تحليل قصيدة اعتذار للنابغة الذبيا
النابغة الذبياني
اسمه زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني، الغطفاني المضري، شاعرٌ جاهليّ من أهل الحجاز ومن شعراء الطبقة الأولى، سمي بالنابغة لنبوغه بالشعر، وقد كانت تنصب له قبة من جلدٍ أحمر بسوق عكاظ يعرض عليه الشعراء شعرهم، وكان من بينهم الخنساء والأعشى وحسان بن ثابت، له شعر كثير، من أفضل أشعار العصر الجاهلي، وهو أحد شعراء المعلقات، و في معلقته بعض الأبيات من اعتذاره للنعمان بن المنذر الذي كان كثير الوفادة عليه، وفي هذا المقال تحليل قصيدة اعتذار للنابغة الذبياني من النعمان بن المنذر.[١]
الاعتذار في الشعر الجاهلي
لم يكن الاعتذار فنًا شعريًا قائمًا بذاته في العصر الجاهلي، إلا أن النابغة الذبياني أسهب في هذا النوع من الشعر حتى قالوا إنّه أضاف للشعر فنًا جديدًا، وفي هذا دليل على أن فن الاعتذار لم يكن مشهورًا قبل النابغة الذبياني، وكان الشعراء يأتون بالاعتذار لإظهار الندم على شيءٍ حصل، ويريد المعتذر أن ينجوَ من اللوم ويبرّئ نفسه من الخطأ، واستطاع النابغة الذبياني أن يأتي بمعانٍ رائعة وصور شعرية جميلة.[٢]
وكان النابغة الذبياني يَفِد إلى الملوك فيمدحهم وينال مكانة عندهم، فكان يذهب إلى الغساسنة في الشام، والمناذرة في الحيرة، وأكثر ما كان يفد إلى ملك الحيرة النعمان بن المنذر، وللمكانة التي نالها عند النعمان وشى به الواشون وملؤوا صدر النعمان بغضًا له وقيل أنه شبب بامرأة النعمان فغضب عليه، فهرب النابغة إلى قومه في نجد وبقي زمانًا عندهم، وذهب إلى ملوك الغساسنة في الشام يمدحهم، لكن بقي في نفسه حب للنعمان ورجاء للعوده إليه، فأرسل له اثنين من بني فزارة، فرضي عنه النعمان بعد أن قدّم له قصيدة الاعتذار المشهورة.[٢]
تحليل قصيدة اعتذار للنابغة الذبياني
يبدأ تحليل قصيدة اعتذار للنابغة الذبياني من أول جزء في القصيدة، حيث بدأ النابغة الذبياني قصيدته الاعتذارية ببيان حاله وما أصابه من الهم والغمّ ببُعده عن النعمان، فهو يعاني من الضياع والتشتّت بعدما فقد الأمان الذي كان يتنعم به عند النعمان، يقول النابغة:[٣]
أتاني أَبَيتَ اللَعنَ أَنَّكَ لِمتَني
- وَتِلكَ الَّتي أُهتَمُّ مِنها وَأَنصَبُ
فَبِتُّ كَأَنَّ العائِداتِ فَرَشنَني
- هَراسًا بِهِ يُعلى فِراشي وَيُقشَبُ
حَلَفتُ فَلَم أَترُك لِنَفسِكَ رَيبَةً
- وَلَيسَ وَراءَ اللَهِ لِلمَرءِ مَذهَبُ
وفي تحليل قصيدة اعتذار للنابغة الذبياني، يلتمس القارئ ذكاء النابغة في استعطاف النعمان، فهو يشكو تغير الأحوال وتبدلها بعدما وشى به الواشون الحاسدون، لكنّه يستعطف النعمان فيبين له أنه لا يخرج من حالين: الأولى أن يكون مذنبًا فمن كرم النعمان أن يعفو عن المسيء وليس هناك بشر إلا ويقع في الزلل، والحالة الثانية أن يكون بريئًا فجعل النابغة نفسه كالعبد بيد سيده، وهو راضٍ بجميع تصرفاته، ولا يبغي إلّا رضاه وسروره.[٢]، كما وأنه يهجوا الوشاة الذين وشوا به عند النعمان، فيقول:[٣]
لَئِن كُنتَ قَد بُلِّغتَ عَنّي خِيانَةً
- لَمُبلِغُكَ الواشي أَغَشُّ وَأَكذَبُ
وَلَكِنَّني كُنتُ اِمرَأً لِيَ جانِبٌ
- مِنَ الأَرضِ فيهِ مُستَرادٌ وَمَذهَبُ
مُلوكٌ وَإِخوانٌ إِذا ما أَتَيتُهُم
- أُحَكَّمُ في أَموالِهِم وَأُقَرَّبُ
كَفِعلِكَ في قَومٍ أَراكَ اِصطَنَعتَهُم
- فَلَم تَرَهُم في شُكرِ ذَلِكَ أَذنَبوا
فَلا تَترُكَنّي بِالوَعيدِ كَأَنَّني
- إِلى الناسِ مَطلِيٌّ بِهِ القارُ أَجرَبُ
وَلَستَ بِمُستَبقٍ أَخاً لا تَلُمَّهُ
- عَلى شَعَثٍ أَيُّ الرِجالِ المُهَذَّبُ
فَإِن أَكُ مَظلوماً فَعَبدٌ ظَلَمتَهُ
- وَإِن تَكُ ذا عُتبى فَمِثلُكَ يُعتِبُ
وفي تحليل قصيدة اعتذار للنابغة الذبياني يرى الدّارس لها أنّها تحتوي على أبيات من المدح، فقد مدح النابغة الذبياني النعمان وملكه وفضله على باقي ملوك زمانه، ووصف حكمه وهيبته وسلطته والنابغة في هذه القصيدة يدمج فن الاعتذار والمدح، وهذا من براعة النابغة الذبياني في قول الشعر، ومع ذلك بقيت أجزاء القصيدة متلاحمة واستطاع أن يحمِّل قصيدته همومه وقلقه وخوفه فكانت هذه الاعتذارية الرائعة، يقول النابغة:[٣]
أَلَم تَرَ أَنَّ اللَهَ أَعطاكَ سورَةً
- تَرى كُلَّ مَلكٍ دونَها يَتَذَبذَبُ
فَإِنَّكَ شَمسٌ وَالمُلوكُ كَواكِبٌ
- إِذا طَلَعَت لَم يَبدُ مِنهُنَّ كَوكَبُ
المراجع[+]
- ↑ "النابغة الذبياني"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 05-08-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب ت علي الجندي (1412هـ - 1991م )، في تاريخ الأدب الجاهلي (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار التراث، صفحة 405-407. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "أَتاني أَبَيتَ اللَعنَ أَنَّكَ لِمتَني"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-08-2019.