هل الأخذ بالأسباب ينافي التوكل

بواسطة:

مفهوم الأخذ بالأسباب

يدبّر الله شؤون العباد بحكمته وعلمه ويصرّفها كيف يشاء، ويجعل ظروف حياتهم مترابطةً لتحمل المنفعة المتبادلة فيما بينهم، وقد جعل تحقيق كل منفعة متعلّق بسبب أو أكثر من أسباب الحياة، ثم تنعّم الله على الإنسان بوسائل يستطيع بها تحقيق منافعه باستخدام القدرات العقلية والجسدية وغيرها، وحتى يكون المرء شاكرًا لله على نعمة هذه الوسائل كان عليه ألا يعطّلها؛ بل شُرِع له أن يصرفها في كل فعل يعينه على قضاء حوائجه، على أن يستخدم وسائل الأخذ بالأسباب بما يرضي ربه، وفي أبواب المنغعة المتفرقة المنضبطة بضوابط الشريعة الإسلامية، والتي تجلب للإنسان الخير وتصرف عنه الشر في الدنيا والآخرة، وعلى الإنسان بعد الأخذ بالأسباب أن يتوكل على الله؛ مسلِّمًا بأن ما يأتيه من نفع أو ضرّ إنما هو بأمر الله وحكمته المطلقة؛ وإنْ ارتبط تحقُّقه بالأسباب الظاهرة، وقد يُشكِل على البعض أمر التوكّل؛ فيظنه متعارضًا مع مبدأ الأخذ بالأسباب، ويأتي تاليًا حديث عن هل الأخذ بالأسباب ينافي التوكل.[١]

هل الأخذ بالأسباب ينافي التوكل

لا بد أن الإجابة عن هل الأخذ بالأسباب ينافي التوكل تمر عبر سبر آيات الله في القرآن حيث أمر عباده بتفويض أمورهم إليه وحده في شؤون الدنيا والآخرة، فجاء أمره بالنص الصريح في غير آية منها قوله تعالى في سورة المائدة: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}[٢]، لكن توكّل العبد على ربه وتفويضه الكامل له لا يكون صحيحًا إلا إذا اقترن بالأخذ بالأسباب التي تستجلب المنفعة، وإلّا لكان الناس جالسون في بيوتهم ينتظرون المأكل والمشرب والملبس، وهذا عين البعد عن التوكّل والانتقال إلا التواكل، وهو ليس من صفات المؤمن الذي يباشر الأسباب ما استطاع، ويتحرّى ما فيه خير له كما أُمر في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}[٣] وعلى المؤمن ألا يغفل عن أنّ نجاحه في الآخرة أيضا يحتاج إلى اتخاذ أسباب النجاة من الوقوع في براثن الشهوات والكبائر وجميع أنواع المعاصي، كما ورد في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}[٤]، وفي هاتين الآيتين دليل على أن المؤمن لا يترك الأسباب ولا التوكّل، بل يهتدي بهما معًا في سبيل تحقيق المنفعة وطلب الخير في الدين والدنيا.[٥]

وعلى الإنسان لكي يكون مدركًا لقضية هل الأخذ بالأسباب ينافي التوكل أن يعرف أن التوكل موضعه في القلب؛ حيث الإيمان بالله وبالقضاء والقدر، على أن هذا الإيمان لا بدّ وأن يؤثّر في ما تبديه الجوارح، وهي مكان الأخذ بالسباب، وبهذا فإن من عطّل العمل والأخذ بالأسباب كان هناك لبس في توكّله، ومن ترك التوكّل واعتمد على الأسباب كان هناك لبس في إيمانه، والله يقول لرسوله :{وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [٦]، وفي هذه الآية قطع الشك باليقين في مسألة هل الأخذ بالأسباب ينافي التوكل، حيث يدرك الفطن من خلالها أن اقتران التوكل على الله مع اتخاذ الأسباب أمر ليس فيه أي تعارض، بل الواجب أن يجتمعا، فلا يتحقق التوكّل إذن إلّا بالعزم الصادق المؤسس على الأخذ بالأسباب، وفي إجابة النبي -عليه الصلاة والسلام- لرجلٍ حين سأله عن عقل الناقة أو تركها مع التوكل؟:"اعقِلْها و توكَّلْ"،[٧] أكبر دليل على أنّ الأخذ بالأسباب لا يترك، ولا يتنافى مع التوكّل، بل يقترنان.[٨]

ضوابط الأخذ بالأسباب

وبعد الإجابة عن هل الأخذ بالأسباب ينافي التوكل لا بدّ من ذكر بعض ضوابط الأخذ بالأسباب التي تعين المؤمن على تطبيق التوكل الصحيح البعيد عن الإفراط في الاعتماد على الأسباب بما قد يجلعها في نفسه وقلبه موضع فتنة تنسيه حسن التوكل على ربه، ومن أهم هذه الضوابط الاعتقاد التام بأن الضّارّ والنّافع هو الله وحده، وهو خالق الأسباب والمسببات، وهو من جعلها بحكمته مترابطة فيما بينها، وبعد ذلك على المؤمن ألا يتعلّق بشيء من الأسباب، فلا يلتفت قلبه إليها، بل تتجه إليها جوارحه وحسب، وعليه أن يتوسط في الأمر فلا يهمل أي سبب من الأسباب، ولا يبالغ فيها أيضًا إلا بما تقتضيه حدود المنفعة.[٩]

ومن ضوابط الأخذ بالأسباب أن يعطي المرء كل غاية بحسبها؛ فالأخذ بالأسباب في الرزق ليس كالأخذ بالسبب في اتقاء المرض، واتخاذ الأسباب في الشيء الغالي الثمين يختلف بالتأكيد عن اتخاذ الأسباب بشيء رخيص، وفي أمر الدنيا يختلف عن أمر الآخرة، وهذا ما يعين المرء على التفضيل بين الأشياء بحسب مقتضى الحال، ثم إنّ المؤمن لا ينسى أنّ اتخاذ الأسباب يجب أن ينحصر في حدود ما شرع الله على عباده، وأنّ عليه دائمًا مراقبة نفسه وأفعاله ليقيس الأمور ويوازن بين حسن التوكل وبين الأخذ بالأسباب.[٩]

المراجع[+]

  1. "القضاء والقدر ووجوب الأخذ بالأسباب"، binbaz.org، 19-4-2020. بتصرّف.
  2. سورة المائدة، آية: 23.
  3. سورة الملك، آية: 25.
  4. سورة التحريم، آية: 6.
  5. "هل يجب تفويض الأمر إلى الله في كل أمورنا ؟"، islamqa.info، 19-4-2020. بتصرّف.
  6. سورة آل عمران، آية: 159.
  7. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1186 ، حديث صحيح.
  8. "التوكل الحقيقي لا ينافي الأخذ بالأسباب"، www.islamweb.net، 19-4-2020. بتصرّف.
  9. ^ أ ب "ضوابط الأخذ بالأسباب"، islamqa.info، 19-4-2020. بتصرّف.

مواضيع ذات صلة بـ

كيفية تحرير الخبر الصحفي

. فن تحرير الخبر . كيفية تحرير الخبر الصحفي . تحرير العنوان . كتابة المقدمة . جسم الخبر . ماهية التحرير الإعلامي فن تحرير الخبر يُعدّ الت

موضوع-عن-الصبر

الصبر يعدّ الصبر من أجمل الصفات وأطيب الأخلاق وأكثرها أجراً، إذ إنّ الله تعالى جعل أجر الصابرين عظيماً عنده، وذكره في القرآن الكريم ف

قصة عن حب الوطن

قصة عن حب الوطن الوطن، تلك الكلمةُ الصغيرة من حيث عدد الحروف، العميقة من حيث المعنى، الضاربة في وجدان كلّ من يسمع بها، حروفٌ ثلاثة قد

فوائد-الباذنجان-للرجيم

. الباذنجان . القيمة الغذائية للباذنجان . فوائد الباذنجان للرجيم . فوائد الباذنجان الصحية . أطعمة تساعد على إنقاص الوزن . البيض . الخضرو

معلومات-عن-العلوم-الإنسانية

. مفهوم العلوم . العلوم الإنسانية . تاريخ العلوم الإنسانية . أنواع العلوم الإنسانية . أهمية العلوم الإنسانية . الحاضر الأكاديمي للعلوم

معنى-اسم-لين

. اسم لين . معنى اسم لين . الصفات الشخصية للفتاة الحاملة اسم لين . الشخصيات المشهورة الحاملة اسم لين اسم لين اسم لين من الأسماء التي شاعَ