كيف نتضرع إلى الله في وقت الشدة
محتويات
مفهوم التضرع إلى الله
قبل الحديث عن كيف نتضرع إلى الله في وقت الشدة، لا بُدّ من بيان مفهوم التضرع إلى الله، فالتضرع لغة: الطلب بخضوع واستكانة وذل، والتضرع شرعا: دعاء الله -تعالى- وسؤاله بخشوع وإظهار المسكنة والفقر والحاجة، وهذه الحالة يحبها الله -تعالى- ويرضاها، وقد أمر الله -تعالى- بها، فقد قال سبحانه: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[١]، والإنسان بحاجة إلى الله -تعالى- في كل لحظةٍ من حياته، ولا يستطيع الاستغناء بنفسه ولو بطرفة عين، وكان من دعاء النبي -صلّى الله عليه وسلّم- ما ورد عن أبي بكرة نفيع بن الحارث، حيث قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "دعَواتُ المكرُوبِ: اللهُمَّ رحمتَكَ أرجُو، فلَا تكلْنِي إلى نفسِي طرْفَةَ عيْنٍ، وأصلِحْ لِي شأنِي كلَّهُ، لا إلهَ إلَّا أنتَ"[٢].[٣]
كيف نتضرع إلى الله في وقت الشدة
الحياة الدنيا مليئة بالمصاعب والمتاعب، لكن اللجوء إلى الله -تعالى- والتضرع إليه سبب في تحويل النقم إلى نعم، والمحن إلى منح، والتعاسة إلى سعادة، ولقد صور الله -تعالى- في القرآن الكريم حال بعض الناس كالذين يكونون في السفينة مطمئنين، ثم عند إشتداد الريح وتعالي الأمواج وتساقط الأمطار ينقلب حالهم من الطمأنينة إلى الخوف والهلع، فعندئذٍ يدركون أنّ لا ملجأ لهم إلا الله تعالى، فيتضرعون إليه بتذلل وخشوع، فينجيهم الله -تعالى- برحمته، ويبدل الحزن إلى فرح، والخوف إلى أمن، وذلك بسبب توبتهم ورجوعهم إلى الله تعالى، ثم بعد ذلك يعودون إلى المعاصي والذنوب، وهذه الصورة تتمثل في قوله سبحانه: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُم ۖ مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[٤]، فهذا حال الكثير من الناس حيث يلجأ إلى الله -تعالى- في الشدائد والمحن ثم إذا شعر بالأمان عاد إلى معاصيه، وقد يستائل البعض عن كيف نتضرع إلى الله في وقت الشدة، ولقد كان من هدي النبي -صلّى الله عليه وسلّم- التوجه إلى الله -تعالى- بالدعاء في جميع أحواله، فعلى العبد أنّ يكون دائم التضرع إلى الله -تعالى- في الشدة والرخاء، والعسر واليسر، فلقد رويَ عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال لفاطمة: "ما يمنعُكِ أن تسمَعي ما أُوصيكِ به؟ أن تقولي إذا أصبحْتِ وإذا أمسَيتِ: يا حيُّ يا قيُّومُ برحمتِك أستغيثُ، أَصلِحْ لي شأني كلَّه، ولا تَكِلْني إلى نفسي طرفةَ عَيْنٍ"[٥][٦]
ضرورة التضرع إلى الله
بعد الحديث عن كيف نتضرع إلى الله وقت الشدة، لا بُدّ من الحديث عن ضرورة التضرع إلى الله تعالى، فالمؤمن دائم التضرع واللجوء إليه سبحانه، ومن أعظم أسباب دفع الكربات التضرع إلى الله تعالى، فقد قال سبحانه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ}[٧]، فقد يغفل البعض عن التضرع إلى الله -تعالى- بالرخاء، فينزل سبحانه عليهم البأساء والضراء لعلهم يتضرعوا، ولقد أنزل الله -تعالى- العذاب على الأمم السابقة عند عدم تضرعهم وخضوعهم إليه، فقد قال سبحانه: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ * حَتَّىٰ إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ}[٨]، ولقد كان الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- يتضرع إلى الله -تعالى- في جميع أحواله، فلقد كان يتضرع في صلاة الاستسقاء، وعند رمي الحجار في الحج، وفي جهاده على الكفار، فقد قال الله -تعالى- عن غزوة بدر: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ}[٩]، ولقد كان من دعائه عند الكرب ما ورد عن عبدالله بن العباس رضي الله عنه، حيث قال: "أنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ كانَ يقولُ عِنْدَ الكَرْبِ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأرْضِ وَرَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ"[١٠].[١١]
هل يكون التضرع إلى الله في القنوت في الصلاة
بعد الحديث عن كيف نتضرع إلى الله في وقت الشدة وعن أهمية التضرع إليه سبحانه، من الجدير الحديث عن إنّه بإمكان العبد أنّ يتضرع إلى الله -تعالى- من خلال القنوت في الصلوات، فالقنوت فيه صورة من صور التضرع، ويُمكن أنّ يُقنت جماعةً أو فرادى، ومن أفضل الأوقات للقنوت في الثلث الأخير من الليل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، حيث قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "يَنْزِلُ اللَّهُ إلى السَّماءِ الدُّنْيا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الأوَّلُ، فيَقولُ: أنا المَلِكُ، أنا المَلِكُ، مَن ذا الذي يَدْعُونِي فأسْتَجِيبَ له، مَن ذا الذي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَن ذا الذي يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ له، فلا يَزالُ كَذلكَ حتَّى يُضِيءَ الفَجْرُ"[١٢]، والدعاء من العبادات العظيمة في الإسلام، والدعاء كله خير، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، حيث قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "ما من رجُلٍ يَدعُو بِدعاءٍ إلَّا اسْتُجِيبَ لهُ، فإِمّا أنْ يُعَجَّلَ لهُ في الدنيا، وإمَا أنْ يُدَّخَرَ لهُ في الآخِرَةِ، ما لمْ يَدْعُ بإِثمٍ، أوْ قطيعةِ رَحِمٍ، أو يَستعجِلُ، يقولُ: دعوْتُ ربِّي فمَا اسْتجابَ لِي"[١٣]، فالله -تعالى- يعطي العبد مسألته في الدنيا أو يعطيه يوم القيامة الأجر والثواب والمنازل العالية.[١٤]المراجع[+]
- ↑ سورة الأعراف، آية: 55.
- ↑ رواه السيوطي ، في الجامع الصغير، عن أبي بكرة نفيع بن الحارث، الصفحة أو الرقم: 4186 ، حديث صحيح.
- ↑ "تعريف التضرع"، al-maktaba.org، 22-3-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة يونس، آية: 22،23.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 5820 ، حديث حسن.
- ↑ "ضرورة الالتجاء إلى الله في الشدائد"، www.islamweb.net، 22-3-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنعام، آية: 42.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 76،77.
- ↑ سورة الأنفال، آية: 9.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2730 ، حديث صحيح.
- ↑ "التضرع إلى الله سبب في كل خير"، www.islamweb.net، 22-3-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 758 ، حديث صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 5714، حديث صحيح.
- ↑ "من التضرع القنوت في الصلاة"، al-maktaba.org، 22-3-2020. بتصرّف.