سؤال وجواب

شرح قصيدة يافا الجميلة للجواهري


الجواهري

الشّاعر محمّد مهدي الجواهري من شعراء العصر الحديث، ولد في النّجف في كتاب "جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام" الذي كان سببًا في تسمية "الجواهريّ" بهذا الاسم، فكانت لأسرته مكانتها العلميّة والشّعرية، فكان والده وإخوته شعراء، وقد أرسله والده منذ صغره إلى أشهر العلماء والفقهاء لتعلّم القراءة والكتابة والفقه والنّحو والبلاغة؛ وأراده أن يتعلّم الخطابة من كتاب نهج البلاغة، ويتعلّم الشّعر والأدب من الشّعراء الفحول كأبي الطّيّب المتنبّي، فأظهر الجواهري ميله إلى الأدب منذ نعومة أظفاره، وراح يتعلّم البلاغة والبيان، ويُطالع في الشّعر، حتّى فاق أفراد أسرته، ولم يبلغ أحد من أهل بيته ما بلغه الجواهري في الشّعر والأدب؛ وفي عام 1924م أعدّ الجواهري مجموعة شعريّة، وقام بنشرها عام 1928م، تحت مسمّى "أخطار الشّعر في الحبّ والأمّة والقصيدة"، وفيما يأتي شرح قصيدة يافا الجميلة.[١]

شرح قصيدة يافا الجميلة للجواهري

قام الجواهري بزيارة مدينة يافا الفلسطينيّة عام 1945م، بدعوة من المجمع الثّقافي فيها؛ وقد ألقى هناك قصيدته التي عبّر فيها عن مشاعره الصّادقة تجاه فلسطين وأهلها، مؤكّدًا على الرّوابط القوميّة بين الشّعب العراقيّ والشّعب الفلسطينيّ، وبين الشّعوب العربيّة فيما بينها،[٢] وقد تمّ اختيار هذه الأبيات من قصيدة يافا الجميلة لشرحها وتوضيحها، والتي تحمل فكرة عامّة وهي: "تعبير الشّاعر عن مشاعره تجاه فلسطين وأهلها" مقسّمة إلى ثلاثة مقاطع، لكلّ مقطع فكرته الخاصّة به، ففكرة المقطع الأول: وصف الشّاعر لحالته النّفسيّة لدى وصوله إلى يافا، والثّاني: وصف جمال يافا واللّدّ والحزن على حالهما، والثّالث: وداعه ليافا مع التّأكيد على وحدة المصير العربي.

  • يبدأ الجواهري قصيدته قائلًا:

بـ "يافا" يومَ حُطَّ بها الرِكابُ

تَمَطَّرَ عارِضٌ ودجا سَحابُ

وقفتُ مُوزَّعَ النَّظَراتِ فيها

لِطَرفي في مغَانيها انْسياب

فقلتُ وقد أُخذتُ بسِحر "يافا"

واترابٍ ليافا تُستطاب

" فلسطينٌ " ونعمَ الأمُ، هذي

بَناتُكِ كلُها خوْدٌ كَعاب

الشّرح:

عندما وصلنا إلى يافا كانت الغيوم كثيفة والجوّ ماطرًا. وقفت أرسل نظراتي في كلّ صوب واتّجاه في مدينة يافا، فكلّ ما فيها يأسر القلوب، ويحيّر العقول. وقد دفعني جمال يافا للقول: إنّك يا فلسطين -بمدنك الأخاذة وأجملها يافا- أمّ غالية، بل أعظم بلد وأجمل وطن.

  • ثمّ يتابع الجواهري قائلًا:

ولمّا طبَّقَ الأرَجُ الثنايا

وفُتِّح مِنْ جِنانِ الخُلدِ باب

ولاحَ "اللُّدُّ" مُنبسِطاً عليهِ

مِن الزَهَراتِ يانِعةً خِضاب

نظْرتُ بمُقلةٍ غطَّى عليها

مِن الدمعِ الضليلِ بها حِجاب

الشّرح:

ولمّا اشتممنا رائحة الزّهور المنتشرة في كلّ مكان من يافا، فأحسسنا وكأنّنا في جنّة من جنان الخلد. وبعد تحوّلنا من يافا إلى مدينة اللّدّ، اجتذبتنا أزاهيرها السّاحرة بألوانها وأشكالها العديدة. بعد أن ملأت ناظري من يافا، انتابني الحزن والأسى على الحال الذي وصل إليه العرب وفلسطين.

  • ويقول الجواهري:

فيا داري إذا ضاقَت ديارٌ

ويا صَحبيْ إذا قلَّ الصِحاب

ثِقوا أنّا تُوَحَّدُنا همومٌ

مُشارِكةٌ ويجمعُنا مُصاب

يُزَكينا من الماضي تُراثٌ

وفي مُستَقْبَلٍ جَذِلٍ نِصاب

لئنْ حُمَّ الوَداعُ فضِقتُ ذَرعاً

به، واشتفَّ مُهجتيَ الذَّهاب

فمِنْ أهلي إلى أهلي رجوعٌ

وعنْ وطَني إلى وطني إياب

الشرح:

أنت يا يافا داري عند فقدي للمكان، وأهلك إخواني وأصحابي عند فقدي للخلّان. ويا أهل يافا إنّ همومنا واحدة، وعدوّنا واحد. وإنّ ماضينا المجيد فيه عزّنا ونهضتنا، ويجعلنا نستبشر بمستقبل أفضل. إذا حان الرّحيل عن يافا، وضاقت به نفسي، فإنّي أعزّيها بأنّني راحل من وطني فلسطين إلى وطني العراق، ومودّع لأهلي أهل فلسطين إلى أهلي في العراق.

معاني المفردات في قصيدة يافا الجميلة

إنّ قصيدة يافا الجميلة من الشّعر العمودي الجزل، واختار لها الشاعر روي الباء والألفاظ الجزلة، والواضحة، حيث كرّر بعضها، ليصبغ أبياته بموسيقا داخليّة جميلة، مثل: "وطني، أهلي"، وقد استطاع الشّاعر من خلالها أن يصور لنا حبّه وإعجابه بيافا الجميلة وبشعبها الطّيب، وقد خيّم على القصيدة جوّ عاطفيّ قوميّ متنوّع من الحبّ والإعجاب والحزن على الفراق، مع تزاحم الصّور البيانية والمحسّنات البديعية، فتتشابك فيما بينها لترسم صورة فنيّة رائعة، فكانت قيمة القصيدة من خلال توظيف المحسنات البديعيّة، مثل: الطّباق الإيجاب "طبّق، فتّح/ الماضي، مستقبل" والصّور البيانية، مثل: فلسطينٌ "ونعمَ الأمُ، هذي بَناتُكِ"، فقد شبهها بالأمّ ولها بنات جميلات، وبعد شرح الأبيات السّابقة، لا بدّ من شرح وتوضيح بعض المفردات الغامضة التي مرّت في الأبيات السّابقة، لتصبح القصيدة أكثر وضوحًا وفهمًا، وفيما يأتي بيان بعض معاني تلك المفردات:

  • حطّ: نزل.
  • الرّكاب: الطّائرة.
  • تمطّر: انهمر المطر.
  • عارِض: سحاب مطلّ.
  • دجا: انتشر وانبسط.
  • سحاب: غيوم.
  • طرفي: ناظري، عيني.
  • مغانيها: منازلها.
  • انسياب: ذهاب في كلّ مكان، أتراب مماثلات في السنّ.
  • وهنا: "المدن الفلسطينيّة الأخرى".
  • خَود: شابّة ناعمة حسنة الخلق.
  • الكَعاب: الفتاة التي نهد ثديها.
  • طبّق: عمّ.
  • الأرج: الرّائحة الطّيبة.
  • الثّنايا: "الثّنيّة": الطّريق والمكان.
  • لاح: ظهر.
  • يانعة: شديدة الحمرة.
  • خضاب: الحنّاء ونحوه.
  • مقلة: عين.
  • الظّليل: الغزير.
  • حجاب: ساتر.
  • يزكّينا: يطهّرنا، يصلحنا.
  • جذل: بهيج، سعيد.
  • حمّ الوداع: بات قريبًا.
  • ضقت ذرعًا: تألمت.
  • اشتفّ: أخرج الشّيء من مكانه.
  • مهجتي: روحي.
  • إياب: رجوع.[٣]

المراجع[+]

  1. "محمد مهدي الجواهري"، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 21-4-2020. بتصرّف.
  2. "elsada.net"، elsada.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-4-2020. بتصرّف.
  3. "إياب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 22-4-2020. بتصرّف.