سؤال وجواب

حكم تناول حبوب منع الدورة الشهرية


مفهوم الحيض

إنّ الحيض هو: "الدورة التي ينزل فيها الدم من رحم الأنثى في أيّامٍ معلومةٍ كلَّ شهر"، ومن الألفاظ المستعملة للدلالة على الحيض: عادة المرأة والدورة الشهرية والعذر الشرعي، فجميع هذه الألفاظ بمعنى واحد ولكنّ السياق هو الذي يُحدّد اللفظ المستعمل، حيث يغلب استعمال مصطلح الدورة الشهرية في المجال الطبي، والحيض والعذر الشرعي كثيرًا ما يُستخدم في الفقه، ولفظ الحيض والمحيض موجود ومستعمل في النصوص الشرعية؛ حيث قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ}،[١] فالحيض موجب لاعتزال الرجل لزوجته وعذرٌ لانقطاعها عن الصلاة والصيام، وسيّتحدّث هذا المقال عن حكم تناول حبوب منع الدورة الشهرية في رمضان.[٢]

حكم تناول حبوب منع الدورة الشهرية في رمضان

إنّ تطور الطب ووجود عقاقير وأدوية تؤجل نزول دم الحيض فترة زمنية معيّنة جعل كثيرًا من النساء يلجأن إلى تناول مثل هذه الحبوب لمنع نزول دم الحيض في شهر رمضان؛ وبالتالي التمكّن من صيام شهر رمضان كاملًا، وهنا يُطرح سؤال مهم وهو: ما حكم تناول حبوب منع الدورة الشهرية في رمضان، وقد أجاب الفقهاء عن هذا السؤال، فقالوا أنّ حكم تناول حبوب منع الدورة الشهرية في رمضان هو الجواز، إلّا أنّ هذا الجواز مشروط بعدم حصول ضرر يلحق بالمرأة التي تريد تناول مثل هذه الحبوب فإن علمت المرأة أنّ هذه الحبوب تضرّها فيُحرم حينئذٍ تناولها، ولا يُشترط في علمها هذا القطع واليقين فمجرد الشكّ يُحرّم تناول حبوب منع الدورة الشهرية في رمضان.[٣] وليس على المرأة أن تقضي الأيّام التي لم تفطرها من أيّام عادتها التي لم تأتها بسبب تلك الحبوب؛ لأنّ ارتفاع الحيض عنها يعني طهرها وبالتالي فصيامها صحيح ولا قضاء عليها،[٤] وقد يرى البعض عدم وجود ضرورة لتناول حبوب منع الدورة الشهرية في رمضان وينصح بعدم القيام بهذا الفعل مع التأكيد على أنّ الحكم هو الجواز وعدم وجود حرج إذا انتفى الضرر،[٣] بينما يرى آخرون أنّ صيام المرأة مع المسلمين طيلة أيّام شهر رمضان فيه مصلحة كبيرة لها إذا كانت حبوب منع الدورة الشهرية لا تؤثر في صحّتها.[٥]

أقل الحيض وأكثره

بعد أن تمّ بيان حكم تناول حبوب منع الدورة الشهرية في رمضان لا بدّ من التطرّق إلى قضيّة أقل الحيض وأكثره من القضايا المهمّة في فقه المرأة لأنّ كون المرأة في فترة الحيض يقتضي انقطاعها عن فرائضها من صيامٍ وصلاة إلى غير ذلك من الأمور التي لا يصح فعلها في فترة الحيض، وقد ناقش فقهاء المذاهب الأربعة مسألة أقل الحيض وأكثره وتبّنى كلٌّ منهم رأيًا مختلفًا عن الآخر؛ حيث قال الحنفية بأنّ أقلّ الحيض ثلاثة أيّام وأكثره عشرة أيّام، والحكم المترتّب على هذا الرأي أنّ نزول الدم في مدّة أقل من ثلاثة أيّام لا يعدّ حيضًا وهو يعدّ استحاضة عند الحنفية، وكذلك الأمر بالنسبة للأيام التي ينزل فيها الدم بعد اليوم العاشر من عادة المرأة، أمّا المالكية فقالوا بعدم وجود حد لأقلّ الحيض ولا لأكثره، فنزول الدم هو حيض سواءٌ نزل للحظةٍ واحدة أم استمر أيّامًا عدّة.[٦]

أمّا الشافعية والحنابلة فقد اتفقوا في هذه المسألة وقالوا بأنّ أقلَّ الحيض يومٌ وليلة أمّا أكثره فهو خمسة عشر يومًا؛ فالدم لا بدّ أن يستمر بالنزول يومًا وليلة ليُقال عنه حيض ويأخذ أحكام الحيض عند الشافعية والحنابلة، وأمّا إن زادت مدّة نزول الدم عن خمسة عشر يومًا فيكون هذا الدم النازل هو دم استحاضة وليس دم حيض، وقد استدّلوا على قولهم هذا بعدّة أدلة، فدليلهم على أقل الحيض هو استقراء عادة النساء فمعظم النساء لا تقلُّ فترة حيضها عن يومٍ وليلة كما رأى الشافعية والحنابلة، وقد استندوا في مسألة أكثر الحيض عندهم إلى قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "وما زاد عن الخمسة عشرة فهي استحاضة"، كما استدلّوا بحديثٍ لرسول الله رأى البعض ضعفه وعدم صحة الدلالة فيه؛ وهو قول الرسول: "النساء ناقصات عقل ودين، قيل: وما نقص دينهن؟ قال: تمكث إحداهن شطر عمرها لا تصلي"،[٧][٦] والشطر الأوّل من الحديث موجودٌ في كتب معتبرة في الحديث كصحيح البخاري إلّا أنّ الشطر الثاني فقد حُكم بعدم وجود أصلٍ له،[٨] ووجه الدلالة أنّ الشطر هو النصف والشهر ثلاثين يومًا ونصفه خمسة عشر يومًا وعليه يكون أكثر الحيض هو خمسة عشر يومًا كما رأى الشافعية والحنابلة.[٦]

الفرق بين الحيض والاستحاضة

تستطيع بعض النساء التمييز بين دم الحيض ودم الاستحاضة والمرأة التي تستطيع ذلك تُسمّى بالمميزة،[٩] فالحيض هو: "سيلان دم عرق في قعر الرحم يسمى العاذر، ولون هذا الدم أسود ثخين، غليظ، منتن كريه، لا يتجمد إذا ظهر"، أمّا الاستحاضة فهي: "سيلان دم عرق في أدنى الرحم يسمى العاذل، ولون هذا الدم أحمر، رقيق، غير منتن، يتجمد إذا خرج؛ لأنه دم عرق عادي"،[١٠] ولكنّ الصغيرة التي لم يسبق لها الحيض لا تستطيع التمييز بين دم الحيض ودم الاستحاضة فتذهب إلى أمها لتريها الدم وتتمكّن من معرفة أيٍّ من النوعين هو، وفيما يأتي تفصيلٌ وبيان لنقاط الفرق بين الحيض والاستحاضة:[١١]

  • اللون: دم الحيض في الغالب أسود اللون بينما دم الاستحاضة فلونه أحمر، ولكن قد يكون دم الحيض أحمرًا عند وجود قرائن تؤكد أنّه حيض.[١١]
  • الوصف: دم الحيض ذو قوام ثخين وسميك بينما دم الاستحاضة فرقيق القوام.[١١]
  • الرائحة: دم الحيض له رائحة كريهة ومنتنة بينما دم الاستحاضة فليس له نفس الرائحة.[١١]
  • التجمد: دم الحيض لا يتجمد بعد نزوله بينما دم الاستحاضة فيتجمد.[١١]
  • الحكم: نزول دم الحيض موجب للانقطاع عن الصلاة وبعض الفرائض، أمّا المستحاضة فلا تنقطع عن صلاتها وفرائضها.[١٢]

حكم قضاء الحائض للصيام

إنّ القضاء بشكل عام: "هو فعل العبادة في غير وقتها المحدّد لها شرعًا ولم تُسبق بأداءٍ مختلٍّ أو ناقص"،[١٣] ومنه قضاء الصيام وهو: "‏أداؤه في وقتٍ غير وقته المفروض؛ أي في أيّام غير أيّام الصوم"،[١٤]‏ ومن القضايا المهمّة المتعلقة بحكم تناول حبوب منع الدورة الشهرية في رمضان قضيّة حكم قضاء الحائض للصيام، والحكم في هذه المسألة هو الوجوب؛ عن معاذة قالت: "سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلتُ: ما بَالُ الحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ، ولَا تَقْضِي الصَّلَاةَ. فَقالَتْ: أحَرُورِيَّةٌ أنْتِ؟ قُلتُ: لَسْتُ بحَرُورِيَّةٍ، ولَكِنِّي أسْأَلُ. قالَتْ: كانَ يُصِيبُنَا ذلكَ، فَنُؤْمَرُ بقَضَاءِ الصَّوْمِ، ولَا نُؤْمَرُ بقَضَاءِ الصَّلَاةِ"،[١٥] كما نقل ابن المنذر الإجماع على وجوب قضاء الصوم،[١٦] وقد تصوم بعض النساء في أيّام الحيض جهلًا فمن الواجب معرفته أنّ الحائض لا يجوز لها الصيام لأنّ الطهارة من الحيض هي شرط لصحة الصوم،[١٧] أمّا من كانت تجهل وجوب قضاء صيام الأيّام التي أفطرتها في شهر رمضان فإنّ جهلها هذا لا يُسقط عنها الحكم ويبقى قضاء هذه الأيّام في ذمتها وإن مضت عليها السنوات وهي لا تعلم بوجوب القضاء؛ فمتى علمت قضت ما عليها من الصيام ولا فدية عليها؛ على الراجح من أقوال أهل العلم.[١٨]

المراجع[+]

  1. سورة البقرة، آية: 222.
  2. "تعريف و معنى الحيض في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 25-03-2020.
  3. ^ أ ب &quot "أسئلة الصيام الطبية"، www.aliftaa.jo، اطّلع عليه بتاريخ 25-03-2020. بتصرّف.
  4. "كتاب فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 25-03-2020. بتصرّف.
  5. "كتاب فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 25-03-2020. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت "كتاب تيسير أحكام الحيض"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 25-03-2020. بتصرّف.
  7. رواه ابن الملقن، في غاية المأمول، الصفحة أو الرقم: 81، حديث لا أصل له هكذا.
  8. "البوابة الحديثية"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-03-2020. بتصرّف.
  9. "كتاب تيسير أحكام الحيض"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 25-03-2020. بتصرّف.
  10. "كتاب الموسوعة الفقهية - الدرر السنية"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 25-03-2020. بتصرّف.
  11. ^ أ ب ت ث ج "كتاب تيسير أحكام الحيض"، www.al-maktaba.org. اطّلع عليه بتاريخ 25-03-2020. بتصرّف.
  12. "كتاب شرح سنن النسائي - الراجحي"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 25-03-2020. بتصرّف.
  13. "كتاب موسوعة القواعد الفقهية"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 25-03-2020. بتصرّف.
  14. "تعريف و معنى قضاء الصيام في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 25-03-2020. بتصرّف.
  15. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 335 ، حديث صحيح.
  16. "كتاب موسوعة أحكام الطهارة"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 25-03-2020. بتصرّف.
  17. "كتاب فتاوى يسألونك"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 25-03-2020. بتصرّف.
  18. "كتاب فتاوى يسألونك"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 25-03-2020. بتصرّف.