ما هو المرض المبيح للفطر في رمضان
محتويات
المفطرات
إنّ مصطلح المفطرات هو أحد المصطلحات المختصّة بعبادة الصوم وهو ما يتم التعبير عنه لغةً بلفظ: الإمساك أو الامتناع، والقيام بشيء من المفطرات يُفسد الصوم ويبطله وعلى هذا فإنّ تعريف المفطرات لغةً: "المبطلات"، ولكنّ تركيب "أفطر الصائم" يدلّ على معانٍ عدّة أحدها أنّه فعل شيئًا من المفطرات وأفسد صيامه، ومن معاني"أفطر الصائم" أيضًا أي: غربت الشمس وحان وقت الإفطار سواءٌ شرع الصائم بالأكل والشرب أم لم يشرع، أمّا عن أنواع المفطرات؛ وهي ما يمكن تسميته بمفسدات الصيام ومبطلاته فأشهرها الأكل والشرب والجماع والقيء عمدًا،[١] ولكنّ هذا المصطلح أوسع من ذلك، فهو يشمل دخول أي شيء من الأعيان وإن كان قليلًا إلى جوف الإنسان عمدًا من منفذ مفتوح، مثل: الفم والأنف والأذن والقبل والدبر، ومن المفطرات أيضًا الاستمناء والحيض والنفاس والردّة والجنون والإغماء المستمر طوال النهار، وفي هذا المقال ستتم معرفة ما هو المرض المبيح للفطر في رمضان.[٢]
ما هو المرض المبيح للفطر في رمضان
إنّ الإسلام دين التيسير والوسطية وهذه الوسطية ظاهرة في جميع ما يتعلّق بالأحكام الشرعية ومن القواعد المقررة في الدين الإسلامي أنّ المشقّة تجلب التيسير، ورمضان شهرٌ كريم؛ فهو شهر الصيام والقيام وقراءة القرآن؛ ولكنّ الصوم قد يشقّ على بعض الناس ومن تيسير الصوم ورحمة الله بعباده وجود أعذار تُبيح الفطر في رمضان، ومن هذه الأعذار المرض إلّا أنّ ليس كل مرض يبيح الفطر، ولمعرفة ما هو المرض المبيح للفطر في رمضان لا بدّ من الرجوع إلى كتب الفقه الإسلامي، حيث ناقش فقهاء الإسلام هذه المسألة ووضعوا لها ضوابط ومعايير خاصّة بناءً على النصوص الشرعية من قرآنٍ العلم على جواز الإفطار للمريض بالجملة، ولكنّهم ناقشوا تفاصيل هذه القضية وربما اختلفت المذاهب في بعض أحكامها، فالمرض هو سبب مبيح للفطر فإذا خشي المريض زيادة مرضه بسبب الصوم أو تأخر شفاؤه أو فساد أحد أعضائه فمن السنّة أن يفطر وإذا صام فصومه مكروه لأنّه في إتمامه هذا قد يودي بنفسه إلى الهلاك وهذا منهيٌّ عنه في الشريعة الإسلامية، فشدّة المرض ودرجته هي أحد ضوابط كون المرض مبيحًا للفطر أم لا.[٥]
ومن المسائل التي نوقشت في إطار الإجابة عن سؤال ما هو المرض المبيح للفطر في رمضان مسألة هل يجوز للإنسان السليم الذي لا يشتكي مرضًا الفطر إذا خشي على نفسه المرض بسبب الصوم، فقال الحنفية أنّه إذا غلب على ظنّ الإنسان السليم وقوع المرض بسبب الصوم فله أن يفطر أمّا إذا كان هذا الاعتقاد وهمًا فلا يجوز له ذلك، أمّا المالكية فلهم قولان في المسألة أحدها -وهو القول المشهور- أنّه لا يجوز له أن يفطر لأنّه قد يصوم ولا يمرض، والثاني جواز الفطر عند خشية حصول المرض بسبب الصوم، أمّا خشية الهلاك فتجيز الفطر بالنسبة للسليم والمريض، كما أنّ خوف التعب والشدّة بسبب الصوم فإنّه ليس عذرًا مبيحًا للفطر وفقًا لما ما هو مشهور عند المالكية.[٥]
وهنا تُطرح قضية أخرى وهي نية الترخّص والفطر؛ حيث قال الشافعية بجواز الفطر للمريض الذي يزيد الحنابلة.[٥]
أمّا بالنسبة لخشية الهلاك والتلف بسبب الصوم فتجعل الصوم مكروهًا كما قال البعض بحرمة الصيام في هذه الحالة، ولكنّ الصيام يكون مجزئًا ولا يُلزم صاحبه بالقضاء بلا خلاف لأنّه قد صدر من أهله فالمرض هو عذر مبيح للصوم وليس مفسدًا من مفسداته، ووجه القول بكراهة الصوم مع وجود الضرر أنّ المريض يضر بنفسه ويترك الرخصة التي منحها الله -عزّ وجلّ- له أمّا صيامه فصحيح، كما قال الشافعية بأنّ الإنسان السليم إذا شرع في صومه وهو مُعافى ولا يشتكي من علّة ثم مرض أثناء صيامه فيجوز له الفطر بلا خلاف، وللمريض مع الصيام أحوال حيث لخصّها أحد فقهاء المالكية بأربع حالات؛ الأولى وهي عدم القدرة على الصوم أو خوف الهلاك والضعف بسبب الصيام فالفطر في هذه الحالة واجب، والثانية هي القدرة على الصيام مع وجود مشقّة فالفطر في هذه الحالة جائز وقد قال ابن العربي باستحبابه، والثالثة فيها قولان الجواز والمنع وهي خوف زيادة المرض وحصول المشقّة، أمّا الرابعة فهي كون الصيام غير مؤثر في زيادة المرض وشدّته فهذا لا يجوز له الفطر عند الجمهور خلافًا لابن سيرين.[٥]
كما يمكن إجمال ضوابط كون المرض مبيحًا للفطر بثلاثة ضوابط؛ الأوّل وهو غلبة الظن بوقوع الهلاك بسبب الصيام والثاني وهو خوف الضرر الشديد وإلحاق الأذى بالأعضاء والحواس كالسمع والبصر ففي هاتين الحالتين فإنّ الفطر واجب ويحرم الصوم لأنّ النفس من الضروريات التي يجب حفظها، أمّا الضابط الثالث فهو اليقين بزيادة المرض أو تأخر الشفاء منه أو حصول مشقّة شديدة ففي هذه الحالة يكون الصوم مكروهًا ويباح الفطر بل يُستحب لأنّه قد يؤدي إلى الهلاك وإتلاف النفس، ومن الأمثلة على هذه الحالة أمراض القلب وتصلّب الشرايين، والقرحة الشديدة المصاحبة للنزيف سواءٌ في المعدة أو في الاثني عشر، والتهاب الكلية الحاد والالتهاب الرئوي وحالات السكري المتقدّم، إلى غير ذلك من الأمراض التي يرى الأطباء الثقات أنّ الصيام يزيد من حدّتها ويؤخر شفاءها، وبالنسبة لنية الترخّص من الليل لجواز الفطر فهذا الشرط غير معتبر عند جمهور الفقهاء، وبهذا تكون قد تمّت الإجابة عن سؤال ما هو المرض المبيح للفطر في رمضان.[٦]
ما هي المشقة المبيحة للفطر في رمضان
بعد أن تمّت معرفة ما هو المرض المبيح للفطر في رمضان لا بدّ من معرفة ما هي المشقة المبيحة للفطر في رمضان؛ فالإنسان قد تلحقه المشقة والضرر بالصيام حتى ولو لم يكن مريضًا، والإسلام هو دين اليُسر ورفع الحرج وقد دلّت النصوص الشرعية على هذا، ومنها قوله تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}،[٧] وهذا ما يجعل بعض الناس يظنون إمكانية أخذهم برخصة الإفطار لأنّ طبيعة أعمالهم فيها مشقّة شديدة عند الصوم، مثل مهنة الخبّاز والحدّاد وغير ذلك من المهن الشاقّة، وفي البداية يجب معرفة أنّ المشقّة نوعان؛ النوع الأوّل وهو المشقّة الاعتيادية التي تُرافق التكاليف الشرعية كالوضوء بالماء البارد والصيام في اليوم الحار وهذه المشقّة مُحتملة ولا أثر لها في إسقاط العبادات وجواز الترخّص.[٨]
أمّا النوع الثاني فهو المشقّة غير المعتادة ولا يستطيع الناس تحمّلها كالمشقّة الحاصلة عن الوصال في الصيام والمداومة على قيام الليل كلّه على الدوام، فهذه المشقّة لا يجوز للإنسان أن يوقع نفسه بها؛ لأنّ الوصال والقيام من النوافل فيجب أن يُخفّف الإنسان على نفسه كيلا يقع في الحرج والضيق، أمّا إذا وقعت مشقّة غير معتادة في التكاليف الشرعية فيجوز حينها الأخذ بالرخص الشرعية كإفطار المريض في شهر رمضان الذي يخشى الضرر وتلحقه المشقّة، أمّا بالنسبة للأعمال المجهدة التي تزيد مشقتّها في الصيام فليست أعذارًا مبيحة للإفطار لأنّ أصحاب المهن الشاقّة كالخباز والحدّاد يعملون بشكل دائم وقد اعتادوا هذه المشقّة فإن تمكنّوا من أخذ إجازة وترك أعمالهم هذه في شهر رمضان أو استبدالها بأعمال أخرى أقل جهدًا كان ذلك حلًّا أمّا إن لم يتمكنوا من ذلك فوجب عليهم الصيام.[٨]
ما يبيح الفطر في رمضان
لا تقتصر إباحة الفطر في رمضان على المرض فقد ناقش العلماء وبيّنوا ما يبيح الفطر في رمضان وهو ما يُسمّى بعوارض الإفطار، وتعني: ما يبيح عدم الصوم، وهذه العوارض هي: المرض والسفر والحمل والرضاع والهرم وإرهاق الجوع والعطش والإكراه، وقد تمّت معرفة ما هو المرض المبيح للفطر في رمضان بتفصيلاته، وفيما يأتي بيان لأحكام العوارض الأخرى:[٩]
السفر
يُشترط في السفر المبيح للفطر أن يكون سفرًا طويلًا ممّا تُقصر فيه الصلاة، وأن لا ينوي المسافر الإقامة مدّة أربعة أيّام بلياليها عند المالكية والشافعية، وأكثر من أربعة أيّام عند الحنابلة، أمّا الحنفية فالمدّة عندهم خمسة عشر يومًا فإن عزم المسافر على الإقامة هذه المدّة فأكثر لم يجز له الإفطار، كما يجب أن لا يكون السفر في معصية بل يجب أن يكون في غرض صحيح عند الجمهور ليكون عذرًا مبيحًا للفطر، ولكنّ الحنفية لم يعتبروا هذا الشرط، ومن الضروري مجاوزة حدود المدينة وما يتصل بها حتّى تجوز الأخذ بالرخصة والشروع بالإفطار.[١٠]
الحمل والرضاع
اتفق الفقهاء على جواز الإفطار للحامل والمرضع إذا خافت على نفسها أو على ولدها حصول المرض أو زيادته أو وقوع الهلاك والشدّة، وقد رأى الحنابلة أن صيامهما مكروه في هذه الحالة، كما عدّ المالكية الحمل مرض حقيقي أمّا الرضاع فهو مرض حكمي.[١١]
الشيخوخة والهرم
المراد بالشيخوخة والهرم في هذا السياق ثلاث حالات، وهي: الشيخ الفاني، وهو الذي فنيت قوته أو أشرف على الفناء وأصبح كل يوم في نقص إلى أن يموت، والمريض الذي لا يرجى برؤه وتحقق اليأس من صحته، والعجوز وهي المرأة المسنة، وهؤلاء جميعًا يجوز لهم الفطر في رمضان بلا خلاف إذا عجزوا عن الصوم وكان الصيام يُسبّب لهم مشقّة شديدة غير محتملة، إلّا أنّ الحنفية قالوا أن العجز المبيح للإفطار مطلقًا هو العجز المستمر أمّا إذا لم يستطع الكبير الصيام في الصيف لشدّة الحر جاز له الإفطار والقضاء في الشتاء.[١٢]
إرهاق الجوع والعطش
إذا صام الإنسان وخلال نهاره تعرض لإرهاق شديد واحتاج للطعام أو الشراب وخاف على نفسه الهلاك فيما ذهب إليه الحنفية؛ فيجوز له حينئذٍ الإفطار والقضاء فيما بعد ولا خلاف بين الفقهاء على ذلك، ولكن لا بدّ أن ينوي الصيام فإن لحقته المشقّة أفطر ولا يجوز له الفطر ابتداءً.[١٣]
الإكراه
ويعني "حمل الإنسان غيره على فعلٍ أو ترك ما لا يرضاه بالوعيد"، وقد قال الحنفية والمالكية أنّ من أُكره على الإفطار أفطر وقضى، أمّا الشافعية والحنابلة فقالوا بإنّ من أُكره على الإفطار بتناول الطعام والشراب لم يُفطر أي أنّ صيامه يبقى صحيحًا ولا يجب عليه القضاء.[١٤]
الفرق بين الفدية والكفارة في رمضان
الفدية والكفارة هي مصطلحاتٌ شرعية تتعلّق بالإجابة عن سؤال ما هو المرض المبيح للفطر في رمضان، فالفدية مذكورة في قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}،[١٥] أمّا الكفارة فقد ورد تفصيلها في حديثٍ متفق على صحته وهو أنّ رجلًا جاء لرسول الله وأخبره أنّه هلك لأنّه قد جامع امرأته في نهار رمضان وأفسد صيامه، فأخبره رسول الله بما يجب أن يفعل ليكفّر عن ذنبه، فالكفارة في رمضان خاصّة عند جمهور أهل العلم بمن جامع زوجته في نهار رمضان متعمّدًا فقط، كما قال آخرون بأنّه تجب على كلّ من تعمّد إفساد صومه بأحد أنواع المفطرات كالأكل والشرب أو الجماع، والكفارة واجبة على الترتيب عند جمهور الفقهاء وهي ثلاث أنواع: عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين دون أن يكون بينهما فاصل إلّا من عذر شرعي؛ كالمرض، أو إطعام ستين مسكينًا لكلٍّ منهم مد بمد النبي صلّى الله عليه وسلّم.[١٦]
فالعتق هو أوّل خيار فإن لم يتمكن من العتق صام شهرين متتابعين فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينًا، ومن أحكام الكفارة أنّها لا ترتبط إلّا بصيام رمضان فلو أفسد الإنسان صيام القضاء بالجماع لم تجب عليه الكفارة وكذلك الأمر بالنسبة لصيام النذر والنافلة، كما أنّ الكفارة لا تُسقِط وجوب قضاء الصوم، أمّا عن الفدية فهي ما يُلزم به أهل الأعذار الذين لا يقدرون على الصيام في رمضان فيطعمون مسكينًا عن كل يوم أفطروه، ومثالهم الشيخ الكبير الهرم والمرأة الكبيرة والمريض مرضًا مزمنًا لا يُرجى شفاؤه، كما قال بعض أهل العلم أنّ الحامل والمرضع التي تخاف على ولدها وتفطر في رمضان تقضي صومها وتخرج فدية إلّا أنّ الراجح في هذه المسألة وجوب القضاء فقط، كما أوجب جمهور الفقهاء إخراج الفدية على من ترك قضاء صوم رمضان إلى السنة التي تليها فقالوا بأنّه يلزمه القضاء والفدية إلّا أنّ الحنفية لم يقولوا بلزوم الفدية وهو الراجح من أقوال أهل العلم.[١٦]
المراجع[+]
- ↑ "تعريف و معنى مفطرات في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-04-2020. بتصرّف.
- ↑ "أحكام الصيام"، www.aliftaa.jo، اطّلع عليه بتاريخ 11-04-2020. بتصرّف.
- ↑ "كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 11-04-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 183-184.
- ^ أ ب ت ث "كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 11-04-2020. بتصرّف.
- ↑ "كتاب الصوم جنة"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 11-04-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية: 6.
- ^ أ ب "كتاب يسألونك عن رمضان"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 11-04-2020. بتصرّف.
- ↑ "كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 11-04-2020. بتصرّف.
- ↑ "كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 11-04-2020. بتصرّف.
- ↑ "كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 11-04-2020. بتصرّف.
- ↑ "كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 11-04-2020. بتصرّف.
- ↑ "كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 11-04-2020. بتصرّف.
- ↑ "كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 11-04-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 183.
- ^ أ ب "كتاب يسألونك عن رمضان"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 11-04-2020. بتصرّف.