↑ محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي، حاشية الدسوقي، 240: دار الكتب العلمي، صفحة 240، جزء الرابع.
- ↑ محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي، حاشية الدسوقي، بيروت- لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 70، جزء الرابع.
- ↑ سورة لأنبياء، آية: 33.
- ↑ "ديناميكية الأداء الصوتي في القرآن الكريم"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-07-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الحشر، آية: 11.
- ↑ سورة الأنعام، آية: 79.
- ↑ سورة الشعراء ، آية: 168.