نبذة عن كتاب حديث القمر
الأدب الحديث
يعود مصطلح الأدب العربي الحديث إلى المدّة الزمنية التي تبدأ مع مطلع القرن التاسع عشر حين أثمرت حركة الترجمة عن الآداب الغربية وكذلك حركة إحياء التراث القديم، فأمّا أصحاب حركة إحياء التراث -أو مدرسة البعث والإحياء- فإنّهم رأوا أنّ أفضل حلّ لمقاومة الأدب المنحطّ هو أن يعودوا إلى جواهر التراث القديم فيصوغون على منوالها من الشعر والنثر بأنواعه المختلفة، وأمّا حركة الترجمة فقد ظهرت حين جُلبَت المطبعة إلى مصر ليُترجم محمد علي باشا الكتب العلمية لجيشه معتمدًا في أكثر ذلك على الأديب المصري المعروف رفاعة الطهطاوي، ونتج عن ذلك ظهور أدباء مجدّدين لهم كعبُهُم العالي وأدبهم المتفرّد، وكان لهم من الكتب ما لم يتأتّى لسابقيهم من حيث المضمون والسبك والفكرة والفرادة، ومن أولئك كان الأديب المصري مصطفى صادق الرّافعي صاحب المصنفات الكثيرة في الأدب والحب والجمال وفلسفتهما، ومن كتبه كتاب حديث القمر الذي سيتحدّث عنه هذا المقال.[١]
كتاب حديث القمر
كتاب حديث القمر للأديب الكبير مصطفى صادق الرّافعي، هو كتاب من الشعر المنثور وهو أوّل كتاب يكتبه الرافعي في هذا المجال، وقد جاء هذا الكتاب بعدما التقى الرافعي بفتاة لبنانيّة في قضاء بحمدون من أعمال محافظة جبل لبنان، فألهمته تلك الفتاة أن يكتب حديث القمر وقد كانت هي شاعرة كذلك، والراجح أنّها فتاة حقيقيّة وإن شكّك بها بعض معاصري الرافعي، وقد ظلّت ذكراها تعنّ له كثيرًا، وقد أوحت له كذلك بداية السحاب الأحمر وأوراق الورد، في هذا الكتاب يعرض الرافعي في المقدمة لمعنى البلاغة والبليغ، ثمّ ينطلق إلى مناجاة القمر في شعر منثور تسيطر عليه الرمزية والرومانسيّة والفلسفة: فلسفة الحب والجمال وفلسفة الحزن والبكاء، ويعرض فيه كذلك لمواقف من الزمن والطبيعة والقانون والغنى والفقر والنبوة والألوهيّة والإنسان الكامل والقانون وإلى غير ذلك من الموضوعات الكبيرة المبثوثة في ثنايا ذلك الكتاب، وكانت بغية الرافعي التي يرجو حصولها في كتابه هذا أن يجعله أمثلة على ما يسمّيه هو "علم التصوّر الكتابي"، وهو علمٌ يُعرَفُ من أمثلته من دون أن توضع له القواعد كما يقول الرافعي نفسه؛ إذ قواعده في جملتها هي "إلهامٌ ينتهي إلى الإحساس، وإحساسٌ ينتهي إلى الذوق، وذوقٌ يفيضُ الإحساسُ والإلهام على الكتابة جميعًا؛ فيترك فيها حياة كحياة الجمال لا تُداخل الروح حتى تستبدّ بها، ولا تتّصل بالقلب حتى تستحوذ عليه".[٢]
وكتابه هذا من الأدب الرمزي كما سبق وأُشيرَ إلى ذلك؛ ولذا فإنّه سيكون غارقًا بالرموز والإيحاءات التي لو أراد امرؤٌ إطالة النظر فيها فإنّه سينكشف له أنّ كثرة ذكر الليل دليل على أنّ الكاتب يرى فيه إمتاعًا للنفس بما فيه من الجمال والرقة والغزل، والانبعاث يعني الحركة والاضطراب، والحفيف هو صوت الحركة، والقمر أُريدَ به تورية عن معنى آخر، وأمّا انحدار دمع الحبيبة أمام عين المحب فيُراد به التفسير الصامت لمعنى روح ذلك المحب، وكذلك أراد الرافعي بالخلقة والتركيب في كتابه ذاك عدم الانخداع بالمنظر، بل لا بدّ "من التّفرّس فيما يدلّ عليه"، وبذلك ينتهي الحديث عن كتاب حديث القمر الذي يُعدّ بحقّ أحد أعظم كتب الرافعي الإنشائيّة التي كتبها بروح الأديب والشاعر والعاشق معًا.[٢]
اقتباسات من كتاب حديث القمر
بعد الوقوف مع نبذة عن كتاب حديث القمر للأديب المصري مصطفى صادق الرافعي يقف المقال ختامًا مع اقتباسات من ذلك الكتاب الذي يُعدّ واحدًا من أبدع ما جاءت به كتب النثر العربي الحديث والقديم معًا، وممّا قاله الرافعي في كتابه ويمكن له أن يكون اقتباسًا ما يأتي أدناه:
- "أما القلب فهو موضع الحقيقة السماوية التي تظهر بين الناس في هيئاتها فيسمونها المحبة، وبين الملائكة فيسمونها الإنسانية، وعند الله فيسميها الإيمان، وما كان في القلب غير ذلك فهو من تسلط العقل واستبداده".[٣]
- "البلاغة التي حار العلماء في تعريفها على كثرة ما خلطوا لا تعدو كلمتين: قوة التصوّر، والقوة على ضبط النّسبة بين الخيال والحقيقة؛ وهما صِفتان من قُوى الخلق تقابلان الإبداع والنظام في الطبيعة، وبهما صار أفراد الشعراء والكُتَّاب يخلقون الأمم التاريخية خلقًا، ورب كلمة من أحدهم تلدُ تاريخ جيل".[٣]
- "أحس وما أحسب الإحساس إلا نكتة صافية في القلب تقابل نكتة العين التي يكون بها البصر، فكل ما انطبع في هذه انطبع في تلك، لكي تكون الروح بين مرآتين فيسهل عليها أن تدرس الحقيقة بالمقابلة".[٣]
- "ولكن الإنسان ليس إله نفسه؛ فهو يبكي صابرًا ويصبر باكيًا، ومتى انكشفت أرض الخنادق الروحية ظهرت فيها حفرة القبر، وكانت آخر دمعة تجف منها هي دمعة الموت".[٣]
- "الحب، إحدى كلمتين هما ميراث الإنسانية، وهدية التاريخ، والطرفان اللذان تلتقي عندهما السماء بالأرض".[٣]
- "ليس كل ما يعجبك يرضيك، ولكن كل ما يرضيك يعجبك؛ فالجمال الوصفيّ الذي يُقاس بالنظر ويخرج منه الفكر بنسبة هندسية جمالٌ صحيحٌ وحريٌّ أن يكون مُعجِبًا؛ ولكنّه على كل حالٍ بناءٌ جسميٌّ كالقصر المشيد الذي يعجب الفقير المعدم فيتمنّاه، فإن هو صار له خاليًا لم يُرضِه؛ لأنّه لا يلتحف سقوفه المموّهة، ولا يفترش أرضه الموطأة، ولا يلبس جدرانه الموشَّاة، ولا يقتات من هوائه الطلق.. أمّا الجمال الذي يُرضِي فهو الذي يشفُّ عن صورة روحك بغير ما يخيلها لك ماء الحياة العكر".[٣]
- "إنّ الله لا يُمسك عنّا فضله إلّا حين نطلب ما ليس لنا، أو ما لسنا له".[٤]
- "يموت الفقير خفيفًا هادئًا كأنّهُ طائرٌ بسَطَ جناحه وطار".[٤]
- "ضع اللغات كلّها في فم المحب؛ فإنّ خفقةً واحدةً من قلبه ستجعلُها كلُّها بلا تأثيرٍ كأنّها صمتٌ ناطقٌ؛ لأنّ هذا القلب هو الساحل الذي تقف عنده أمواج الألفاظ بطبيعتها أو طبيعته ولو ترامَت من جوانب هذا الخِضَمّ الذي يجيش بالحياة".[٤]
المراجع[+]
- ↑ "الأدب العربي الحديث"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 21-4-2020. بتصرّف.
- ^ أ ب أ. د. مصطفى الجوزو (1985)، مصطفى صادق الرافعي رائد الرمزية العربية المطلة على السوريالية، بيروت: دار الأندلس، صفحة 60، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح "حديث القمر"، www.abjjad.com، اطّلع عليه بتاريخ 21-4-2020. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "حديث القمر"، www.goodreads.com، اطّلع عليه بتاريخ 21-4-2020. بتصرّف.