سؤال وجواب

شعر ابن زيدون في ولادة


ابن زيدون

هو أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون، من أبناء قرطبة، ومن عائلة فقهاء بني مخزوم، وقد بلغ به الطُّموح إلى أن صار وزير ابن جَهْوَر صاحب قرطبة، ثمّ وزير المعتمد بن عبّاد الذي اتُّهِمَ بالمَيْل إليه، وهو شاعرٌ وكاتبٌ، برعَ في الشِّعر والنّثر، وعُرِفَ بحبّه لولّادة بنت المستكفي، وكانت إقامته في إشبيليّة التي لم يبرحها حتّى وافَتْهُ المنيّة في أول رجب 463 هـ في عهد المعتمد بن عبّاد.

ابن زيدون وابن عبدوس

لم يكن حُبّ ابن زيدون لولّادة بمنأى عن الحَسَد والمنافسة، فقد ضمّ مجلس ولّادة الأدبي الكثير من الشّعراء والأدباء، وكان من بينهم الوزير ابن عبدوس، وهو رجُلٌ أقرب إلى أن يكون دميمًا، وثقيل ظلٍّ، وقليل الذّكاء، لكنّه ثريٌّ، فأحبَّ ولّادة هو الآخَر، وتقرّبَ إليها، ما دعا ابنَ زيدون إلى أن يكتب إليه رسالةً يشتمه فيها، ويصفه بأشنع الصّفات، وجعلها على لسان ولّادة، لكنّ ابن عبدوس لم يقف ساكنًا، بلْ حاكَ المكائد لابن زيدون ليُبعده عن منصب الوزارة الذي كان يزيد من شرفه، ويرفع أسهمه لدى ولّادة، فاستطاع الوشاية به عند ابن جَهْوَر، فسُجنَ ابن زيدون، ثمّ هربَ إلى إشبيليّة حيث أقام فيها بعيدًا عن حبّ حياته، إلى أن توفّيَ فيها، وذُكِرَ أنّه قد فارقَ الحياة قبل ولّادة التي لم يرها بعد القطيعة، لكنّها بعد وفاتها أوصت بأن تُدفَن إلى جواره.

شعر ابن زيدون في ولادة

شِعر ابن زيدون في ولّادة كان مصدر ناره الهوى، ولكلّ زمانٍ قصص الحُبّ خاصّته، وفي الأندلس يُضاف إلى الحُبّ سَعة العيش، وجمال المنظر، وحلو الكلام، وتقريب كلّ ذي أدبٍ وفنّ، وشاعر هذا المقال ممّن جمع المجد من أطرافه؛ فكان له الأدب، وحلاوة الّلسان، وعلوّ المنزلة، وكان ابن نعمةٍ، مليح الوجه، عربيّ الملامح والصّفات، شديد الاعتداد بالنّفس، يتأبّط كبرياءه كما يتأبّط الفارسُ سيفَه.

أمّا الحُبّ فقد بلغَ منه مبلغًا كبيرًا، وكان في صورة ولّادة بنت الخليفة المستكفي، الأميرة الأندلسيّة، والشّاعرة الفصيحة، وكانت صاحبة مجلسٍ أدبيٍّ مشهودٍ له في قرطبة، يرتادهُ الشّعراء والأعيان ليتحدّثوا في شؤون الأدب والشِّعر، وهنا كان لقاء الحبيبين، ثمّ شبّت نار الهوى، وأُحيكت القصّة، ودارت كأس الشِّعْر بين الاثنين بين وصلٍ، وهجرٍ، وحُبٍّ، وغيرة، وكثير من الأشعار ما توضّح أنّ شِعر ابن زيدون في ولّادة كان صادقًا، ملتهبًا، يُذكيهِ الغياب كما الحضور.

  • ومن شِعر ابن زيدون في ولّادة وقد كان يقضي الليلَ في ندوتها طَرِبًا قولُه:

إِلَيكِ مِنَ الأَنامِ غَدا ارتِياحي

وَأَنتِ عَلى الزَمانِ مَدى اِقتِراحي

وَما اعتَرَضَت هُمومُ النَفسِ إِلّا

وَمِن ذِكراكِ رَيحاني وَراحي

فَدَيتُكِ إِنَّ صَبري عَنكِ صَبري

لَدى عَطَشي عَلى الماءِ القَراحِ

وَلي أَمَلٌ لَوِ الواشونَ كَفّوا

لَأَطلَعَ غَرسُهُ ثَمَرَ النَجاحِ

وَأَعجَبُ كَيفَ يَغلِبُني عَدُوٌّ

رِضاكِ عَلَيهِ مِن أَمضى سِلاحِ

وَلَمّا أَن جَلَتكِ لِيَ اِختِلاسًا

أَكُفُّ الدَهرِ لِلحَينِ المُتاحِ

رَأَيتُ الشَمسَ تَطلُعُ مِن نِقابٍ

وَغُصنَ البانِ يَرفُلُ في وِشاحِ

فَلَو أَسطيعُ طِرتُ إِلَيكِ شَوقاً

وَكَيفَ يَطيرُ مَقصوصُ الجَناحِ

عَلى حالَي وِصالٍ وَاِجتِنابٍ

وَفي يَومي دُنُوٍّ وَانتِزاحِ

وَحَسبِيَ أَن تُطالِعَكِ الأَماني

بِأُفقِكِ في مَساءٍ أَو صَباحِ

فُؤادي مِن أَسىً بِكِ غَيرُ خالٍ

وَقَلبي عَن هَوىً لَكِ غَيرُ صاحِ

وَأَن تُهدي السَلامَ إِلَيَّ غِبًّا

وَلَو في بَعضِ أَنفاسِ الرِياحِ
  • ومن شِعر ابن زيدون في ولّادة بعد أن جاوزَ مرحلة الشّباب وثارت شاعريّته:

أَضحى التَنائي بَديلًا مِن تَدانينا

وَنابَ عَن طيبِ لُقيانا تَجافينا

أَلّا وَقَد حانَ صُبحُ البَينِ صَبَّحَنا

حَينٌ فَقامَ بِنا لِلحَينِ ناعينا

مَن مُبلِغُ المُلبِسين بِاِنتِزاحِهِمُ

حُزناً مَعَ الدَهرِ لا يَبلى وَيُبلينا

أَنَّ الزَمانَ الَّذي مازالَ يُضحِكُنا

أُنساً بِقُربِهِمُ قَد عادَ يُبكينا

غيظَ العِدا مِن تَساقينا الهَوى فَدَعَوا

بِأَن نَغَصَّ فَقالَ الدَهرُ آمينا

فَاِنحَلَّ ما كانَ مَعقوداً بِأَنفُسِنا

وَاِنبَتَّ ما كانَ مَوصولاً بِأَيدينا

وَقَد نَكونُ وَما يُخشى تَفَرُّقُنا

فَاليَومَ نَحنُ وَما يُرجى تَلاقينا

يا لَيتَ شِعري وَلَم نُعتِب أَعادِيَكُم

هَل نالَ حَظّاً مِنَ العُتبى أَعادينا

لَم نَعتَقِد بَعدَكُم إِلّا الوَفاءَ لَكُم

رَأياً وَلَم نَتَقَلَّد غَيرَهُ دينا

ما حَقَّنا أَن تُقِرّوا عَينَ ذي حَسَدٍ

بِنا وَلا أَن تَسُرّوا كاشِحاً فينا

كُنّا نَرى اليَأسَ تُسلينا عَوارِضُهُ

وَقَد يَئِسنا فَما لِليَأسِ يُغرينا

بِنتُم وَبِنّا فَما اِبتَلَّت جَوانِحُنا

شَوقاً إِلَيكُم وَلا جَفَّت مَآقينا

نَكادُ حينَ تُناجيكُم ضَمائِرُنا

يَقضي عَلَينا الأَسى لَولا تَأَسّينا

حالَت لِفَقدِكُمُ أَيّامُنا فَغَدَت

سودًا وَكانَت بِكُم بيضًا لَيالينا

إِذ جانِبُ العَيشِ طَلقٌ مِن تَأَلُّفِنا

وَمَربَعُ اللَهوِ صافٍ مِن تَصافينا

وَإِذ هَصَرنا فُنونَ الوَصلِ دانِيَةً

قِطافُها فَجَنَينا مِنهُ ما شينا

لِيُسقَ عَهدُكُمُ عَهدُ السُرورِ فَما

كُنتُم لِأَرواحِنا إِلّا رَياحينا

لا تَحسَبوا نَأيَكُم عَنّا يُغَيِّرُنا

أَن طالَما غَيَّرَ النَأيُ المُحِبّينا

وَاللَهِ ما طَلَبَت أَهواؤُنا بَدَلًا

مِنكُم وَلا اِنصَرَفَت عَنكُم أَمانينا

يا سارِيَ البَرقِ غادِ القَصرَ وَاِسقِ بِهِ

مَن كانَ صِرفَ الهَوى وَالوُدُّ يَسقينا

وَاِسأَل هُنالِكَ هَل عَنّى تَذَكُّرُنا

إِلفًا تَذَكُّرُهُ أَمسى يُعَنّينا

وَيا نَسيمَ الصَبا بَلِّغ تَحِيَّتَنا

مَن لَو عَلى البُعدِ حَيّا كانَ يُحَيّينا

فَهَل أَرى الدَهرَ يَقضينا مُساعَفَةً

مِنهُ وَإِن لَم يَكُن غِبّاً تَقاضينا

رَبيبُ مُلكٍ كَأَنَّ اللَهَ أَنشَأَهُ

مِسكًا وَقَدَّرَ إِنشاءَ الوَرى طينا

أَو صاغَهُ وَرِقاً مَحضاً وَتَوَّجَهُ

مِن ناصِعِ التِبرِ إِبداعًا وَتَحسينا

إِذا تَأَوَّدَ آدَتهُ رَفاهِيَةً

تومُ العُقودِ وَأَدمَتهُ البُرى لينا

كانَت لَهُ الشَمسُ ظِئراً في أَكِلَّتِه

بَل ما تَجَلّى لَها إِلّا أَحايينا

كَأَنَّما أُثبِتَت في صَحنِ وَجنَتِهِ

زُهرُ الكَواكِبِ تَعويذاً وَتَزيينا

ما ضَرَّ أَن لَم نَكُن أَكفاءَهُ شَرَفًا

وَفي المَوَدَّةِ كافٍ مِن تَكافينا

يا رَوضَةً طالَما أَجنَت لَواحِظَنا

وَردًا جَلاهُ الصِبا غَضّاً وَنَسرينا

وَيا حَياةً تَمَلَّينا بِزَهرَتِها

مُنىً ضُروباً وَلَذّاتٍ أَفانينا

وَيا نَعيماً خَطَرنا مِن غَضارَتِهِ

في وَشيِ نُعمى سَحَبنا ذَيلَهُ حينا

لَسنا نُسَمّيكِ إِجلالًا وَتَكرِمَةً

وَقَدرُكِ المُعتَلي عَن ذاكَ يُغنينا

إِذا اِنفَرَدتِ وَما شورِكتِ في صِفَةٍ

فَحَسبُنا الوَصفُ إيضاحًا وَتَبيينا

يا جَنَّةَ الخُلدِ أُبدِلنا بِسِدرَتِها

وَالكَوثَرِ العَذبِ زَقّومًا وَغِسلينا

كَأَنَّنا لَم نَبِت وَالوَصلُ ثالِثُنا

وَالسَعدُ قَد غَضَّ مِن أَجفانِ واشينا

إِن كانَ قَد عَزَّ في الدُنيا اللِقاءُ بِكُم

في مَوقِفِ الحَشرِ نَلقاكُم وَتَلقونا

سِرّانِ في خاطِرِ الظَلماءِ يَكتُمُنا

حَتّى يَكادَ لِسانُ الصُبحِ يُفشينا