سؤال وجواب

حكم تحديث النفس بالإثم


مفهوم تحديث النفس بالإثم

في مبحث حكم تحديث النفس بالإثم، لا بد من بيان سياق حدبث النواس بن سمعان -رضي الله عنهما- قال سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عَنِ البِرِّ وَالإِثْمِ فَقالَ: البِرُّ حُسْنُ الخُلُقِ، وَالإِثْمُ ما حَاكَ في صَدْرِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عليه النَّاسُ"[١]، قال الإمام النووي -رحمه الله- في شرحه: "قال العلماء: البر يكون بمعنى الصلة، وبمعنى اللطف والمبرة وحسن الصحبة والعشرة، وبمعنى الطاعة، وهذه الأمور هي مجامع حسن الخلق، ومعنى حاك في الصدر: أي تحرك فيه وتردد ولم ينشرح له الصدر، وحصل في القلب منه الشك وخوف كونه ذنبًا" وهذه المسألة وهي مسألة حكم تحديث النفس بالإثم مهمة لما لها من أثر على سلوك المسلم في حياته، فالمسلم في حياته لا تخلو نفسه، إمّا من إرادات الخير والعلم النافع والتأمّل والاعتبار، وإمّا -عياذًا بالله- في الإثم والعصيان، فأول خطوة من خطوات طرد الشيطان وعدم إستلاءه على القلب تكون بطرد حديث النفس الذي لا يأتي بخبر.[٢]

حكم تحديث النفس بالإثم

في الحديث حول مسألة حكم تحديث النفس بالإثم، لابدّ حينئذ من بيان ما لهذه المسألة من أهمية تعود على سلوك الفرد، يقول الله -سبحانه وتعالى-: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُم أو تُخْفُوه يُحَاسِبْكُمْ بِه اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ}[٣]، ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَجَاوَزَ لِأُمَّتي عَمَّا حَدَّثَتْ به أَنْفُسَهَا، ما لَمْ تَعْمَلْ، أَوْ تَكَلَّمْ بهِ"[٤]، فهذا الحديث يدل على أن للنّفس حركات داخليّة وهي؛ حديث النفس والهمُّ والعزم و الهاجس والخاطر، وكلّ إنسان مُعَرَّضٌ لها، وذلك بحكم طبيعته التي خلقه الله -عزّوجلّ عليها، ولو حاسبنا الله سبحانه عليها، لكان ذلك تكليفًا بما لا تطيقه النفس البشرية وهو سبحانه رحيم بعباده، ولذلك لا يحاسبنا الله -سبحانه وتعالى- إلا على نتيجة هذه الحركات النفسية من القوْل أو الفعل وهو "العمل" لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ ، تجاوزَ لأمَّتي ما وَسوَست بِهِ وحدَّثت بِهِ أنفسَها ، ما لم تعمَل ، أو تتَكَلَّم بِهِ" ، وأمّا ما دامت هذه الخواطر في المرحلة الداخلية، فلا يكلفنا الله سبحانه إلا بأقواها وأقربها إلى التنفيذ، وذلك يكون عند "الهمِّ والعَزْم"[٥]، جاء فيما حدَّث به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ربِّ العزة: "إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذلكَ، فمَن هَمَّ بحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، فإنْ هو هَمَّ بها فَعَمِلَها كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَناتٍ إلى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ إلى أضْعافٍ كَثِيرَةٍ، ومَن هَمَّ بسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، فإنْ هو هَمَّ بها فَعَمِلَها كَتَبَها اللَّهُ له سَيِّئَةً واحِدَةً"[٦] ، فقد دلّنا هذا الحديث: أنّه لا عقاب على الهمّ بالسيئة دون عملها، بل نصّ هذا الحديث على أنه يُثاب بحسنة، أما الذي يؤاخذ عليه المسلم فهو العزم وهو درجة أقوى من الهمّ، ودلّ على ذلك قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بسَيْفَيْهِما فَالقَاتِلُ والمَقْتُولُ في النَّارِ، فَقُلتُ يا رَسولَ اللَّهِ هذا القَاتِلُ فَما بَالُ المَقْتُولِ قالَ: إنَّه كانَ حَرِيصًا علَى قَتْلِ صَاحِبِهِ"[٧]، والحِرص هو: المؤاخذة عليه في هذا الحديث، وهو العزم المصمّم، فيكون العزم وهو التصميم على الفعل في المؤاخذة كالفعل نفسه،.ثم إن العلماء قالوا "العدول عن فعل المعصية التي همَّ بها له سببان، الأول عجزعن التنفيذ أو خوف من رقيب دنيوي، وهذا لا مُؤاخذة فيه، فلا تُكْتَب سيئة، بل ولا يُعطى حسنة، وكفى أنه لا عقاب عليه، والسبب الثاني في العدول عن فعل المعصية هو الخوف من الله سبحانه، وهنا لا يُكتفى بعدم العقاب، بل يُكافأ بثواب حسنة"[٨]

ما الفرق بين حديث النفس ووساوس الشيطان

بعد الانتهاء من بيان حكم تحديث النفس بالإثم، وبيان أنَّ المؤاخذ عليه إنما يكون من: قول المعصية أو فعلها، أو العزم وهو التصميم على فعل المعصية حيث يتحول الهاجس الداخلي في النّفس إلى عزم عليها كما حدث لإمرأة العزيز، وأمّا الهمّ على المعصية وتركها خوفًا من الله -تبارك وتعالى- فلا يؤاخذ عليها المسلم بل يثاب عليها حسنة كاملةً، كما دلّ على ذلك الحديث، وأمّا الفرق بين حديث النفس ووساوس الشيطان، فظاهر النّصوص من الكتاب والسنة، بيّنت أن النفس توسوس، كما أن الشيطان يوسوس، وقذ ذكر بعض أهل العلم فرقا بينهما فقال: "ما كَرِهَتْه نفسُك لنفسك فهو من الشيطان فاستعذ بالله منه، وما أحبته نفسك لنفسك فهو من نفسك فانهها عنه".[٩]

والأصل في الإستعاذة من الوسوسة قوله تعالى: {الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ}[١٠]، قال عبد الله ابن عبّاس -رضي الله عنهما-: "الشّيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر خنس"،  قال البغويّ: "الشّيطان جاثم على قلب الإنسان، فإذا ذكر الله خنس، وإذا غفل وسوس، وقال: الخنّاس له خرطوم كخرطوم الكلب في صدر الإنسان، فإذا ذكر العبد ربّه خنس، ويقال: كرأس الحيّة، واضع رأسه على ثمرة القلب يمنّيه ويحدّثه، فإذا ذكر الله خنس، وإذا لم يذكر يرجع ويضع رأسه"، وقد جاء في النصوص أنّ في آخر الزمان تكثر الشياطين، وتكثر معهم الشكوك والريب، والفتن في الدين والعقائد، فعن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنه- قَالَ: "إنَّ فِي الْبَحْرِ شَيَاطِينَ مَسْجُونَةً، أَوْثَقَهَا سُلَيْمَانُ، يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ، فَتَقْرَأَ عَلَى النَّاسِ قُرْآنًا"[١١] ومثل هذا لا يقال على سبيل الإجتهاد والرأي، حتى أنّ الوسوسة قد أتعبت كثيرا من المسلم عند نزغ الشيطان له، ألا يلتفت إلى شيىء من ذلك، ويلتجأ إلى الله سبحانه ويستعيذ به، قال الله -تبارك وتعالى-: { وَإِمّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيطانِ نَزغٌ فَاستَعِذ بِاللَّـهِ إِنَّهُ سَميعٌ عَليمٌ}[١٣]،[٩]

المراجع[+]

  1. رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن النواس بن سمعان الأنصاري ، الصفحة أو الرقم: 2553 ، حديث صحيح.
  2. "حديث: والإثم ما حاك في النفس، على عمومه"، www.islamweb.net، 21-4-2020. بتصرّف.
  3. سورة البقرة، آية: 284.
  4. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 127، حديث صحيح.
  5. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3434، حديث صحيح.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 6491، حديث صحيح.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي بكرة نفيع بن الحارث، الصفحة أو الرقم: 31، حديث صحيح.
  8. "حديث: والإثم ما حاك في النفس، على عمومه"، www.islamweb.net، 21-4-2020. بتصرّف.
  9. ^ أ ب "ما الفرق بين حديث النفس ووساوس الشيطان؟"، islamweb.net، 21-4-2020. بتصرّف.
  10. سورة الناس، آية: 4.
  11. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن طاووس بن كيسان اليماني، الصفحة أو الرقم: 7، حديث صحيح.
  12. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 132، حديث صحيح.
  13. سورة الأعراف، آية: 200.