معلقة زهير بن أبي سلمى
محتويات
المعلقات
المعلقات هي أشهر القصائد الشعريّة التي كتبَها العرب، وسُمّيت بالمعلقات لأنّها تعلق في الأذهان كما العقود النفيسة، كما قيل إنّ شعر المعلقات كُتبَ بماء الذهب وعُلقت على أستار الكعبة المُشرفة وكان ذلك قبل بعثة النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وتعدُّ قصائد المعلقات من أجمل وأنفس ما قاله الشعراء العرب من الشعر في الزمن القديم، ولهذا السبب صبَّ الناس اهتمامهم عليها وكتبوها وشرحوها، وغالبًا ما تبدأ هذه القصائد بشعر الوقوف على الأطلال، واستحضار معالم ديار المحبوبة، ويقال أنّ حماد الراوية أول من جمع المعلقات السبع الطوال، ومن شعراء المعلقات عنترة بن شداد والأعشى وزهير بن أبي سُلمى وغيرهم، وسيتحدث هذا المقال عن معلقة زهير بن أبي سُلمى.[١]
شعراء المعلقات
المعلقات وهي القصائد الشعريّة الجاهليَّة الأفضل، وعددها السبع أو العشر باختلاف الأقوال، ولها قيمة كبيرة، حيث بلغت الذروة في قيمتها اللغوية، وفي موسيقاها الشعرية، وفي نضج أفكارها، وتعابيرها الأصيلة، ولم يصل شعراء المعلقات إلى هذا المستوى من الغزل والفخر والحماسة إلا بعد أنّ مروا بتجارب ومراحل إعداد طويلة، وهم من أبرز النجوم التي أضاءت سماء الشعر الجاهليّ:[١]
- عنترة العبسي: هو عنترة بن شدّاد بن قراد العبسيّ، أشهر الشعراء العرب الفرسان، وُلِد من أبٍ عربيّ وأمٍّ حبشيّة، وله قصائد كثيرة في غزل محبوبته عبلة، وقد كان غزله بها عفيفًا جميلًا، اشترك عنترة في حرب داحس والغبراء، وقد ذاق حياة الحرمان من أبيه شداد قبل أن يعترف به ابنًا وينسبه إليه.
- زهير بن أبي سُلمى: هو زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رباح المزني، كان من أشهر شعراء الحكمة في الجاهلية، وهو الشاعر ذو الخُلق الحَسَن والسيرة الطيّبة، وقد عُرفَ بصدقه فلم يمدح أحدًا بما ليس فيه، توفي قبيل ظهور الإسلام والبعثة النبوية.
- طرفة بن العبد: عمرو بن العبد وطرفة هو لقب أُطلقَ عليه، يعدُّ من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية، عاش بداية حياته في اللهو والعبث والمجون؛ وذلك بسبب موت أبيه فقد أساء أعمامه تربيته وسلبوا أمَّه حقوقها فنشأ هذه النشأة البائسة، لم يكن له قصائد كثيرة لأنّه عاش حياة قصيرة.
- لبيد بن ربيعة: لبيد بن ربيعة العامري، وهو من شعراء العصر الجاهلي الذين أدركوا الإسلام، ترك الشعر بعد إسلامه فلم يكتب بعد ذلك إلا بيتًا واحدًا، في الجاهلية مدح ملوك الغساسنة ومنهم: عمرو بن جبلة وجبلة بن الحارث، عاش حياته في الكوفة وقد عاش عمرًا طويلًا.
- الأعشى: هو ميمون بن قيس بن جندل، ولقّب بالأعشى لأنَّه كان ضعيف البصر، وهو من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية، وكان من الشعراء الوافدين على ملوك العرب، والفرس، وتخلّل شعره الكثير من الألفاظ الفارسية، وقد وَفَدَ على الملوك بسبب حاجته للمال فكان يمدحهم مقابل الهدايا والأعطيات.
- النابغة الذبياني: هو زياد بن معاوية من ذبيان، وقيل عنه النابغة لأنّه كتبَ الشعر في سنٍّ متأخرةٍ، ولكنَّه أبدع به دفعةً واحدة، كان من السادة في قومه، وقد توسّط لقومِه عند الغساسنة لمنع الحرب بينهم، كانت علاقته وطيدة بالمناذرة وأولهم المنذر بن ماء السماء، وعمرو بن هند، ولكن علاقته بهم انقطعت بعد ذلك.
- امرؤ القيس: جندح بن حُجر بن الحارث الكندي، وكان مشهورًا باسم امرؤ القيس، يعدُّ من أبرز الشعراء في الجاهلية، وأشهرهم في التاريخ، لقب بألقاب منها الملك الضليل وذي القروح، تعلَّم الشعر مبكرًا من خاله المهلهل، وقيل إنَّه أول من وقف على الأطلال، وأول من بكى عليها ، وأول من أدخل الشعر إلى مَخادع النساء.
- الحارث بن حلزة: اسمه الحارث بن حلّزة بن مكروه، من عظماء قبيلة وائل، كان يفتخر بقومه بني وائل كثيرًا حتى ضُرب به المثل في الفخر، لم يبقَ من أخباره الكثير إلا تدخله للاحتكام عند عمرو بن هند من أجل حل المشكلة بين بكر وتغلب، أنشد معلقته المشهورة للدفاع عن قومه.
- والنابغة الذبياني، ولد زهير عام 520م، ومن المُرجح أنَّه ولد في نجد، وعاش بعد وفاة والده عند خالده بشامة بن الغدير في قبيلة غطفان، تأثَّر من خاله في الأدب والشعر والخلق والعلم، كما أنّه تتلمذ على يد زوج أمّه أوس بن حجر، كان زهير حكيمًا ولم يمدح أحدًا إلا ما بما فيه، وقيل عنه أنّه كان يكتب قصيدته في شهر وينقحها في سنة، بعد ذلك يعرضها على خاصته من الناس، ثم يقرأها على العامة، ولذلك سُميت قصائده تلك بالحوليات، كان أبوه من الشعراء أيضًا، كما كانت كذلك أخته الخنساء وسُلمى، وكذلك ابناه بجير وكعب كانا شاعرين، وقد أردك ابنه كعب الرسول صلى اله عليه وسلم، ومدح بقصيدة مشهورة، عاش زهير طويلًا، وتوفّي عام 608 على أغلب الأقوال، وتعدُّ معلقة زهير بن أبي سلمى من أشهر القصائد في الشهر الجاهليّ.[٢]
معلقة زهير بن أبي سُلمى
تعدُّ معلقة زهير بن أبي سلمى من أشهر قصائد الشعر الجاهلي، وقد اتسمت بالجمال والارتياح والبحث عنهما وعن الجمال في مشاهدها كلُّها، وقد كان مطلعها كما أغلب مطالع المعلقات في الوقوف على ديار الأحبة، والحديث معها وسؤالها عن المحبوبة، ووصف ما بها من الآثار والدِمن، فكانت المقدمة في معلقة زهير بن أبي سلمى عن زوجته أمّ أوفى، عندما وقف يتأمل ديارها فقد كانت زوجته ثم طلقها، وبدأ يصف ما بقي من تلك الديار وما سكنها من الحيوانات كالغزلان والبقر الوحشيّ بعد غياب أهلها، ولم يبقى من هذه الديار إلا حجارها السوداء والحواجز الترابي التي كانت تحيط بالبيوت، فلما شاهدها زهير وعرف أنّها ديار أمّ أوفى قال لأصلالها وما بقي منها عم صباحًا أيُّها الربع ودعا لها بالسلامة، وقد قال زهير في ذلك:[٣]
أَمِن أُمِّ أَوفى دِمنَةٌ لَم تَكَلَّمِ
- بِحَومانَةِ الدُرّاجِ فَالمُتَثَلَّمِ
وَدارٌ لَها بِالرَقمَتَينِ كَأَنَّها
- مَراجِعُ وَشمٍ في نَواشِرِ مِعصَمِ
بِها العَينُ وَالأَرآمُ يَمشينَ خِلفَةً
- وَأَطلاؤُها يَنهَضنَ مِن كُلِّ مَجثِمِ
وَقَفتُ بِها مِن بَعدِ عِشرينَ حِجَّةً
- فَلَأياً عَرَفتُ الدارَ بَعدَ التَوَهُّمِ
أَثافِيَّ سُفعاً في مُعَرَّسِ مِرجَلٍ
- وَنُؤياً كَجِذمِ الحَوضِ لَم يَتَثَلَّمِ
فَلَمّا عَرَفتُ الدارَ قُلتُ لِرَبعِها
- أَلا عِم صَباحاً أَيُّها الرَبعُ وَاِسلَمِ
وقد نُظمت معلقة زهير بن أبي سلمى لما آلت إليه حرب داحس والغبراء، ومدح فيها الحارث بن عوف وهرم بن سنان صانعي السلام فيها، بأنَّهما أنقذا قبيلتي عبس وذبيان بعد أن كادت الحرب تُفني وجودهما، وبهد أن أوشك القتال على إهلال رجال القبيلتين، وسعى الحارث وهرم للصلح والسّلام، وتمّ الاتفاق على الصلح ببذل المال وإسداء المعروف من الخير للسلام من تفاني العشائر:[٣]
تَدارَكتُما عَبساً وَذُبيانَ بَعدَما
- تَفانوا وَدَقّوا بَينَهُم عِطرَ مَنشِمِ
وَقَد قُلتُما إِن نُدرِكِ السِلمَ واسِعًا
- بِمالٍ وَمَعروفٍ مِنَ الأَمرِ نَسلَمِ
فَأَصبَحتُما مِنها عَلى خَيرِ مَوطِنٍ
- بَعيدَينِ فيها مِن عُقوقٍ وَمَأثَمِ
عَظيمَينِ في عُليا مَعَدٍّ وَغَيرِها
- وَمَن يَستَبِح كَنزاً مِنَ المَجدِ يَعظُمِ
ولا يمكن ذكر معلقة زهير بن أبي سلمى دون التعريج على أبيات الحكمة فيها، فقد لخّص فيها زهير خلاصة حياته وتجاربه، وكلّ ما مرّ به من أحداث جعلته يفيض بحكمة شعريّة رائعة، في صوغها وبيانها ومعانيها وألفاظها، فقد تحدث عن الموت الذي يختار الناس بلا تمييز ولا هداية، فالقدر مخبأ عن العيون والمستقبل بكلّ أحداثه يبقى مجهول المعالم، فلذلك من واجب الإنسان أن يداري حياته حتى اللحظات الأخيرة، حتى لا يأخذه الموت غفلة دون أن يحقق ما يذكره به قومه بعد موته، وذاك الذي يملك مساعدته ويبخل بها فسوف يبغضه قومه، أما صنائع المعروف فهي تبقى وتستمرّ حتى بعد الموت:[٣]
رَأَيتُ المَنايا خَبطَ عَشواءَ مَن تُصِب
- تُمِتهُ وَمَن تُخطِئ يُعَمَّر فَيَهرَمِ
وَأَعلَمُ عِلمَ اليَومِ وَالأَمسِ قَبلَهُ
- وَلَكِنَّني عَن عِلمِ ما في غَدٍ عَمي
وَمَن لا يُصانِع في أُمورٍ كَثيرَةٍ
- يُضَرَّس بِأَنيابٍ وَيوطَأ بِمَنسِمِ
وَمَن يَكُ ذا فَضلٍ فَيَبخَل بِفَضلِهِ
- عَلى قَومِهِ يُستَغنَ عَنهُ وَيُذمَمِ
وَمَن يَجعَلِ المَعروفَ مِن دونِ عِرضِهِ
- يَفِرهُ وَمَن لا يَتَّقِ الشَتمَ يُشتَم
الوقوف على الأطلال في شعر المعلقات
نشأ شعر الوقوف على الأطلال في الشعر الجاهلي عامةً، وشعر المعلقات خاصةً بسبب عدة أمور، وبها يُمكن الكشف عمّ ألجأ الشعراء الجاهليين إلى الوقوف على الأطلال والحديث عنها في مطالع قصائدهم، ويقود البحث والتأمل في هذا الأمر إلى أنَّ هناك ثلاثة أسباب رئيسة وراء ذلك وهي:[٤]
السبب العاطفي
وهو عاطفة الحب وتعلق المحبّ بمحبوبته وما له علاقة بها، فإنّ الحبَّ من أعمق العواطف الإنسانيّة، ولم تختلف مكانتها في نفس الإنسان السّوي منذ أقدم العصور، ولقد انتشر شعر الحب في جميع آداب العالم على اختلاف اللغات والأجناس والمحبوب في نظر المُحبّ في المكانة العالية التي لا تدانيها مكانة، ولهذا تكون الأشياء التي تخصّه ذات قيمة عالية في نفس المُحبّ، ويكون ذكرها في الحقيقة ذكرًا للمحبوب وتعلُقًا به، وبما كان لهما من أيامٍ وأحلام؛ لذلك يعدّ ذكر الديار الأحبّة طرفًا من النسيب، وذلك المكان قد احتوى ما كان بين المحبّ ومحبوبته، لذلك تكون ديار الأحبة أبرز ما يتعلق به المحب وأشدّها تأثيرًا في نفسه، وكذلك حال الشاعر الذي يمرّ بديار قومه بعد ارتحالهم عنها، وهذا يعني أنّ هناك سببًا عاطفيًا صادقًا وراء الوقوف على آثار الديار.
السبب البيئي
وهو طبيعة حياة أهل البادية من العرب، فإنّ البدو محتاجون إلى الارتحال والانتجاع دومًا، فإذا كانت أيام الربيع انتشروا في بواديهم لكثرة الماء والكلأ، وإذا كانت أيام القيظ وشحّت المياه تجمعت أحياء عدة على ماءٍ واحد، وتنشأ بينهم علاقات إنسانيّة مختلفة، ومنها ما يكون علائق الحب، ويعود الربيع فيفترقون، وإذا ما مرّ الشاعر بتلك الديار أثناء سفره ورأى خلوها من أهلها، واستقرار الوحش فيها بعد الأنيس، تذكّر ما مضى وثارت عواطفه ولا يجد ما يفرّج عن نفسه به سوى البكاء، أو الارتحال على ظهر مطيته ليتسلّى عن همومه، فيكون ذلك وسيلة للانتقال إلى حديث الرحلة، فإنّ أنماط الحياة البدوية الداعية للتنقل والارتحال وترك الديار مرةً بعد مرة هي سبب بيئي وراء الوقوف على الأطلال.
السبب النفسي الفني
وذلك أنَّ ذكر الأحبة محفّز قويّ يعين على فتح باب الشّعر، فقد سُئل ذو الرمة وهو شاعر أموي: "كيف تعمل إذا انقفل دونك الشعر؟ فقال: كيف سنقفل دوني وعندي مفاتيحه؟، قيل له: وعنه سألناك؟، قال: الخلوة بذكر الأحباب"، إذًا لا ريب أنَّ ذكر آثار الديار ذكرٌ للأحبة الذين كانوا فيها، قد استعان الشعراء بذكر الديار لشحذِ القريحة وولوج باب الشعر والتنقل في رياض أغراضه ومعانيه.المراجع[+]
- ^ أ ب "المعلقات"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 05-08-2019. بتصرّف.
- ↑ "زهير بن أبي سلمى"، www.al-hakawati.la.utexas.edu، اطّلع عليه بتاريخ 05-08-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "أمن أم أوفى دمنة لم تكلم"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 05-08-2019.
- ↑ "بناء القصيدة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 05-08-2019. بتصرّف.