الأساطير العربية قبل الإسلام
محتويات
الحاجة إلى الأسطورة
شَبّه الإنسان القديم الإله بالإنسان وأدخله في صراعات مع الآلهة، وجعله إلهًا للخير أو للشرّ؛ ذلك أنه عرف بفطرته ضرورة وجود إله خالق ولكنّه جهل صفاته، فصنع من مخيلته هذه الصفات المأخوذة من محيطه وتجاربه وقدراته العقلية، ومن هنا جاء صنعه للأسطورة التي مجّدَها وآمن بها دينًا، وقد تنوّعت الأساطير وتعدّدت باختلاف الناس وتنوع المجتمعات، ولكنها اشتركت جميعًا في أنها منتج خيالي لا يمكن إثبات صحته بدليل عقليّ، ومع ذلك فقد قدّست وعظّمت وأصبحت من القضايا المسلمة التي لا تقبل الجدل لخروجها عن حدود الإنسان، وتحقيقها أمرا عجز الإنسان عن إدراكه؛ فهي قد تشتمل على شخصيات بطولية يستمد منها الإنسانُ الحلَ لمشكلاته، وفي هذا المقال بعض الأساطير العربية قبل الإسلام.[١]
الأساطير العربية قبل الإسلام
تمثّلت الأساطير العربية قبل الإسلام من خلال الاعتقادات القديمة التي آمن بها العرب، وظهرت ملامحها في غير موضع، فالكعبة مثلا كانت مغطاة برموز لأنصاف الآلهة، والجن، والعفاريت والجن، وكانت أنصاف الآلهة منها آلهة قبلية تعبّر عن ثقافة الشرك قبل الإسلام، فقد انتشر بجوار الكعبة الكثير من الأصنام التي ترمز للآلهة ووصلت لأكثر من 360 صنمًا، مما مهّد لظهور ثقافة الأساطير.[٢]
الأسطورة في حياة عرب الجاهلية
تُعدّ قلّة مصادر التاريخ التي نقلت الأساطير العربية قبل الإسلام، وضياع الكثير من الأدب العربي لعدم معرفة الكتابة، سببًا لصعوبة دراسة الأساطير العربية القديمة بشكل علمي، إذ إنّ معظم ما كتب عن تاريخ الجاهلية كان بين 500 و622م أي مئة سنة قبل الإسلام، وقد عُرف من النقوش ورواة الأخبار الذين قدّموا معرفة مبعثرة عن الأساطير البابلية التي اكتشفت في الألواح السبعة ونقوش الساميين الشماليين، وما وصل عن الأساطير العربية قبل الإسلام وصل عن طريق سيرة ابن هشام، وأخبار عبيد بن شرية، والإكليل، وحياة الحيوان للدميري، وفي كتب المتأخرين مثل كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، ومروج الذهب للمسعودي، والأزرقي، والبلخي، والقزويني، والثعالبي، والألوسي.[٢]
وقد كانت الأساطير العربية قبل الإسلام تمثّل علاقة الجاهليين بالكائنات، وكانت مصدر أفكارهم، ألهمتهم الشعر والأدب، وكانت الدين والفلسفة معًا، ولأنّهم لم يستطيعوا تصور ما وراء الطبيعة، أو الحياة بعد الممات، فإن طبيعة بلاده الصحراوية جعلته يؤمن بالدهرية، ويقدس الحجر، والحيوان، والأشجار، ويتأثّر بالوثنية البابلية، وحين اشتهرت الأديان في شبه الجزيرة العربية، تأثر بالأديان اليهودية والمسيحية، وتأثر بآراء الصابئة خاصة في عبادة النجوم، فظهرت أغلب الأساطير العربية قبل الإسلام من خلال الأوثان التي عبدها الجاهليّون.[٢]
الآلهة قبل الإسلام
استوطنت الكثير من الجماعات العربية الجزيرة العربية منذ أواسط القرن الأول قبل الميلاد، ففي المناطق الجنوبية لبلاد الشام استوطنت ممكلة تدمر والأنباط والصفويين، وفي الأطراف العليا لشبه الجزيرة استوطنت قبائل لحيان وثمود، وفي النهاية كان عرب الشمال، ومن الآلهة التي عبدها العرب وكانت تمثيلًا للأساطير العربية قبل الإسلام ما يأتي.
اللات
وهي إلهة العرب الكبرى، ورأس الثالوث الإلهي المؤنث: اللات والعزّى ومناة، وهي صخرة بيضاء مربعة، بيتها كان في الطائف، وكانت سدانتها لبني ثقيف، الذين ستروا بيتها بكسوة ضاهت كسوة الكعبة، وقد عبدتها الكثير من القبائل العربية، ومنها قبيلة قريش، وتسمى الكثير من العرب بها، مثل: تيم اللات، وزيد اللات. وقد أمر الرسول -صلى الله عليه وسلّم- بهدم بيتها بعد دخوله مكة المكرمة.[٣]
أخذ اسم اللات في الأساطير العربية قبل الإسلام من الكنعانيين، وهو في أصله إيلة أو إيلات، مؤنث الاسم من إيل، وقد كانت عند عرب الجنوب آلهة شميّة بل هي الشمس، وسموها بذات حميم؛ لأنها تصدر الحمم واللهب، وكانت ضمن الثالوث الإلهي، وفيه العزى نجمة الصباح، ومناة نجمة المساء.
العزى
وهي من آلهة أهل مكة في الجزيرة العربية التي عبدت بوصفها من بنات الله، وتمثيلا للأساطير العربية قبل الإسلام، وهي في المرتبة الثانية في الثالوث الإلهي مع اللات ومناة، ورد ذكرها في القرآن الكريم، محقّرًا شأنها وصفها الله في القرآن الكريم تحقيراً من شأنها، لما فيها من نسبة الأنثوي إلى الله، والاستئثار بالذكوري لكفار قريش وكنانة ومن والاهم؛ فقال تعالى: {أَأَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَىٰ * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ}[٤]. وفي رواية ابن الكلبي فإن ظالم بن أسعد، هو أول من اتخذ العزى إلهة يعبدها. وقد ورد في عدد من الروايات أنّ لها تمثالا حجريًّا على شكل امرأة قوية عزيزة تعز من عبدها، وقد كانت قريش اسميها ملكة السماء، وتحملها معها في حروبها. فهي شديدة العقاب والانتقام ممن يعاديها.[٥]
مناة
وردت في الأساطير العربية قبل الإسلام في الدرجة الثالثة من الثالوث الإلهي بعد اللات والعزى، وهي آلهة القدر، عبدها الأنباط وقبائل البادية الصفوية والثمودية، ظنّ الجاهليون أنّها ابنة العزى وأخت اللات، وقد كانت آلهة خيرة معطاءة مغيثة، بالرغم من كونها آلهة الموت والمنايا في الوقت نفسه. وقد عُبدت مناة عند غير العرب، فعرفها البابليون "بما مناتو" أو "مناتا"، والعبرانيون "بمنا" التي جمعها مانوت. وذكر المؤرخون أنها كانت منصوبة على ساحل البحر بقرب موضع اسمه "وادي قديد"، وهذا ما دفعهم للاعتقاد بوجود صلة لها بالبحر والماء والريح والسحب، وقد كانوا يذبحون لها في أوقات القحط والجدب يستمطرون بذلك ويقدمون لها الشكر إذا هبت عليهم الرياح الرطبة.[٦]
هبل
وهو من أعظم أصنا قريش داخل الكعبة، أُتي به من مؤاب، وكان عقيقًا أحمر على صورة إنسان كُسرت يده اليمنى، فوضعت له قريش يدًا من ذهب، وهو ذو علاقة بمعرفة الغيب، وكانت تضرب الأقداح أمامه للاستخارة. كما كان له علاقة بالماء ومظاهر الخصب، لذلك نصب تمثاله في الجاهلية على بئر جوف الكعبة. ذهب بعض المؤرخين مثل جورجي زيدان إلى أنّ الأصل فيه هو بعل الذي يعني السيد أو الرب عند الكنعانيين.[٧]
ذو الشرى
وهو من الآلهة التي عبدها عرب الشمال، وقبيلة دوس، ولكنه لم يلعب دورًا رئيسًا في عبادة العرب خاصة في عصور ما بعد الميلاد، بعد أن كان رئيسًا لمجمع الآلهة النبطيّة، وقال ابن الكلبي فيه: "كان لبني الحارث بن يشكر بن مبشر من الأزد، يقال له ذو الشرى"، وكان ذو الشرى إلها لكان يسمى الشرى، وهو مكان لا يمكن تحديد موقعه الدقيق في الوقت الحالي، لاتخاذ الكثير من الأماكن هذا الاسم في البلاد العربية.[٨]
الخيال والطوطمية قبل الإسلام
خضع الجاهليّون لسلطان مناة وعرض عندما خلطوا معنى الدهر بالقضاء والقدر، ومناة وعوض هي أصنام الدهر التي عبدها العرب، وكانت غايتهم منها الخلود، وفي الأساطير العربية أن الملك ذو القرنين طمح إلى الخلود، ووصل مع الخضر إلى عين الدهر، يشرب منها الماء الذي يعطيه حياة أبدية، ولكنه منع من الخلود، وكذلك لقمان بن عاد الذي طمح إلى الخلود، وكان خلوده مرتبطا ببقاء سبعة نسور على قيد الحياة آخر نسر اسمه لبد ويعني الدهر، لكن النسور ماتت واحدا تلو الآخر حتى جاء دور لبد الذي مات وانتهت حياة لقمان بموته.[٢]
وكانت الأساطير العربية قبل الإسلام عند الجاهليين تولد تصوّريًّا، فقد تصوروا الأشياء، وركبوا صورهم الشعرية المادية المحسوسة، وكانت أفكارهم عن الأشياء الروحية ذات تصور مادي، فقد تصوروا الروح في شكل الهامة، والعمر الطويل في شكل النسر، والشجاعة في شكل الأسد، والأمانة في الكلب، والصبر في الحمار، والمكر والدهاء في الثعلب.[٢]
كما ظهرت الطوطمية عند الجاهليين، فقدسوا الحيوانات، بل وتسمّت بعض القبائل بأسماء الحيوان، مثل: بني كلب، وبني نعامة، ظنًّا منهم أن الحيوان يحميهم كما يحمي الطوطم أهله، وكانوا يكفنون الحيوان ويدفنونه مثل الإنسان، ويحزنون عليه، وتفاءلوا بنباح الكلاب على مجيء الضيوف، وتشاءموا من الثور الذي كسر قرنه. وظهرت الطوطمية لديهم في تصورهم للجن أيضًا، إذ اعتقدوا أنهم خلقوا من بيضة، وأنهم من نسل الحيوان، وكذلك الغيلان والسعالى والهوام، حسب قول المسعودي في مروج الذهب. ونسبوا الأفراد والقبائل إلى نسل الجن الذي مثّل قوة الشر التي يقاومها شجعان القبيلة مثل تأبّط شرًا.[٢]
وقد جاء في الأساطير العربية قبل الإسلام أنّ الإنسان يُمسخ حجرًا أو شجرًا أو حيوانًا، كما جاء في كتاب عجائب المخلوقات للقزويني أن الصفا والمروة في الأطل كانتا رجلا وامرأة ثم مسخا صخرتين. وفي كتاب حياة الحيوان للدميري ذكر أن أساف ونائلة كانا رجلًا وامرأة فصارا صنمَيْن، وجاء في أخبار مكة للأزرقي أن العرب لم تأكل الضب لأنهم ظنوها شخصًا إسرائيليًا مُسخ، حتى أنهم جعلوا الضب والأرانب والكلاب من الأناس الذين مُسخِوا في تلك الصور، كما جاء في كتاب الحيوان للجاحظ.[٢]
ومن جانب آخر، فقد ورد في الأساطير العربية قبل الإسلام أن الأرواح من جن وعفاريت ومردة كانت مخلوقات أسطوريّة خارقة قادرة على التحكّم في حياة البشر، كما كانت الوحوش مثل النسناس، والغول، والبهموت، حيوانات أسطورية، فالبهموت سمكة ضخمة لها رأس الفيل وتحمل الأرض على ظهرها.[٢]المراجع[+]
- ↑ "الأساطير"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-08-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د "الأساطير العربية"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 15-08-2019. بتصرّف.
- ↑ "اللات"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 16-08-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة النجم، آية: 19-22.
- ↑ "العزى"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 16-08-2019. بتصرّف.
- ↑ "مناة"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 16-08-2019. بتصرّف.
- ↑ فراس السواح (2004)، موسوعة تاريخ الأديان (الطبعة الأولى)، سورية- دمشق: دار علاء الدين، صفحة 293، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ فراس السواح، موسوعة تاريخ الأديان، صفحة 294.