تأثير الحضارة العربية الإسلامية ف
محتويات
تأسيس وتأصيل
يَرى الكثيرون أنّ الأمة العربيّة ضاربةٌ في القدم أكثر من اسمها الحالي، فهي حسب ما يُجمِع عليه الباحثون التاريخيّون، أصل الجنس السامي، والتي انبثق منها فروعُ كثيرة، منها: الكلدانيون والآشوريون والكنعانيون، وغيرهم، وأهمّ ما يستندون له في ذلك اللغة، حيث يتحدّث هؤلاء جميعًا بفروعٍ ترجع في أصلها إلى لغةٍ واحدةٍ، إضافةً إلى الشبه الخَلقي الجسماني بينهم، ثم يجعلون الجزيرة العربية المنشأ الأصلي لجميعهم، وهذا الاقتضاب ضروريٌ للبحث في تأثير الحضارة العربية الإسلامية في الغرب المسيحي، وهنا لا بدّ من ذكر الحضارة الإسلامية التي امتدت قرونًا طويلةً، إذ بدأت مع البعثة النبوية لمحمدٍ -صلّى الله عليه وسلم- ثم عبر الصحابة والتابعين وعموم المسلمين بلغت العالم أجمع إن لم يكن بالوجود فبالأثر.[١]
الحضارة العربية الإسلامية
جاءت الحضارة العربية الإسلامية، فحملت هم الرقي بمجمل الحضارة الإنسانية، فلا فرق في نظر هذه الحضارة العربية الإسلامية بين الناس، إذ لا تمايز بين البشر على أساسٍ عرقيٍ أو قوميٍ أو غيره، فهي حضارة الإنسانية والعلم بلا شك، ولقد أخذت الحضارة العربية الإسلامية عن غيرها من الحضارات القديمة، ثم بحثت ودققت ودرست وطورت ما أخذته عن تلك الحضارات، ثم أعادت تقديمه بشكلٍ مختلفٍ تمامًا عمّا أخذته، ولعل أبرز ما قدمته الحضارة العربية الإسلامية في معرض الحديث عن تأثير الحضارة العربية الإسلامية في الغرب المسيحي، هو ما قدمته من منهجٍ علميٍ، وهذا ما تصفه المستشرقة الألمانية "زيغرد هونكة" بالعمل الإنقاذي للحضارة، حيث كان لهذا المنهج العلمي أثر بارز في تاريخ البشرية.[٢]
أحوال الغرب المسيحي في العصور الوسطى
كانت الحياة في الغرب المسيحي -أوروبا- حياةً بائسةً تكاد تتفتق لشدة عيوبها ومساوئها، حيث انتفت النظافة وتركت، وتكدست العقول بأطنانٍ من الجهل، وتناحرت الأجسام في فوضى عارمة، وذلك لما كانت أوروبا تعيشه من ظلمٍ واضطهادٍ وقسوةٍ همجيةٍ، ممثلًا بالإقطاعيين والطبقات الإجتماعية العُليا، وامتدت فيها -أوروبا- أطول حربٍ عرفتها البشرية، حيث امتدت تلك العرب لحوالي مائة عامٍ متتالية، وفي ذلك الجو الذي ساد أوروبا في تلك العصور يقول العالم الغربي لوبون: "ودامت همجية أوروبا البالغة زمنًا طويلًا من غير أن تشعر بها، حتى ظهر فيها بعض الميل إلى الغلم، وذلك في حدود القرن الحادي عشر والثاني عشر الميلادي، وذلك حين ظهر فيها أناسٌ يدعون إلى رفع أكفان الجهل الثقيل عنهم، قولوا وجوههم شطر العرب اللذين كانوا أئمة.." وهذا أيضًا مؤشرٌ يستفتح به المقال حديثه عن تأثير الحضارة العربية الإسلامية في الغرب المسيحي.[٣]
تأثير الحضارة العربية الإسلامية في الغرب المسيحي
إنّ الحديث حول تأثير الحضارة الإسلامية على الغرب المسيحي حديثٌ طويلٌ، وهو يمتد إلى تاريخٍ ضاربٍ في القدم، فالغرب المسيحي -المتمثل اليوم بأوروبّا وأميركا حتى- أخذ من الحضارة العربية الإسلامية، ومع نهايات عصوره المعروفة بعصور الظلام، ما أنجزته وأبدعته هذه الحضارة أثناء غرق الغرب المسيحي في ظلماتٍ بعضها فوق بعض، في ظل سلطة الكنيسة القامعة للعلم بمختلف صوره وأشكاله، فكان ما أخذه الغرب المسيحي من علوم ومعارفٍ عن الحضارة العربية الإسلامية، بمثابة النور الذي أسس لها طريق المضيّ لما يعرف بعصور النهضة، ولا شكّ أنّ التاريخ -على الرغم من تدليسه، ومحاولات تزييفه- يحتفظ بصفحاتٍ لم تمتد لا الأيادي العابثة، وفيه من الشواهد لتأثير الحضارة العربية الإسلامية في الغرب المسيحي ما فيه.[٢]
وفي ذات السياق فإن -زيغريد هونكة- تصف انطلاق الحضارة العربية الإسلامية، وبما رسمه لها الرسول محمد -صلّى الله عليه وسلم- من خطوطٍ عريضةٍ تحمل النور إلى الإنسانية، فتقول بأنها أخرجت العالم القديم من أحرازه الثقافية البالية، وتضيف -زيغريد هونكة- في معرض حديثها عن تأثير الحضارة العربية الإسلامية في الغرب المسيحي، وهو اقتباسٌ من ترجمة كتابها -شمس العرب تسطع على الغرب- ما يأتي: "لو لم يبعث الشعب العربي الموهوب في حضارات البحر المتوسط روحًا جديدًا، لاندثرت تلك الحضارات تمامًا كما حدث لحضارات المايا والإنكا."[٤]
علماء الغرب وأثر الحضارة العربية الإسلامية على حضارتهم
تاليًا، يستعرض المقال هذا بعض آراء العلماء الغربيين واعترافاتهم حول تأثير الحضارة العربية الإسلامية في الغرب المسيحي، ويعتمد هذا المقال في سياقه هذا على الترجمات الواردة في كتاب "معابر الحضارة الإسلامية إلى أوروبا" وفيما يأتي أبرز هذه التعليقات[٣]:
- جوستاف لوبون: وهو عالم نفسٍ واجتماعٍ فرنسيٍ، ويقول: "إذا كان الأثر الإسلامي قد أخذ طابع الدين واللغة شرقًا، فإنه وفي الغرب قد أخذ طابع العلم والأدب والأخلاق."
- جان جاك سيديو: وهو مستشرقٌ فرنسيٌ، ويقول: "لقد نجح العرب نجاحًا منقطع النظير، وذلك في القيام بدور الوسيط بين مختلف شعوب العالم.."
- ديورانت: ينقل عنه قوله: "لقد تزعم الإسلام ولمدةٍ تزيد على خمسة قرونٍ العالم أجمع، في القوة والنظام والملك، وفي الأخلاق وشتى مناحي الحياة، وفي التسامح الديني والآداب، وفي البحث العلمي والعلوم والطب والفلسفة" ثم يضيف يورانت فيقول: "لقد كان للعالم الإسلامي أثرًا بالغًا على العالم المسيحي، فقد أخذت منه أوروبا الطعام والشراب، والعقاقير والأدوية، والأسلحة والصناعات المختلفة، وأخذت عنه الفنيات والتحف والتشريعات ...".
اللغة العربية لغة الحضارة العالمية
اللغة العربية لغة القرآن، وقد يتصور البعض في هذا السياق أن استخدام اللغة العربية في تلك العصور القديمة -والتي كانت نقيضًا بين الشرق والغرب، فحين كانت عصور الغرب المظلمة، كانت في الوقت ذاته، عصور النهضة الإسلامية- كان مقصورًا على العرب نفسهم، أو محدودًا بالطبقة الحاكمة، وهذا لا شك تصورًا مغلوطًا، حيث انتشرت اللغة العربية في ظل الحضارة العربية الإسلامية انتشارًا واسعًا، فأصبحت اللغة العربية لغة الإدارة والسياسة، وهي على ذلك أيضًا لغة القانون السائدة، حتى إنها -اللغة العربية- كانت لغة التجارة والمعاملات بين الناس بمختلف أصولهم وثقافاتهم ولغاتهم، حيث عمل هذا الانتشار الموسّع لللغة العربية، بصورةٍ عفويةٍ أو غير مقصودةٍ إلى اندثار لغاتٍ مثل اللغة القبطية، واللغة الآرامية، ولم يكن ذلك في فترةٍ طويلةٍ جدًا، حيث لم يستغرق هذا الانتشار المهول سوى ما يقدر بقرنٍ واحدٍ من الزمان، وهو قياسًا ليس بالوقت الطويل، وهذا ختام هذا الحديث المختصر جدًا حول تأثير الحضارة العربية الإسلامية في الغرب المسيحي.[٤]المراجع[+]
- ↑ عباس العقاد، أثر العرب في الحضارة الأوروبية، القاهرة مصر: دار المعارف للطباعة والنشر، صفحة 5. بتصرّف.
- ^ أ ب هاني المبارك، شوقي أبوخليل(1996)، دور الحضارة العربية الإسلامية في النهضة الأوروبية (الطبعة 1)، بيروت- لبنان، دمشق- سورية: دار الفكر المعاصر، دار الفكر، صفحة 16،17. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد الإمام (2008)، معابر الحضارة الإسلامية إلى أوروبا (الطبعة 1)، عمان- الأردن: دار المأمون، صفحة 7،8،10. بتصرّف.
- ^ أ ب زيغرد هونكه، فاروق بيضون، كمال دسوقي (1993)، شمس العرب تسطع على الغرب (الطبعة 8)، بيروت لبنان: دار الجيل، دار الافاق الجديدة، صفحة 367،25،359. بتصرّف.