الفتح الإسلامي لبلاد المغرب
محتويات
لمحة عن تاريخ المغرب
عرفت مناطق المغرب عبرَ التاريخ تعاقبَ حضاراتٍ قديمة بدائية، ثمّ جاءت مرحلة السيطرة الفينيقية على حوض البحر المتوسط، وتلاها في المغرب مرحلة الحضارة الموريتانية الطنجية، وفي عصر المدّ الروماني شهدت مناطق المغرب ازدهارًا تجاريًا وعسكريًا، وقد رافق مختلف هذه العصور استقرار قبائل بدائية في مناطق المغرب أغلبهم من البربر والأمازيغ، وقد دان بعض من هذه القبائل بالمسيحية زمن الرومان، فيما ظلّ بعضها الآخر على عقائده الوثنية، إلى أن بدأ الفتح الإسلامي لبلاد المغرب، الذي استمرّ عبر عدّة مراحل لسنين طويلة، انتهت بسيطرة المسلمين على جميع مناطق المغرب، ودخول قبائله في دين الإسلام، وتاليًا حديث مفصّل عن أحداث الفتح الإسلامي لبلاد المغرب.[١]
الفتح الإسلامي لبلاد المغرب
أتمّ المسلمون بقيادة عمرو بن العاص فتح مصر سنة 20 هـ، وبدخوله الإسكندرية انسحب كثيرة من الروم البيزنطيين إلى بيزنطة، وتقهقر القسم الأكبر غربًا إلى إفريقيًا، فلمّا نظّم عمرو أمور المسلمين في مصر تطلع إلى فتح باقي إفريقية للحيلولة دون أي محاولة من البيزنطيين لاستعادة مصر؛ لاسيما أن برقة وطرابلس تعتبران امتدادًا طبيعيا لمصر، فسار بجيشه سنة 21 هـ إلى برقة، فدفع أهلها الجزية، ثم فتحت فزان على يد عقبة بن نافع، فيما اتجه عمرو إلى طرابلس لفتحها، وتم له الأمر بعد حصار دام شهرًا، وقد أغرت هذه الانتصارات وما جمعه المسلمون من غنائم عمرو بن العاص للمتابعة الزحف واستكمال الفتح الإسلامي لبلاد المغرب الحقيقي؛ أي بلاد تونس والجزائر والمغرب حاليا لكن الخليفة عمر بن الخطاب رفض؛ حذرًا من تحصّن الرومان في تلك البلاد، لتبدأ بعد خلافة عمر مراحل الفتح، فيما يأتي ذكرها تِباعًا.[٢]
المرحلة الأولى لفتح المغرب
عاد عمرو بن العاص إلى مصر، ومكث فيها إلى أن عزله الخليفة عثمان بن عفان، وفي هذه السنين ارتدت طرابلس عن سيطرة المسلمين؛ حيث وصلتها بعض إمدادات البيزنطيين، فيما حافظ عقبة بن نافع على برقة، وتوطدت علاقاته بالقبائل المحيطة بها، والتي دخل أغلبها في الإسلام.[٢]
ثمّ قرّر الخليفة عثماء استئناف الفتح الإسلامي لبلاد المغرب تحت قيادة واليه الجديد على مصر عبد الله بن سعد بن أبي السرح الذي سرعان ما أرسل السرايا، ثم خرج بالجيش نحو المغرب، فلاقاه عقبة ومن معه ممن أسلم من القبائل، وعلى الطريق تجاوز قابس لعظم تحصينها، ثم جرت بينه وبين البيزنطيين معركة سبيطلة الفاصلة، والتي قُتل فيها قائدهم جرجير، فسقطت بعد مقتله المدينة، وغنم المسلمون غنائم عظيمة، ثم اتجه إلى قفصة وحصن الأجم، فصالح أهلها على دفع جزية كبيرة على أن يعود المسلمون، فقبل عبد الله، وقفل عائدًا لكن أهل إفريقيا نقضوا العهود سريعًا فعاد عبد الله لغزوها ومن بعده الوالي الجديد معاوية بن حديج التجيبي.[٣]
المرحلة الثانية لفتح المغرب
انشغلت الأمة الإسلامية بالفتن التي تبعت مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، فتوقفت الفتوح حتى استقرت الخلافة لبني أمية، حيث وجّه الخليفة معاوية بن أبي سفيان جلّ اهتمامه لاستكمال الفتح الإسلامي لبلاد المغرب، فعيّن ابن حديج واليًا على مصر ليستكمل الفتح، ثم تبين له ضعفه، فعين عقبة بن نافع المتمرّس بالشؤون الإفريقية، فبدأ عقبة ببناء مدينة القيروان، وحقق عدة نجاحات أغرته باتباع سياسات مستقلة عن سلطة الخليفة في دمشق، كانت متشددة أغلب الأحيان، لا تتوافق مع الطبيعة المرنة لسياسة معاوية، فعزله، وعين مسلمة بن مخلد على مصر، وأبا المهاجر دينار على إفريقيا، واتّبع أبو المهاجر سياسة ذكية في استمالة القبائل، وقد أعطت سياسته نتائج باهرة على المدى الطويل، فأسلم له كسيلة زعيم البربر البرنس الذي كان نصرانيًا محالفًا للبيزنطيين، فساعده هذا الزعيم في التوغل غربًا حتى تلمسان[٢]
بعد وفاة معاوية آلت الخلافة لابنه يزيد، فأعاد عقبة إلى ولاية المغرب، فسارع عقبة إلى تجهيز الجيش، ونطلق في حملات سريعة، انتصر فيها على البيزنطيين في بغاية وممس دون أن يحتل المدن، ثم انتصر بمعركة كبرى قرب تلمسان، ثم هزم البربر والبزنطيين في تاهرت، وخاض معركة كبرى في الزاب قرب مدينة أربة، فانتصر، وانطلق نحو المغرب الأقصى، فتسلم طنجة من صاحبها يوليان بدون قتال، وانتصر على البربر الذين تجمعوا حيث تقع اليوم مدين فاس.[٤]
وهكذا وصل إلى سواحل المحيط الأطلسي ساحقًا كل من قاومه من البيزنطيين والبربر، لكنه في تلك الفترة كان ينتهج مع من أسلم من البربر سياسة اقصائية، فانقلب عليه كسيلة زعيم البربر البرنس، وعاد لمحالفة البيزنطيين، وأوقع بجيش عقبة هزيمة كبرى قرب مدينة تهوده، وفي هذه المعركة استشهد عقبة بن نافع عبد الملك بن مروان أوعز للقائد زهير بن قيس البلوي المتمركز مع جنوده في برقة باستعادة القيروان، فقرر كسيلة إخلاء المدينة، والتراجع مع جيشه الكبير إلى مكان قريب من مدينة ممس؛ حيث انهزم كسيلة، وقُتل.[٥]
لكن البيزنطيين هاجموا برقة في هذه الأثناء بأساطيل انطلقت من القسطنطينية؛ لعلمهم بخلوها من جيش المسلمين، فأسرع زهير البلوي بالعودة، لكنه لاقى جموعًا عظيمة من الروم البيزنطيين، فهُزم وقُتل مع عدد كبير من أصحابه، فتوقفت الفتوح لسنوات عديدة جهز خلالها عبد الملك جيشًا جديدًا في مصر لمعوادة الكرّة.[٥]
قاد حسان بن النعمان الغساني الجيش، ففتح المناطق الداخلية مبتعدًا عن البيزنطين في الساحل، واستطاع حسان أن يكسب ولاء البربر، وقلّبهن على البيزنطيين، وضمّ بعضهم إلى جيشه، ثم زحف بهم إلى قرطاجة، فسلمتها الحامية البيزنطية بعد وقت قصير، ثم طرد البيزنطيين من صفطورة، وبها تمّ الاستيلاء على ساحل المغرب الأوسط، لكنّ تجمعًا كبيرًا للبربر البتر بقيادة امرأة يقال لها الكاهنة أوقعوا الهزيمة بالمسلمين، فخسروا إفريقيا من جديد، وعادوا إلى برقة، فيما استبدّت الكاهنة بالمغرب خمس سنين استعْدَت بها القبائل والمسيحيين الذين رحبوا بعودة المسلمين بعد ذلك، وآزروهم ضدّ الكاهنة التي هُزمت وقُتلت في إحدى المعارك.[٣]
بعد هذا الانتصار، وبسبب ضعف القبائل لسنين القتال الطويلة كانت مهمة الفتح النهائي للمغرب الأقصى سهلة بقيادة موسى بن نصير الذي غزاه سنة 85 هـ، ففتح درعة والسوس وصالح صاحب سبتة على دفع الجزية، ثم جعل مولاه من البربر طارق بن زياد واليًا على طنجة، وكان لموسى بن نصير دورًا كبيرًا في إتمام الفتح الإسلامي لبلاد المغرب؛ حيث أمر المسلمين بتعليم البربر اللغة العربية وأحكام الدين الجديد، فانتهت سنين الفتح بإسلام جميع القبائل في المغرب الأدنى والأوسط والأقصى، وكذلك في السودان وتخوم الصحراء الكبرى، وبدأ بالتعاون مع البربر في التمهيد لفتح الأندلس من خلال غزو الجزر القريبة لشل حركة الأساطيل البيزنطية في البحر المتوسط.[٦]المراجع[+]
- ↑ "تاريخ المغرب"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 09-08-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "الفتح الإسلامي للمغرب"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 09-08-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب "فتح المغرب"، www.al-hakawati.net، اطّلع عليه بتاريخ 12-08-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب "عقبة بن نافع .. فاتح بلاد المغرب"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 09-08-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب محمود شيت خطاب (1984)، قادة فتح المغرب العربي (الطبعة السابعة)، دمشق-سوريا: دار الفكر، صفحة 159-169-161، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ "قصة قادة فتح المغرب العربي وصور من حضارة المغرب الإسلامية"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 12-08-2019. بتصرّف.