مسائل في الصيام في ضوء المذاهب الأ

بواسطة:

مفهوم الصيام

كلمة الصيام -أو الصوم- مأخوذة في اللغة من الجذر صوم، والصيام في اللغة معناه الإمساك عن الطعام والشراب والنكاح والكلام، فيقولون هو صائم وهو صام ويصوم والمصدر صومًا وصيامًا، وكلمة الصوم في الآية القرآنية في سورة مريم: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا}،[١] قيل معناه الصّمت، ويُساند هذا المعنى ما تلاها في قوله تعالى: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا}،[٢] وفي الحديث الذي يرويه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عن ربّه عزّ وجلّ: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له إلَّا الصَّوْمَ، فإنَّه لي وأنا جْزِي به"؛[٣] ذلك أنّ الصيام لا رياء ولا نفاق فيه؛ إذ محلّه القلب والنيّة الصّادقة،[٤] وأمّا من حيث الاصطلاح الشرعي فهو الإمساك عن المفطرات بنيّة مخصوصة وفي زمان معيّن؛ وهو منذ طلوع الفجر الصادق أو الفجر الثاني إلى غروب الشمس، وهو فرض على المسلم البالغ العاقل عدا الحائض والنفساء، وسيقف المقال هذا مع مسائل في الصيام في ضوء المذاهب الأربعة لأهل السنة والجماعة.[٥]

مسائل في الصيام في ضوء المذاهب الأربعة

سيقف المقال فيما يأتي مع مسائل في الصيام في ضوء المذاهب الأربعة وهي عشر مسائل منتقاة من مسائل كثيرة في الصيام حصل فيها خلاف بين المذاهب الأربعة الإسلاميّة عند أحمد بن حنبل -رضي الله عنه- للآية الكريمة التي تقول: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}،[٦] وللحديث الذي رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إذ قال: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ"[٧] وأيضًا لأنّ الرّائي قد تيقّن من دخول رمضان كما لو كان الحاكم قد قضى بذلك، وفي رواية أخرى عن الإمام أحمد أنّه قال: إنّه لا ينبغي الصيام إلّا في جماعة من الناس، وفي قول عند المالكيّة أنّه إن أفطر فعليه القضاء، وأمّا إن أفطر جاهلًا وظنّ أنّه كغيره من الناس فهنا فيها قولان: الأوّل أنّه تجب عليه الكفّارة؛ لأنّه ليس بعد العيان بيان، والثاني أنّه لا تجب عليه الكفّارة كونه ليس ثمّة صيام على غيره، وأمّا الحنفيّة فيرَون أنّه يقضي ولا كفّارة عليه؛ لأنّه عندما رُدّت شهادته صار مُكذّبًا شرعًا، وكذلك لو أفطر قبل أن تُردّ شهادته فلا كفارة عليه على الأصح، هذا باختصار ما يجب في المسألة الأولى من عدّة مسائل في الصيام في ضوء المذاهب الأربعة، والله أعلم.[٨]

الجنون والإغماء بعد النية

المسألة الثانية من عدة مسائل في الصيام في ضوء المذاهب الأربعة هي مسألة الجنون والإغماء بعد نية الصيام، وأضاف إليها الفقهاء مسألة السّكر، ولكن سيضرب المقال صفحًا عن مسألة السّكر ويلتفت إلى مسألة الجنون والإغماء، فقد انقسمت هذه المسألة إلى قسمين عند الفقهاء، الأولى إذا لم يُفِقْ من ألمّت به هذا الحال إلّا بعد غروب الشمس، والمسألة الثانية إذا أفاق في أثناء النهار، وفيما يأتي تفصيل المسألتين المتفرّقتين عن مسألة من عدة مسائل في الصيام في ضوء المذاهب الأربعة يقف عليها هذا المقال:[٩]

  • إذا لم يُفِق قبل الغروب: ففي هذه الحال رأى الجمهور من الشافعيّة والحنابلة والمالكيّة إلى عدم صحّة ذلك الصّوم؛ لأنّ الصيام هو الإمساك مع النية؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم فيما يرويه عن ربّه: "إلَّا الصِّيامَ فإنَّهُ لي، وأَنا أجزي بِهِ؛ يدَعُ شَهْوتَهُ وطعامَهُ مِن أَجلي"؛[١٠] فإنّ الله -تعالى- قد أضاف ترك الطعام والشراب إليه، والمجنون أو المغمى لا يصح أن يُنسب الإمساك إليه؛ فلذلك لم يُجزئه، وأمّا الحنفيّة فقد ذهبوا إلى صحّة الصيام؛ لانّ النيّة قد صحّت، وزوال الاستشعار بعدها لا ينقض الصيام، فهو كالنوم.
  • إذا أفاق قبل الغروب: إذا أفاق المُغمى قبل الغروب ففي ذلك ثلاثة أقوال: الأوّل عند الأحناف أنّ يُجدّد النيّة ويتابع صيامه، والثاني هو قول المالكيّة الذين ذهبوا إلى بُطلان صيامه، وأمّا الثالث فهو قول الشافعيّة والحنابلة وهو أنّه إذا أفاق في أيّ وقت من النهار فإنّ صيامه صحيح سواء كان أوّل النهار أم آخره، ومن مندوحة القول إنّ الشافعيّة قد فرّقوا بين الجنون والإغماء، ولهم في المجنون قولان: الأوّل أنّه يبطل صومه، والثاني أنّ حكمه كحكم المغمى عليه، وهذا باختصار القول في مسألة من عدة مسائل في الصيام في ضوء المذاهب الأربعة وهي مسألة حكم المغمى عليه والمجنون في نهار رمضان بعد أن نوى، والله أعلم.

الإرهاق من الجوع والعطش

المسألة الجديدة من عدّة مسائل في الصيام في ضوء المذاهب الأربعة هي مسألة الإرهاق الشديد بسبب الجوع أو العطش، فهذه المسألة قد تحدّث فيها علماء المذاهب الأربعة والجمهور على أنّه يفطر ويقضي، وقد قيّده الأحناف بقيدَين: الأوّل أن يخشى الهلاك على نفسه بغلبة الظن لا بالوهم، أو أن يخاف على نفسه أن يتلف عضو أو حاسة من حواسه أو أن يذهب عقله، والثاني ألّا يكون ذلك الإرهاق قد جاء من إتعاب المرء لنفسه عمدًا، فإن كان ذلك فإنّ الكفّارة تلزمه، وقال بعض الأحناف أنّها لا تلزمه، وأمّا المالكيّة فقالوا إن خشي الصّائم المرهق إرهاقًا شديدًا على نفسه فإنّه يحرُم عليه الصيام؛ لانّ حفظ النفس واجب، وقد ألحق الفقهاء في هذا الباب صيام أصحاب المهن الشاقة وكذا الجنود على الثغور، وفي المسألتين تفاصيل تُنظر في مظانّها.[١١]

الإكراه على الفطر

مسألة الإكراه على الفطر من عدة مسائل في الصيام في ضوء المذاهب الأربعة يتوقّف عندها هذا المقال، ففي المسألة أقوال عند علماء المذاهب الأربعة، فمذهب الحنفيّة والمالكيّة أنّ من أفطر مُكرهًا يقضي، فقالوا إذا أُكره على الإفطار بالقتل وهو مقيم في بلاده وصحيح ولا يشكو مرضًا فيُرخّص له بالفطر، ولكن الأفضل أن يبقى على صيامه ولو قتل؛ فهو بذلك شهيدٌ إن شاء الله، وأمّا إن كان المُكره مسافرًا أو مريضًا فالأفضل له الإفطار، ولو امتنع وقُتِلَ فهو آثم، وأمّا الشافعية ففصّلوا في المسألة بين الإكراه على الوطء أو الإكراه على الأكل والشرب، فلو أُكره على الأكل والشرب فإنّه يتابع صيامه وصيامه صحيح، أمّا لو أُكره على الوطء زِنًا فإنّه يفطر؛ لأنّ الزّنا لا يُباح بالإكراه، بخلاف وطء الزوجة، وذهب بعض علماء الشافعية إلى أنّ الإكراه على الأكل والشرب ووطء الزوجة لا يفطر مطلقًا ولا يقضي، وإنّما يفطر بالوطء زنًا ويقضي عند بعضهم، واختار هذا الوجه الأخير -أي عدم الفطر بالإكراه على الأكل والشرب والوطء ما عدا الزنا- الفقهاء الحنابلة، والله أعلم، والمسألة القادمة من عدة مسائل في الصيام في ضوء المذاهب الأربعة ستكون عن الجماع عمدًا.[١٢]

الجماع بالعمد

لقد ذهب جمهور العلماء في هذه المسألة المختارة من عدة مسائل في الصيام في ضوء المذاهب الأربعة إلى أنّ الذي يُجامِعُ عامدًا فيجب عليه القضاء والكفّارة، ولكنّ الشّافعيّة رأوا -في أحد أقوالهم- أنّ القضاء لا يجب عليه إذ الخلل قد جُبِرَ بالكفّارة، وأمّا الحنابلة فقد رأوا أنّ الذي يُجامع سواء كان عامدًا أم ساهيًا، مُختارًا أو مُكرهًا، جاهلًا أم خاطئًا فتجب عليه الكفّارة والقضاء، ودليلهم الحديث الذي رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- إذ قال: بينما نحنُ جلوسٌ عندَ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- إذ جاءه رجلٌ فقال: يا رسولَ اللهِ، هلَكْتُ، قال: "وما لك"؟ قال: وقَعْتُ على امرأتي وأنا صائمٌ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "هل تجِدُ رقبةً تُعتِقُها"؟ قال: لا، قال: "فهل تستطيعُ أنْ تصومَ شهرينِ مُتتابعينِ"؟ قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، قال: "هل تجِدُ إطعامَ ستِّينَ مسكينًا"؟ قال: لا يا رسولَ اللهِ، قال: فسكَت رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال أبو هُرَيرة: بَيْنا نحنُ على ذلك أُتي رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- بعَرَقٍ فيه تمرٌ -والعَرَقُ: المِكتَلُ- فقال: "أينَ السَّائلُ آنفًا خُذْ هذا التَّمرَ فتصدَّقْ به"، فقال الرَّجلُ: على أفقرَ مِن أهلي يا رسولَ اللهِ، واللهِ ما بينَ لابَتَيْها -يُريدُ الحَرَّتينِ- أهلُ بيتٍ أفقرُ مِن أهلِ بيتي، قال: فضحِك رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- حتَّى بدَتْ أنيابُه ثمَّ قال: "أطعِمْه أهلَك".[١٣]

وأمّا المرأة فإنّها تفطر بالجماع، ولكنّ الخلاف حول وجوب الكفّارة عليها، فمذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي ورواية عند الإمام أحمد -وهو مذهب الحنابلة أنّ عليها كفّارة، وفي قول للإمام الشافعي -وهو الأصح- أنّه لا تجب عليها الكفّارة؛ لأنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أمر الرجل بالكفارة في الحديث السابق ولم يأمر المرأة بشيء، وهذه أيضًا إحدى الروايات عن الإمام أحمد، وفي قول آخر للشافعيّة أنّ الكفّارة تجب على المرأة ويحملها الرجل، وقال ابن عقيل من أئمة الحنابلة أنّ المرأة إن أُكرهت على الجماع ومكّنت الرجل من نفسها فعليها الكفّارة، أمّا لو غُصِبَت أو أُتيت وهي نائمة فلا كفّارة عليها، والله أعلم.[١٤]

التقيؤ

المسألة السادسة من عدة مسائل في الصيام في ضوء المذاهب الأربعة هي مسألة التقيؤ، وقد فرّق الفقهاء بين القيء الذي يخرج من دون قصد من المرء وبين الاستقاءة وهي إخراج القيء عمدًا، فالفقهاء لم يختلفوا في عدم إفطار من ذرعه القيء سواء كان قليلًا أم كثيرًا ملء الفم؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: "مَنْ ذرعَه القيءُ فليسَ عليهِ قضاءٌ، ومَنْ استقاءَ عمدًا فليقضِ"،[١٥] أمّا في حال عاد القيء بنفسه إلى الجوف من بغير فعل الصائم فهو لا يفطر على الصحيح من مذهب الحنفية، وأمّا لو أعاده بنفسه ولو كان مقدار حِمَّصَةٍ فإنّه يفطر باتّفاق الحنفيّة، وأمّا المالكيّة فعندهم القيء لو عاد بنفسه أو بجهد من الصائم قليلًا كان أم كثيرًا فإنّه يفطر وإن كان الرجل ساهيًا أو ناسيًا وعليه القضاء، وأمّا الحنابلة فعندهم لو عاد القيء بنفسه فإنّ الصّائم لا يفطر، وأمّا لو أعاده بنفسه فإنّه يفطر، وأمّا الاستقاءة فهي مفطرة موجبة للقضاء عند الجمهور من الحنابلة والشافعيّة والمالكيّة، مع الاختلاف في الكفّارة، وأمّا الحنفيّة فلهم تفصيل في ذلك؛ فإن أخرَجَ الصائم ما في جوفه عمدًا والصائم متذكرٌ لصيامه غير ناسٍ وكان القيء ملء فيه؛ فهو مفطر وعليه القضاء لدلالة الحديث السابق، وأمّا إن كان القيء لم يملأ الفم ففيه وجهين عند الأحناف فمنهم من قال يفطر، ومنهم من قال لا يفطر لعدم الخروج حكمًا، ونصّ الحنفيّة على أنّ هذه الأحكام في حال كان الذي خرج قيئًا معروفًا من الطعام، أمّا إن كان بلغمًا فهو لا يفسد الصوم عند الإمام أبي حنيفة وبعض تلاميذه، وهذا باختصار ما يمكن الحديث عنه عن مسألة التقيؤ وهي مسألة من عدة مسائل في الصيام في ضوء المذاهب الأربعة يتحدث عنها هذا المقال.[١٦]

قضاء رمضان

المسألة السابعة المختارة من عدة مسائل في الصيام في ضوء المذاهب الأربعة هي مسألة قضاء رمضان؛ فقد ذهب الفقهاء إلى أنّ الذي يفطر أيّامًا من رمضان كالمريض والمسافر فإنّه يقضي أيّامًا بعدد الأيّام التي أفطرها لقوله تعالى في سورة البقرة: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}،[١٧] وأمّا من أفطر كلّ رمضان فإنّه يصوم شهرًا، وقال بعض المالكيّة إنّه إن أفطر رمضان وكان ثلاثين يومًا فإنّه يصوم شهرًا كاملًا، فإن كان شهر القضاء تسعةً وعشرين يومًا لزمه أن يصوم يومًا آخر، وإن كان رمضان تسعة وعشرين يومًا وكان شهر القضاء ثلاثين فإنّه لا يلزمه صيام اليوم الأخير، وذهب علماء آخرون من المالكيّة إلى أنّه يصوم شهرًا بالهلال؛ فلو كان أفطر رمضان كلّه وكان ثلاثين يومًا وصام شهرًا كاملًا وكان الشهر تسعة وعشرين يومًا فذلك يكفيه، وأمّا أتباع المذهب الحنبلي فقالوا -وهو ظاهر كلام الإمام أحمد- إن قضى شهرًا هلاليًّا فإنّ ذلك يكفيه سواء كان الشهر ثلاثين أو تسعة وعشرين يومًا، وأمّا إن قضى بأيام متفرقة فعليه صيام ثلاثين يومًا، ويجوز للصائم أن يقضي يومًا صيفيًّا عن يوم شتائي والعكس كذلك، وللصائم الحريّة في قضاء رمضان في أيّ وقت، متتابع أم متفرّق، ولكن قيّد الجمهور ذلك بعدم مجيء رمضان؛ لقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "كانَ يَكونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِن رَمَضَانَ، فَما أسْتَطِيعُ أنْ أقْضِيَ إلَّا في شَعْبَانَ" قَالَ يَحْيَى: "الشُّغْلُ مِنَ النبيِّ أوْ بالنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ".[١٨]

فإن أخّره إلى رمضان الآخر فهو آثم عند الجمهور، وعليه الفدية عن كلّ يوم إطعام مسكين وذلك قول عدد من الصحابة كابن عباس وابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم جميعًا، وأمّا الأحناف فتراخي وقت الصوم على إطلاقه؛ فليس شرطًا أن يصوم الأيّام التي عليه قبل مجيء رمضان، ولو جاء رمضان ولم يقضِ أيّام الصوم الماضية فيقضيها بعد رمضان ولا فدية عليه؛ لإطلاق قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}،[١٩] وعند غير الحنفية فإنّه لا يصحّ صيام التطوّع قبل أداء الفرض، بل إنّ ذلك محرّمًا، حتى لو كان نذرًا فإنّه يصومه بعض قضاء الفرض، والله أعلم، والمسألة المختارة القادمة من عدة مسائل في الصيام في ضوء المذاهب الأربعة هي مسألة النية في صيام التطوّع.[٢٠]

النية في صيام التطوع

المسألة الثامنة المختارة في هذا المقال من عدة مسائل في الصيام في ضوء المذاهب الأربعة هي مسألة النية في صيام التطوع، فقد ذهب الجمهور من الأحناف والشافعية والحنابلة إلى أنّه لا يشترط تبييت النية في صيام التطوع لحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: دخلَ عليَّ رسول الله -صلَّى الله عليْهِ وسلَّمَ- ذاتَ يومٍ فقال: "هل عندَكُم شيءٌ"؟ قُلنا: لا، قال: "فإنِّي صائمٌ"،[٢١] وأمّا المالكيّة فقد ذهبوا إلى أنّه يجب تبييت النية لقوله صلّى الله عليه وسلّم: "مَن لم يُبيِّتِ الصِّيامَ من اللَّيلِ فلا صيامَ لَهُ"،[٢٢] ولكنّ الجمهور اختلفوا في آخر وقت للنيّة في صيام التطرع؛ فذهب المذهب الحنفيّ إلى أنّ آخر وقت لنية التطوع هو قبل الضحوة الكبرى، وهي منتصف النهار الشرعي الذي هو "مِنِ اسْتِطَارَةِ الضَّوْءِ فِي أُفُقِ الْمَشْرِقِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ"، وأمّا الشافعيّة فقد ذهبوا إلى أنّ آخر وقت لنية التطوع هو قبل الزوال، ومذهب الحنابلة إلى أنّ وقت نية التطوع يمتد إلى ما بعد الزوال، وهو قول عدد من الصحابة كمعاذ بن جبل وابن مسعود وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهم أجمعين، ولم يُنقل عن أحد من الصحابة ما يخالف هذا الكلام، والله أعلم، ويتنقل المقال بعد هذه المسألة إلى المسألة ما قبل الأخيرة من مسائل في الصيام في ضوء المذاهب الأربعة وهي إفساد نية التطوع.[٢٣]

إفساد صيام التطوع

وأمَّا المسألة التاسعة التي ستُطرح في هذا المقال هي مسألة إفساد صيام التَّطوع، وقد قال المالكية بحرمة الإفطار في صيام التطوّع وهذا ما ذهب إليه الحنفية ويُفهم من كلامهم، وأمَّا الشافعية والحنابلة فقد مالوا إلى كراهة الإفطار من غير عذر دون تحريم واستندوا في ذلك إلى قوله تعالى: {وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}،[٢٤] ومع ذلك فقد التمس الحنفية والمالكية بعض الأعذار لجواز الفطر مثل أن يُحلف على الصائم بطلاق امرأته إن هو لم يُفطر،[٢٥] واستحبَّ الشافعية الإفطار في صوم التطوع إذا كان عند الصائم ضيف يريد مساعدته في الأكل وعز عليه امتناع مضيفه من الأكل عنده، وفي ذلك اختصارٌ للعديد من تفاصيل الأعذار التي اختلف فيها العلماء، والله هو أعلى وأعلم.[٢٦]

الحمل والرضاع

وأما المسألة العاشرة والأخيرة المختارة في مسائل في الصيام في ضوء المذاهب الأربعة فهي مسألة الإفطار لعذر الحمل والإرضاع، وقد اتفق علماء المذاهب الأربعة في جواز إفطار الحامل أو المرضع إن خافتا على نفسيهما أو على الولد من الأذى الشديد أو الهلاك، وتفرد الدّردير -وهو من علماء المالكيّة- في قوله بوجب فطرهما إن خافتا الهلاك، وجوازه إن خافتا الأذية والمرض، وأما الحنابلة فقد كرهوا صومهما، ويكون حكمهما كحكم المريض واستندوا في ذلك إلى قوله تعالى في: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[٢٧] وفي ذلك إضاءة على حكم الصيام لكلٍ من الحامل والمرضع والله هو أعلى وأعلم.[٢٨]

المراجع[+]

  1. سورة مريم، آية: 26.
  2. سورة مريم، آية: 26.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 5927، صحيح.
  4. "الصوم"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 29-03-2020. بتصرّف.
  5. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة 4)، دمشق: دار الفكر، صفحة 1616، جزء 3. بتصرّف.
  6. سورة البقرة، آية: 185.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1909، حديث صحيح.
  8. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة 1)، مصر: مطابع دار الصفوة، صفحة 18، جزء 28. بتصرّف.
  9. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: مطابع دار الصفوة، صفحة 27، جزء 28. بتصرّف.
  10. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2214، حديث صحيح.
  11. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 56، جزء 28. بتصرّف.
  12. مجمووعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 57. بتصرّف.
  13. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3529، أخرج ابن حبان هذا الحديث في صحيحه.
  14. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 59، جزء 28. بتصرّف.
  15. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 720، حديث صحيح.
  16. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 66، جزء 28. بتصرّف.
  17. سورة البقرة، آية: 184.
  18. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1950، حديث صحيح.
  19. سورة البقرة، آية: 184.
  20. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: مطابع دار الصفوة، صفحة 75، جزء 28. بتصرّف.
  21. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2326، حديثٌ حسنٌ صحيح.
  22. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن حفصة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2333، حديث صحيح.
  23. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: مطابع دار الصفوة، صفحة 87، جزء 28. بتصرّف.
  24. سورة محمد، آية: 33.
  25. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: مطابع دار الصفوة، صفحة 97، جزء 28. بتصرّف.
  26. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: مطابع دار الصفوة، صفحة 98، جزء 28. بتصرّف.
  27. سورة البقرة، آية: 185.
  28. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: مطابع دار الصفوة، صفحة 54، جزء 28. بتصرّف.

مواضيع ذات صلة بـ

صحة قصة مالك بن دينار وابنته

مالك بن دينار مالك بن دينار هو أبو بو يحيى مالك بن دينار البصري، تابعيٌّ من التابعين، ولد مالك بن دينار في الفترة التي عاش فيها عبد الل

عشبة-العلندة-لعلاج-الدوالي

تعتبر عشبة العلندة من النباتات المفيدة، و التي تستخدم في علاج الكثير من الأمراض، مثل مرض الدوالي الذي هو عبارة عن توسع و تضخم و التفا

معلومات-عن-كتاب-تفسير-الطبري

ابن جرير الطبري هو أبو جعفر محمد بن جرير الطبري إمام المفسرين وشيخهم، ولد عام 224هـ في طبرستان وتشير بعض الروايات إلى أنّ أصوله من اليم

تفسير رؤية لبس اسود في الحلم

محتويات 1 ما تفسير حلم لبس الاسود في المنام للعلامة ابن سيرين : 2 ما تفسير حلم لبس الاسود للحامل : 3 ما تفسير حلم لبس الاسود للمتزوجة : 4 م

كيفية-زراعة-حبة-البركة

. حبة البركة . ظروف زراعة حبة البركة . كيفية زراعة حبة البركة . العناية بحبة البركة . الآثار الجانبية لاستخدام حبة البركة حبة البركة تعر

كيفية-صلاة-التوبة

. مفهوم التوبة . كيفية صلاة التوبة . توبة داود عليه السلام . توبة آدم عليه السلام . أحاديث صحيحة عن التوبة . فيديو عن كيفية صلاة التوبة مف