سؤال وجواب

أحكام نية شهر رمضان


مفهوم النية

عند الحديث عن أيّ مفهوم له جذور في اللغة العربيّة فإنّه ينبغي الوقوف معه من جهة اللغة ثمّ من جهة الاصطلاح في المكان الذي يُستعمل فيه، وكذا كلمة النية؛ إذ الوقوف على مفهوم النية يبدأ من الوقوف مع تعريف النية؛ لكي يكون بعد ذلك الحديث عن أحكام نية شهر رمضان مفهومًا قدر المستطاع، والنية في اللغة هي القصد على فعل أمر ما واعتقاده؛ أي: اعتقاد فعله،[١] وهي كذلك عزم القلب على فعل ذلك الشيء، وكثيرًا ما قرنها أهل اللغة بالعزم، فيجعلونها هي والعزم شيئًا واحدًا، وأمّا من جهة اصطلاح الشريعة الإسلاميّة فالنية هي عزم القلب على فعل أمر ما سواء كان فرضًا أم نفلًا، وهي كذلك الإرادة المتعلقة بفعل أمرٍ ما في المستقبل أو في الوقت الحالي؛ فهي إذًا أيّ فعل صدر عن عاقل سواء كان عادةً أم عبادة، وفيما يأتي من فِقراتٍ يقفُ المقالُ مع أحكام نية شهر رمضان المبارك إن شاء الله تعالى.[٢]

أحكام نية شهر رمضان

إنّ العبادات دائمًا ما ترتبط بركن مهمّ لقبولها ولصحّتها وهو ركن النية؛ فالنية هي العزم على فعل الأمر، وبالتالي لو وقع هذا العمل بلا نية فهو فعل ناقص لأنّه جاء عن غير قصد، والنية في الصيام المفروض هي واحدة من ركنين رئيسين فيه، ومن دونها لا يُعد الصيام صحيحًا، وفيما يأتي يقف المقال في عدّة فِقرات مع أحكام نية شهر رمضان المبارك.[٣]

تبييت النية

يبدأ المقال في هذه الفقرة بسرد بعض أحكام نية شهر رمضان ليكون مرجعًا لمن يبحث عن الإجابة الشافية حول موضوع النية في شهر رمضان المبارك، ومن أحكام نية شهر رمضان المبارك هو حكم التبييت؛ أي: تبييت النية، وكما مرّ آنفًا فالنية في الصيام هي ركنٌ ولا يصحّ الصيام الفرض من دونها، وتبييت نية صيام رمضان هو عقد العزم على صيام اليوم التالي من أيّام رمضان واستحضار النيّة قبل طلوع الفجر، وذهب جماعة من أهل العلم إلى أنّه يجب أن يُبيّت المسلم النية قبل كلّ يوم؛ لأنّ كلّ يوم هو عبادة مستقلّة عن الأخرى، ودليلهم الحديث الصحيح الذي ترويه أمّ المؤمنين حفصة -رضي الله عنها- والذي يقول فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "مَن لم يبيِّتِ الصِّيامَ قبلَ الفجرِ فلا صيامَ لَهُ"،[٤] والله أعلم.[٥]

تعيين النية

بعد الحديث عن حكم من أحكام نية شهر رمضان وهي تبييت النية ينتقل المقال للحديث عن حكم آخر من أحكام نية شهر رمضان وهو تعيين النية؛ فتعيين النية يعني أنّ يُستَحضر في نية الصيام الواجب جنس الصيام الذي ينويه؛ بمعنى أن ينوي جنس الصيام كأن ينوي لصيام فرض رمضان أو قضاء رمضان أو كفّارة أو نذر، والحكمة من ذلك أنّ الصيام عبادة مُضافٌ إليها وقت، فوجب على المسلم تعيين جنس الصيام قياسًا على تعيين نية الصلاة في الأوقات المُعيّنة لها، ولا يُشترط في النية أن تُحدّد نوع الصيام كأن يقول المسلم نويتُ صيام يوم غد من رمضان لهذا العام، أو أن يحدّد نوع الكفّارة إن كانت كفّارة يمين أو كفّارة ظِهار ونحو ذلك، وهذا باختصار ما يمكن قوله عن تعيين النية وهو من أحكام نية شهر رمضان.[٥]

تعليق النية

المسألة الثالثة التي سيقف معها المقال في الحديث عن نية شهر رمضان هي مسألة تعليق النية، فبعد الوقوف على تعيين النية وهي حكم من أحكام نية شهر رمضان المبارك؛ إذ إنّ مسألة تعليق النية يُقصد بها قول عبارة "إن شاء الله تعالى" بعد أن ينوي، وفي هذه المسألة تفاصيل لا بدّ من الإحاطة بها لتصل الفِقرة إلى هدفها وهو الفهم العام لهذه المسألة، ومن تلك التفاصيل:[٥]

  • إذا علّق المسلم صيام اليوم التالي بمشيئة الله تعالى -أي أن يقول نويتُ صيام يوم غد إن شاء الله تعالى- فإنّ نيّته غير صحيحة؛ لأنّ من شروط النية الصحيحة أن تكون مُنجزةً وهو ما ينافيه التعليق، وأمّا إن قصد التبرّك بقول إن شاء الله تعالى مع وجود الإنجاز والعزم بالنية فنيّته صحيحة.
  • وكذا لو قال المسلم ليلة الثلاثين من شعبان -يعني اليوم التاسع والعشرين ليلًا- نويتُ صيام يوم غد إن كان هو اليوم الأوّل من رمضان من دون يقين أو من دون أن يغلب على ظنه أنّ غدًا هو أوّل أيّام رمضان فإنّ نيّته غير صحيحة لأنّه لم يجزم بها، أمّا لو كان قد قالها وهو يغلب على ظنّه أنّ غدًا هو الأوّل من رمضان كأن يخبره أحدٌ يعتقد صدقه فإنّ نيّته إذ ذاك صحيحة.
  • لو قال ليلة الثلاثين من رمضان نويتُ صيام يوم غد إن كان من شهر رمضان فإنّ نيّته صحيحة إن كان اليوم التالي هو المتمم لشهر رمضان؛ لأنّ الأصل هو أن يبقى رمضان، والله أعلم.

ما يقطع النية وما لا يقطعها

إنّ ما يقطع النية وما لا يقطعها هي من المسائل التي يتساءل الناس عنها كثيرًا مع دخول شهر رمضان، فبعد أن وقف المقال على بعض أحكام نية شهر رمضان يقف المقال في هذه المسألة مع حكم جديد من أحكام نية شهر رمضان وهو الأمور التي قد تقطع النية وبالتالي سيتوجب على المرء تجديدها، وأيضًا الأمور التي قد يظنها الصائم تقطع النية وهي حقيقة لا تقطعها، ومن تلك الأمور التي ستتوقّف معها هذه الفقرة:[٥]

  • إذا أكل الصائم أو شرب أو جامع أو فعل أيًّا من المفطرات قبل الفجر الثاني فإنّ ذلك لا يقطع نية الصيام لأنّ وقت الصيام لم يبدأ بعد، ولكن يُستحبّ له تجديد النية خروجًا من خلاف الفقهاء.
  • إذا نام المسلم بعد أن نوى الصيام ثم استيقظ قبل الفجر فإنّ ذلك لا يقطع نيّته ولكن يُستحبّ له أن يجدّدها خروجًا من الخلاف.
  • إذا ارتدّ المسلم بعد أن نوى الصيام كأن يسب الدين أو يفعل شيئًا من المكفّرات ثمّ أعلن التوبة ورجع إلى الملّة فإنّه يلزمه تجديد النية.
  • إذا نوى المسلم صيام يومٍ قضاء عن يوم من أيّام رمضان ثمّ قبل الفجر رفض نيّته؛ أي تراجع عنها ونوى صيامًا عن أمر آخر كصيام عن كفّارة أو نذر فإنّه يلزمه تجديد النية، أمّا لو خطر بباله هذا الخاطر بعد الفجر فهذا لا يضرّ نيته.

متى تجب نية الصيام

بعد أن وقف المقال في الفقرة السابقة مع ما يقطع النية وما لا يقطعها فإنّه يستمر في سرد أحكام نية شهر رمضان ليصل إلى وقت وجوب نية الصيام، ففي أيّ وقت تجب نية الصيام، وقد ذهب الفقهاء إلى أنّ نية الصيام تكون ليلًا قبل الفجر الثاني وعندهم في ذلك أدلّة كثيرة منها حديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الذي يقول فيه: "مَن لم يبيِّتِ الصِّيامَ قبلَ الفجرِ فلا صيامَ لَهُ"؛[٦] فإنّ هذا الحديث يُبيّن على نحوٍ جليٍّ أنّ آخر وقت للنيّة هو قبل الفجر، وفي حديث آخر يقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فيما ترويه عنه أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّه قال: "مَنْ لمْ يُبَيِّتْ الصيامَ قبْلَ طُلوعِ الفجْرِ ، فلَا صِيامَ لهُ"،[٧] وفي هذا الحديث تحديدٌ على نحو أبين وأوضح لزمان النية وهو قبل طلوع الفجر، وفي رواية ثالثة للحديث يقول صلّى الله عليه وسلّم: "لا صِيامَ لِمَنْ لمْ يَفْرِضْهُ من الليْلِ"،[٨] وهنا يُضبط الوقت بالليل، فبداية تبييت النية تكون ليلًا إلى ما قبل طلوع الفجر الثاني حسب ما يُفهم من ظاهر الأحاديث، وأخيرًا ثمّة قول لعبد الله بن عمر بن الخطّاب -رضي الله عنهما- يقول فيه: "إذا لم يُجمِع الرجلُ الصومَ من الليلِ فلا يصُمْ"،[٩] وفي ذلك تبيين شافٍ لمن يسأل عن وقت وجوب نية الصيام إن شاء الله، ويقف مقال أحكام نية شهر رمضان في الفقرة الماضية مع السحور وهل يكفي عن النيّة ويسد مسدّها.[١٠]

هل يكفي السحور عن النية

بعد الوقوف مع عدد من أحكام نية شهر رمضان المبارك يصل المقال إلى القسم ما قبل الأخير من أحكام نية شهر رمضان التي يتعرّض لها هذا المقال، وهي مسألة أبو أيوب الأنصاري في صحيح مسلم بن الحجّاج النّيسابوريّ الذي يقول فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "مَن صامَ رَمَضانَ ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتًّا مِن شَوَّالٍ كانَ كَصِيامِ الدَّهْرِ"،[١١] وهناك مسألة في هذه الأيّام يسأل عنها المسلمون وهي جواز صيام أيّام قضاء رمضان -لمن كان عليه قضاء بعض الأيّام من الشّهر الكريم- في أيّام شوّال الستّة؛ إذ ظاهر الحديث أنّه يدعو لإشغال هذه الأيّام من شهر شوال بالصيام على الإطلاق ولم يحدّد جنس الصيام إن كان قضاء أو نافلة أو كفّارة أو نذرًا، والقول الأرجح في هذه المسألة هو أنّ الذي قد جمع في نيّته صيام ستّة شوّال وصيام القضاء فإنّه يُرتجى له أن يحصّل أجر السنّة وقضاؤه صحيح، وهذه المسألة من المسائل التي قد حصل فيها خلاف بين الفقهاء وإجازة هذه المسألة هي رأي كثير من العلماء ولكنّ الأحوط للمسلم أن يصوم كلًّا على حدة للخروج من الخلاف؛ إذ بذلك يكون قد تحقّ للمرء أداء الصيامين من دون أن يدخل في صدره أنّ هنالك من العلماء من لم يُجِز المسألة، ففي هذه الحال يكون قد سَلِم بصومه من خلاف الفقهاء، والله أعلم، وبذلك ينتهي الحديث عن أحكام نية شهر رمضان ليصل المقال في الفقرة القادمة إلى نهاية المقال مع آخر فقراته وهي الحكمة من مشروعيّة النيّة.[٥]

الحكمة من مشروعية النية

يصل مقال أحكام نية شهر رمضان إلى المحطة الأخيرة وهي الفقرة التي تكون ختام المقال وتتحدّث عن الحكمة في مشروعيّة النية؛ إذ لا شيء في هذا الكون قد خلقه الله -سبحانه- من دون حكمة من وراء هذا الخلق، وكذلك الأمور المعنويّة ثمّة حكمة عظيمة من وراء إيجادها في هذا العالم، ومن ذلك النية التي محلّها قلب الإنسان، فلكلّ شيء حكمة كما سلف والنيّة لا بدّ أنّ من ورائها حكمة بالغة يعلمها الله تعالى، ومن التفسيرات التي تتحدّث عن الحكمة في مشروعيّة النية أنّ وجود النيّة هو ما يميز العادة عن العبادة، فيبان عندها ما كان لوجه الله تعالى أو ما كان لأمر آخر، أو هي لتمييز العبادات بعضها عن بعض بين أن تكون إحداها نافلة وتكون الأخرى فرضًا، فالصيام -على سبيل المثال- قد يكون لله تعالى قربةً وقد يكون حِميَةً غذائيّة تحت إشراف طبيب أو اختصاصيّ تغذية أو قد تكون تحت إشراف المرء وحده من دون الرجوع لأحد المختصّين، وكذا يمكن أن يكون الاغتسال على سبيل النظافة والابتراد أو هو عبادة يؤدّيها الإنسان في أوقات معيّنة، وفي ذلك يقول أحد العلماء: "وحكمة ذلك -والله تعالى أعلم- تمييز العبادات عن العادات؛ ليتميز ما هو لله -تعالى- عما ليس له، أو تتميز مراتب العبادات في أنفسها لتمييز مكافأة العبد على فعله، ويظهر قدر تعظيمه لربه، فمثال الأولى: الغسل، يكون عبادة وتبرّدًا، وحضور المساجد يكون للصلاة وفرجة، والسجود لله أو للصنم"، فإذًا النية تكون للتمييز بين العبادات والعادات، وكذلك لتمييز العبادات بعضها عن بعض، فمثلًا الصلاة قد تكون صلاة مفروضة وصلاة نافلة، والمفروضة قد تكون فرض عين أو فرض على الكفاية، وقد تكون فرضًا منذورًا أو غير منذور، وإلى ما هنالك من أحكام الصلاة وأنواعها، وهكذا يظهر أنّ الحكمة التي توصّل إليها أهل العلم من وراء فرض النيّة هي تمييز العبادات فيما بينها وتمييز العادات عن العبادات، والله أعلم بالصّواب.[١٢].

المراجع[+]

  1. "تعريف و معنى النية في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 03-04-2020. بتصرّف.
  2. أ. د. وهبة بن مصطفى الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 151، جزء 1. بتصرّف.
  3. "أحكام الصيام"، www.aliftaa.jo، اطّلع عليه بتاريخ 03-04-2020. بتصرّف.
  4. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن حفصة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2330، حديث صحيح.
  5. ^ أ ب ت ث ج ح "مختصر أحكام النية في الصيام"، www.aliftaa.jo، اطّلع عليه بتاريخ 03-04-2020. بتصرّف.
  6. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن حفصة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2330، حديث صحيح.
  7. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 6534، حديث صحيح.
  8. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن حفصة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 7516، حديث صحيح.
  9. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن نافع مولى ابن عمر، الصفحة أو الرقم: 2341، حديث صحيح.
  10. صهيب عبد الجبار، الجامع الصحيح للسنن والمسانيد (الطبعة الكتاب غير مطبوع)، صفحة 190، جزء 29. بتصرّف.
  11. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي أيوب الأنصاري، الصفحة أو الرقم: 1164، حديث صحيح.
  12. أبو عمر دبيان بن محمد الدبيان، موسوعة احكام الطهارة (الطبعة الثانية)، الرياض: مكتبة الرشد، صفحة 97، جزء 9. بتصرّف.