سؤال وجواب

مظاهر التجديد في شعر أبي العتاهية


أبو العتاهية

أبو العتاهية هو إسماعيل بن القاسم بن كيسان، من شعراء العصر العباسي، وُلِد قريبًا من الأنبار عام 130 للهجرة، وعاش في الكوفة، واختلط في بيئات من شعراء المُجون أمثال، مطيع بن إياس، وتردّد على حلقات العلماء والمتكلّمين في الكوفة، فأتقن العربية وأكثر من نظم الغزل، وقد كان كثير التردّد على القِيان والجواري، وكثير الاستماع إلى الأغاني في مجالس اللهو والطّرب، كما ترك بصمة له بين شعراء العصر العباسي، وستوضّح الفقرات الآتية مظاهر التجديد في شعر أبي العتاهية.[١]

قصة تلقيبه بأبي العتاهية

يُروى أنّ أبا العتاهية أحب جارية من جواري زوجة الخليفة العباسي المهدي، واسمها عُتبَة، وقد غَضِب المهدي غضبًا شديدًا عندما عَلِمَ بتعرّض أبي العتاهية لجواريه، وقد كان أبو العتاهية مدعيًّا في حبها واستمر في التغنّي بها، وهو ما جعل المهدي يُطلق عليه لقب أبا العتاهية وظلّ أبو العتاهية يعيش حياة اللهو حتّى وقت نزول الرشيد الرّقة، فعندها تحوّل أبو العتاهية من حياة المجون إلى حياة التقشّف والزّهد.[١]

ديانة أبي العتاهية

شكّك معاصرو أبي العتاهية في الزّهد الذي طرأ عليه فجأة، ويوضّح شوقي ضيف أن أبا العتاهية كان يذكر العقاب والثواب في الآخرة، لكنّه لا يُفصّل فيهما كما فصّل القرآن الكريم، مشيرًا إلى أن المانوية دعت إلى الزهد الدنيوي والعمل للآخرة، وقد يلتبس الأمر على من يقرأ أشعار أبي العتاهية الزاهدة، ويُرجَّح أن أبا العتاهية لم يكن مانويًا يؤمن بأن للعالم إلهَيْن، وإنّما ابتكر نمطًا جديدًا يمزج بين الإسلام والمانوية.[١]

مظاهر التجديد في شعر أبي العتاهية

نَظَمَ أبو العتاهية في مختلف أغراض الشعر، وقد تميّز شعره بالتفرّد، وقلّ وجود القوافي غير المتمكنة في شعره، أو كلمة حلّت في غير موضعها، إضافة إلى أن مظاهر التجديد في شعر أبي العتاهية لم تأتِ صُدفة وإنما كان للعصر الذي عاش فيه، وانفتاحه على الأعراق والديانات الأخرى، إضافة إلى طبيعة أبي العتاهية الخاصة أثرٌ كبيرٌ في نشأة مظاهر التجديد في شعره التي يمكن تلخيصها في النقاط الآتية:[١]

  • التفرّد في نظم الشّعر: عُرف أبو العتاهية بتميّزه في نظم الشعر، فقد كان الشعر عنده طبعًا، ويُروى أن أبا العتاهية كان يسمع جملة من شخص ينادي على بضاعته في السوق يرى أنها تصلح أن تكون شعرًا فيبتكر منها بيتًا من الشعر، مما يدل على قريحته الشعرية، وسرعة بديهته.
  • التجديد في الأوزان الشعرية: جدّد أبو العتاهية بل ابتكر أوزانًا جديدة ليست ضمن بحور الشعر المُستخدمة، وعندما كان يُراجع في خروجه عن أوزان الخليل بن أحمد الفراهيدي كان يقول:"أنا أكبر من العَروَض".
  • كَثرة النّظم: ومن مظاهر التجديد في شعر أبي العتاهية غزارة الشعر، حيث أشار الدكتور شوقي ضيف إلى ذلك موضّحًا بأن شعر أبي العتاهية لم يصل إلينا كاملًا، ولو وصل إلينا كاملًا لاستخرج منه أوزانًا كثيرة طريفة ابتكرها بنفسه.
  • التحرّر من الأسلوب القديم الجزيل: فقد كان أبو نواس وبشار بن برد -وهما من أبرز معاصري أبي العتاهية- محافظين إلى درجة كبيرة على التقاليد الموروثة في الشعر، ولكن من مظاهر التجديد في شعر أبي العتاهية أنه جدّد في نظام القصيدة، فلم يتمسّك بالأسلوب القديم بل أفسح المجال لأساليب العصر العباسي الخفيفة اللينة.
  • النقلة النّوعية الصّادمة في الشّعر: انتقل أبو العتاهية نقلة صادمة من الغزل، إلى الخمريات ووصف حياة اللهو والمجون، إلى وصف الموت وأن الجميع مصيرهم إلى الفناء والتراب، مهوّلًا من الموت منغصًّا على كل من يسمعه.
  • الاقتباس من الآدآب الفارسية: فقد دعا أبو العتاهية إلى محاسن الأخلاق دعوة واسعة، عبر الحِكم والأمثال الكثيرة المُقتبسة من الآدآب الفارسية، ومثال ذلك قصيدته ذات الأمثال التي احتوت على 400 بيتٍ.
  • الابتعاد عن الغرابة والتعقيد: ومن مظاهر التجديد في شعر أبي العتاهية سيره نحو البساطة، فقد استمد شعره وأسلوبه من حياة العامة، خاصًة شعر الزّهد، وابتعد عن العجمة، وقد كانت السهولة، والابتعاد عن الغريب في اللفظ والأسلوب من الوجهات المقصودة لدى أبي العتاهية، ويصوّر ذلك قوله:" الصّواب لقائل الشعر أن تكون ألفاظه لا تخفى على جمهور الناس مثل شعري".

نموذج من شعر أبي العتاهية في الزهد

نظم أبو العتاهية في أغراض متنوّعة من الشعر، كالغزل، والخمريات، كما نظم في الزّهد شعرًا وقف عنده محقّقو الأدب والرّواة كثيرًا لما ينطوي عليه من خصوصية ومميزات سبق ذكرها، والزهد من أهم الأغراض الشعرية التي برزت فيها مظاهر التجديد في شعر أبي العتاهية، ومن ذلك قوله:[٢]

لعَمْرُكَ، ما الدّنيا بدارِ بَقَاءِ

كَفَاكَ بدارِ المَوْتِ دارَ فَنَاءِ

فلا تَعشَقِ الدّنْيا،أُخيَّ، فإنّما

يُرَى عاشِقُ الدُّنيَا بجُهْدِ بَلاَءِ.
يظهر من الأبيات السابقة ميل أبي العتاهية الشديد نحو الزهد في الدنيا، إضافة إلى تذكيره بتقلّب الأحوال الدنيويّة، فالدنيا لا تستقر على حال، وفي هذه الأبيات دعوة واضحة إلى الإقبال على الآخرة، ويتضّح فيها إعفاء الشاعر نفسه من التكلّف والمبالغة، والميل إلى الوضوح والبساطة، الأمر الذي عدّه كثير من النّقاد من أبرز مظاهر التجديد في شعر أبي العتاهية، وقد كان ما سبق توضيحًا لأهم مظاهر التجديد في شعر أبي العتاهية، وتأثير بيئته وطبيعته الشخصية على شعره، وابتكار الأوزان الشعرية الجديدة.[٣]

المراجع[+]

  1. ^ أ ب ت ث شوقي ضيف، العصر العباسي الأول (الطبعة السادسة)، مصر: دار المعارف، صفحة 237-253. بتصرّف.
  2. "لعَمْرُكَ، ما الدّنيا بدارِ بَقَاءِ؛"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-08-06.
  3. "أبو العتاهية ومذهبه الشعري"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-08-06. بتصرّف.