سؤال وجواب

تأملات في سورة المؤمنون


سورة المؤمنون

سورة المؤمنون هي السّورة الثّالثة والعشرون حسب ترتيب سور القرآن الكريم، وتحتلّ التّرتيب السّادس والسّبعين من تعداد نزول سور القرآن الكريم، نزلت هذه السّورة الكريمة بعد سورة الطّور، وقبل سورة المُلك، وعدد آياتها مئةٌ وعشر آياتٍ، وتمّ الإجماع بالاتّفاق على أنّها سورةٌ مكيّة، ويقال: سورة المؤمنين على اعتبار الإضافة؛ أي إضافة السّورة إلى المؤمنين كونها افتُتحت بالإخبار عنهم بخبر أنّهم قد أفلحوا، كما يُقال سورة المؤمنون، وسيتمّ الوقوف عند جانبٍ من تأمّلاتٍ في سورة المؤمنون؛ لعرض لمساتٍ بيانيّة منها، تُعين على فهمها وتدبّرها وبيان جانبٍ بسيطٍ من إعجاز القرآن البيانيّ فيها.[١]

تأملات في سورة المؤمنون

إنَ من يقرأ القرآن الكريم بتدبّرٍ وتعقّلٍ كما يريد الشّارع -جلّ وعلا- لا بدّ وأن تستوقفه بعض التساؤلات والاستفسارات التي يبحث عن إجاباتٍ عليها تُرضي فكره وتُثري عقله؛ لذا مع الوقوف عند جانبٍ من تأملاتٍ في سورة المؤمنون سيتمّ الإجابة عن بعض هذه التساؤلات، ومنها في قوله -تعالى- في سورة المؤمنون: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّـهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ}[٢]، وفي سورة الزّمر: {ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّـهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}.[٣][٤]

عند التّفكّر بمعنى هاتين الآيتين الكريمتين سيتبادر إلى الأذهان سؤالان اثنان هما: لمَ قال الله -تعالى- في آية المؤمنون {لَمَيِّتُونَ} باستخدام اللّام، وفي نوحٍ في سورة المؤمنون أنّهم سيموتون غرقًا حين قال: {إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ}، ثمّ قال بعدها: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ}[٥]ثمّ قال بعدها: {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ}[٦]، ثمّ قال بعدها: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[٧]، إلى آخر آيات ذكر الموت الواردة في سورة المؤمنون حيث يُلَاحَظ هنا ذكر الموت في هذه السّورة عشر مرّاتٍ، أمّا في سورة الزّمر فتمّ ذكره مرّتين فقط، ومن ناحيةٍ أخرى إنّه لـمّا كثر الكلام عن الموت في سورة المؤمنون كان لا بدّ من إكثار تأكيده في الآية فكان ذلك في حرفين، ولـمّا قلّ الكلام عن الموت في سورة الزّمر اقتضى ذلك تقليل حروف التّوكيد، وهكذا نجد أنّ كلّ تعبيرٍ كان مناسبًا لموطنه.[٤]

أمّا السؤال الثّاني فهو: لمَ تمّ تأكيد الموت في آية سورة المؤمنون باستخدام إنّ واللّام مع العلم أنّ حقيقة الموت ثابتةٌ لا شكّ فيها وليس ثمّة منكرٌ لها، بخلاف ذلك مع البعث، حيث إنّ له منكرين كثيرين، فما هو التّفسير؟ الإجابة تكون بالقول: إنّ النّظرة الأولى قد تُوحي بأنّه كان يتوجّب تأكيد البعث أكثر من تأكيد الموت، ولكن في الحقيقة هناك جملةٌ من الأسباب التي تقف وراء هذا الاستخدام، ومنها: إنّ ما تمّ ذكره قبل هذه الآية الكريمة والمتعلّق بخلق الإنسان من طينٍ وإحكامه وتطويره من قطرة ماءٍ إلى أن يصبح إنسانًا ذا عقلٍ، فيه أكبر دليلٍ على أنّ القدرة على إعادته ممكنةٌ بلا أدنى ريب، وجاء في "روح المعاني": ولم يؤكّد -سبحانه- أمر البعث تأكيده لأمر الموت مع كثرة المتردّدين فيه والمنكرين له، اكتفاءً بتقديم ما يغني عن كثرة التّأكيد، ويشيد أركان الدّعوى أتمّ تشييدٍ من خلقه تعالى الإنسان من سلالةٍ من طين، ثمّ نقله من طورٍ إلى طور، حتّى أنشأه خلقًا آخر يستغرق العجائب، ويستجمع الغرائب، فإنّ في ذلك دليلٌ على حكمته وعظيم قدرته -عزّ وجلّ-. وهكذا تمّت الإجابة عن بعض التّساؤلات التي تُثار عند الوقوف مع جانبٍ من تأمّلاتٍ في سورة المؤمنون.[٤]

صفات المؤمنين كما أرادها الله في سورة المؤمنون

بعد استعراض جانبٍ من تأمّلاتٍ في سورة المؤمنون أصبح بالإمكان ذكر صفات المؤمنين التي أوردها -جلّ وعلا- في محكم آيات هذه السّورة الكريمة، والتي أكّد عليها من خلال أكثر من آيةٍ من آياتها، ويمكن استخلاصها كما يأتي: من الآية الأولى إلى الآية التاسعة اندرجتْ صفات المؤمنين وهي: الخشوع في الصّلاة، الإعراض عن اللّغو، تأدية الزّكاة، العفّة وحفظ الفرج، حفظ الأمانة والعهد، المواظبة على الصّلاة، ثمّ يأتي ذكر الجزاء لمن تحلّى بهذه الصّفات، وهو: بلوغ الفردوس الأعلى من جنّة النّعيم.[٨]

المراجع[+]

  1. "مقاصد سورة المؤمنون"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-07-2019. بتصرّف.
  2. سورة المؤمنون، آية: 12-16.
  3. سورة الزمر، آية: 29-31.
  4. ^ أ ب ت د. فاضل السامرائي (2003)، لمسات بيانية في نصوص من التنزيل (الطبعة الثالثة)، عمان: دار عمار، صفحة 114. بتصرّف.
  5. سورة المؤمنون، آية: 35.
  6. سورة المؤمنون، آية: 37.
  7. سورة المؤمنون، آية: 41.
  8. "سورة المؤمنون (هدف السورة: مقارنة صفات المؤمنين بمصير الكافرين)"، www.kalemtayeb.com، اطّلع عليه بتاريخ 25-07-2019.