حكم قطيعة الرحم في رمضان
محتويات
مفهوم قطيعة الرحم
قطيعة الرّحم مشكلة كبيرة تحتلّ أبرز مشاكل المُجتمع في الوقت الحالي، وتكون هذه المُشكلة بسبب خلافات بسيطة في بعض الأحيان، حيث تستمرّ إلى أيّام عديدة وأحيانًا قد تصل إلى أعوام، ومعنى قطيعة الرّحم في اللّغة: هجران الأهل والأقارب، وترك البرّ والإحسان إليهم،[١] وتُعرّف بالاصطلاح: أنّها العقوق الذي يصدر من الشّخص لأولى أصوله وفروعه، حيث يقطع برّه لهم ولا يصلهم بإحسانه، ومن الجدير بالذّكر أنّ قطيعة الرّحم من أكبر الكبائر؛ لأنّ الله وعد فاعلها بالعذاب الشّديد لأدلّة عديدة سيتمّ توضيحها فيما يأتي، وقد اختلف العلماء في إطلاق لفظ القاطع للرّحم، فمنهم من يراه للمُسيء لأهله، ومنهم من يراه التّارك للبرّ والإحسان، ومن المعلوم أنّ حكم قطيعة الرّحم؛ الحرمة وأنّها كبيرة من الكبائر، ولكن هل يختلف حكمها العام عن حكم قطيعة الرحم في رمضان، سيتمّ التعرّف على ذلك في هذا المقال، بالإضافة إلى مظاهر وأسباب قطيعة الرّحم.[٢]
حكم قطيعة الرحم في رمضان
إنّ الحكم العام لقطيعة الرّحم هو الحرمة، إذ إنّ الشّريعة الإسلاميّة اعتبرتها من أعظم الكبائر التي توجب العقوبة يوم القيامة على صاحبها، وهذا الحكم لا يختلف عن حكم قطيعة الرحم في رمضان، حيث لا خلاف في أنّ صلة الرّحم واجبة شرعًا، وقطعها معصية كُبرى، ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ* أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}،[٣] والمقصود بهذه الآية الكريمة أنّ قاطع الرّحم يصيبه العمى والصّمم، كما أنّه لا ينتفع بالموعظة التي يسمعها بأذنه، فكيف وإن كانت القطيعة في أعظم شهر من أشهر السّنة، ومن الجدير بالذّكر أنّ الآثار المُترتّبة على حكم قطيعة الرحم في رمضان أو غيره من أشهر السّنة تُورّث للابن أو الابنة ويحملون الآباء وزر هذه الكبيرة، والدّليل على ذلك قوله تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ}،[٤] لذلك يجب على الآباء أن يُعوّدوا أبناءهم على زيارة الأقارب والإحسان إليهم، ومعاملتهم مُعاملة طيّبة، أمّا إن كان الشّخص يصل أقاربه ويبرّهم، سيكون رابحًا وناجيًا وهم خاسرون يوم القيامة، والدّليل على ذلك عندما جاء رجلٌ إلى النّبي يشكو من الذين يُسيئون إليه وهو يُحسن إليهم، فقال الرّسول عليه السّلام: "لئنْ كان كما تقولُ فكأنَّما تُسِفُّهم المَلَّ ولا يزالُ معك مِن اللهِ ظهيرٌ ما دُمْتَ على ذلك".[٥][٦]
مظاهر وأسباب قطيعة الرحم
وبعد أن تمّ التّعرّف على الحكم العام لقطيعة الرّحم، وحكم قطيعة الرحم في رمضان خاصة، وأنها كبيرة من الكبائر لقول الرّسول الكريم: "الرحمُ معلَّقةٌ بالعرشِ تقولُ: من وصلني وصله اللهُ، ومن قطعني قطعه اللهُ"،[٧] لا بُدّ من معرفة الأسباب التي أدّت إلى قطيعة الرحم وهجران الأقارب، وفيما يأتي بيان ذلك:[٨]
- الجهل: إنّ الجهل ناتج عن تربية الآباء، فتُحمل عواقب القطيعة عليه في الآجل والعاجل.
- ضعف التّقوى: إنّ رقّة الدّين تجعل الشّخص يقطع الطريق الموصل إلى فضيلة صلة الرّحم، كما أنّه لن يُبالي بعواقب قاطع الرّحم.
- الكِبر: الكبر سبب رئيس في قطيعة الرّحم، وخاصّة هؤلاء أصحاب المناصب الرّفيعة في المُجتمع، وكِبار التّجار، حيث يظنّون أنّ واجب الصّلة يكون حقّ لهم وليس عليهم.
- الانقطاع الطويل: يؤدّي الانقطاع الطّويل إلى جفاء الشّخص ووحشته ومن ثمّ التّمادي بالانقطاع شيئًا فشيئًا وصولًا إلى القطع التّامّ.
- العتاب الشّديد: إنّ التّقريع واللّوم والعتاب باستمرار يؤدّي إلى الكراهيّة ومن ثمّ إبطاء اللّقاءات وصولًا إلى النّفرة وقطع الرّحم.
- البخل والشّحّ: إنّ التّخوّف من مطالب الأقارب والأهل؛ كاستدانتهم منه ونحوه يؤدّي إلى التّهرُّب ومن ثمّ قطع الرّحم.
فضل صلة الرحم
إنّ صلة الرّحم من أعظم الوسائل التي يُتقرّب بها العبد إلى الله، فقد حثّت الشّريعة الإسلاميّة على وجوب صلة الرّحم لِما لها من فضائل عظيمة، وبيان فضل الامتثال جليّ في القرآن الكريم والسّنّة النّبوية، فمن القرآن الكريم قوله تعالى: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}،[٩] حيث تدلّ هذه الآية على وجوب صلة الرّحم لورود صيغة الأمر "آتِ"، ومن الأدلّة أيضًا قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}،[١٠] أمّا بالنّسبة لفضل صلة الرّحم في السّنّة، قول الرّسول عليه السّلام: "مَنْ أحبَّ أنْ يُبْسَطَ لهُ في رِزْقِهِ، وأنْ يُنْسَأَ لهُ في أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رحمَهُ".[١١][١٢]
الأمور المعينة على صلة الرحم
وبعد أن تمّ توضيح الحكم الشّرعي لقطيعة الرّحم على أنّه حرام ومن أكبر الكبائر، لا بُدّ من التّعرُّف على الأمور المُعينة على صلة الرّحم والآداب التي يُجدر العمل بها مع الاقارب وخاصّة بعد أن تمّ توضيح فضائل صلة الرّحم العظيمة التي أمر الله بها:[١٣]
- لا بدّ من التّفكُّر بالآثار المُترتّبة على قطيعة الرّحم، فاستحضار عواقب الأمور ومعرفة نتيجة الشّيء تُساعد الإنسان على السّعي إلى صلة الرّحم.
- إنّ التّأمُّل بعواقب قطيعة الرّحم؛ كالحسرة والنّدامة والضّيق ونحو ذلك يجعل الشّخص يتجنب هذه المشاعر بصلة الرّحم.
- الاستعانة بالله والدّعاء له بالسّداد والإعانة على صلة الرّحم وسيلة فعّالة للمداومة على صلة الرّحم وتجنّب قطعهم.
- حفظ الودّ بين الأقارب وكظم الغيظ والعفو عنهم إن أساؤوا، يؤدّي إلى بقاء العهد وتجنّب قطيعة الرّحم.
- قبول الأعذار والصّفح الجميل إذا أخطأوا حتى وإن لم يعتذروا، فلا يقوم بتوبيخهم أو تقريعهم، ويجعل حسن الظنّ صفة دائمة له.
- نسيان عيوب الأقارب وعدم تذكيرهم بها، والدّعاء لهم بالحُسنى بنفس كريمة وهمّة عالية، كلّ هذا يُعين الإنسان على الصّلة الدّائمة بالرّحم.
- لا بُدّ من التّواضع واللّين، والتّغاضي والتّغافل، حيث يدلّ هذا على سموّ النّفس وارتقائها، ممّا يُعين على استبقاء المودّة ووأد المُباغضة.
المراجع[+]
- ↑ "معنى قطيعة الرحم"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 25-03-2020. بتصرّف.
- ↑ "قطيعة الرحم"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 25-03-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة محمد، آية: 22-23.
- ↑ سورة العنكبوت، آية: 13.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في صحيح ابن حبان، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 450، إسناده صحيح على شرط مسلم.
- ↑ "قطيعة الرحم "، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 25-03-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2555، صحيح.
- ↑ "أسباب قطيعة الرحم"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 25-03-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة الروم، آية: 38.
- ↑ سورة النساء، آية: 1.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الأدب المفرد، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 41، صحيح.
- ↑ "فضل صلة الرحم"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 25-03-2020. بتصرّف.
- ↑ "الأمور المعينة على صلة الرحم"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 25-03-2020. بتصرّف.