سؤال وجواب

وسائل الثبات على الطاعة


مفهوم الطاعة

الطاعة في معاجم اللغة من كلمة مصدرها طاعَ وجمعها طاعات، وهي تحمل معنى ما يفعله المرء فيما يؤمر به عن رضىً من النفس وانقيادٍ تامٍّ، وهي عكس المعصية وضدّ الكره تتمثّل بامتثال الأوامر والإبتعاد عن المنهيّات، وورد فيها أنّها لا تكون إلّا من بعد أمر، وأمّا الطاعة في الاصطلاح فهي ما يٌلخّصه قول الحافظ ابن حجر فيها: "الطاعة هي الإتيان بالمأمور به والانتهاء عن المنهي عنه، والعصيان بخلافه"، والطّاعة في الإسلام تتمثّل بالتزام أوامر الله -عزّ وجلّ- واجتناب ما نهى عنه في كتابه وسنّة نبيّه محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم، وطاعة أولي الأمر وغيرهم ممّن يستوجب له الطّاعة، والمقال سيسلّط الضوء على توفير الإجابة لسؤال ما هي وسائل الثبات على الطاعة؟[١]

كيف تداوم على الخيرات بعد انتهاء رمضان

شهر رمضان هو شهر التزوّد والخيرات والبركات ينهل من نهر خيراته الإنسان المسلمٌ ما لا ينهله في غيره من الأشهر، وكونه شهرٌ مباركٌ والأجر فيه مٌضاعفٌ فإنّ المرء يسعى لأن يكون فيه ذو عملٍ صالحٍ كثير، وما إن ينتهي هذا الشهر المبارك حتّى تبدأ الهمّة للأعمال الصّالحة بالفتور شيئًا فشيئًا، وعلى المرء أن يضع نٌصب أعينه أنّ العمل والطاعة في سبيل لله لا تكون محدودةً بزمانٍ أو مكان، بل هي واجبٌ على المرء حتّى يبلغ المرء أجله، قال تعالى في البلاء والوباء وتسلّط وكيد الأعداء وترزقه حُسن الختام، وقد ورد في الأثر عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه كان كثير الدعاء ب: "اللهم يا مقلّب القلوب والأبصار ثبّت قلبي على دينك"، وقد سلف إيضاح مفهوم الطّاعة ووجب توضيح الكيفيّة للثّبات عليها وعلى الحقّ، حيث يكون ذلك من خلال الإقرار بها والتماس نورها والتزامها ما استطاع المرء إلى ذلك سبيلًا.[٤] وقد هدى الله -عزّ وجلّ- عباده إلى الدّين الإسلاميّ ووضع لهم دستورًا في دينهم ودُنياهم يُضيءُ لهم ظلمات الدّنيا ويهديهم إلى صراط الله المستقيم، قال تعالى في سورة البقرة: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[٥]، فالثّبات على الطّاعة من الثّبات على الدّين بالامتثال المطلق لتعاليمه، فعلى المرء أن يحفظ دينه لأنّه من النّعم المعرّضة للزّوال كما أخبر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في الصّحيح من الحديث الذي رُوي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يُكثِرُ أن يقولَ: يا مُقَلِّبَ القلوبِ ثَبِّتْ قلبي على دِينك، قالوا: يا رسولَ اللهِ آمنَّا بك وبما جئتَ به فهل تخافُ علينا؟ قال: نعم، إنَّ القلوبَ بين إصبعَينِ من أصابع ِاللهِ يُقَلِّبُها"[٦]، ويحفظ المرء دينه من خلال تجنّب الوقوع في الفتن ومداومة الدّعاء بالهداية والثّبات مع إخلاص النّيّة لله سبحانه.[٤]

وسائل الثبات على الطاعة

إنّ الإجابة على سؤال كيف تداوم على فعل الخيرات يتلخّص في الوسائل التي تُساعد المرء على ثباته في طاعته، ولعلّ أبرز هذه الوسائل هو القلب، القلب الذي هو أصل كلّ شيءٍ في الإنسان، فهو أصل الصّلاح وأصل الفساد، أصل الاستقامة وأصل الاعوجاج، فمن صَلُح قلبه صَلُحَت جوارحه وفُتحت له أبواب الثّبات على الطّاعة على مصراعيها، ومن فسُد قلبه غُشّيت أبصاره وعميت بصيرته وابتعد بنفسه عن الطّاعة والامتثال لأمر الله سبحانه، وقد روى النعمان بن بشير -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: "ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ"[٧]، وعليه فإنّ الأصل في الثّبات على الطّاعة هو تحكيم القلب أوّلًا، والإكثار من العبادات والنوافل وقراءة القرآن الكريم والاستغفار والدعاء والتضرّع لوجه الله سبحانه.[٨]


نماذج من ثبات السابقين

إنّ الثبات على طاعة الله -عزّ وجلّ- من المظاهر التي أورد الله ذكرها في القرآن الكريم في عديد المواطن واختلاف المقاصد، فقد ذُكِر الثبات في سورة الأنفال كأمرٍ من الله للمؤمنين عند ملاقاة العدوّ، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[٩]، وقد ذكر الله الوسيلة الأمثل للثّبات من خلال التمسّك بكتابه في سورة النحل، قال تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}[١٠]، وفيما يأتي بعضُ النماذج والصّور الكثيرة لثبات الصّحابة والتّابعين -رضوان الله عليهم أجمعين- على دينهم وعلى طاعة الله ورسوله:[١١]

  • ثبات الصحابيّ الجليل بلال بن رباح -رضي الله عنه- حينما أخذ المشركين يقومون بتعذيبه في مكّة بوضع الحجارة السّاخنة على بطنه ليرتدّ عن دين الإسلام، ولم تفلح محاولات المشركين أمام ثباته وصدق إيمانه.
  • ثبات الصّحابيّ الجليل عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عندما أخذ يُرتّل القرآن جهرًا عند الكعبة واجتمعت عليه قريش يضربونه ويوجعونه، ولم يتوقّف عمّا بدأ به حتّى أنهاه رُغم أنوف المشركين.
  • ثبات الصّدّيق أبو بكرٍ -رضي الله عنه- حينما أخذ يخطب أمام الكعبة وجمهور المشركين يضربونه بنعالهم وحجارتهم، حتّى أصابوه إصاباتٍ شديدةٍ، وحُمِل إلى المنزل وهو في أشدّ الضرر من المشركين، ولم يثني ذلك من عزيمته على اعتناق الدّين والدعوة إليه علانيةً في سبيل الخالق سبحانه.

المراجع[+]

  1. "تعريف و معنى طاعة في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، 30-4-2020. بتصرّف.
  2. سورة الحجر، آية: 99.
  3. "من أبواب الخير في رمضان"، www.saaid.net، 30-4-2020. بتصرّف.
  4. ^ أ ب "الثبات على الطاعة"، al-maktaba.org، 30-4-2020. بتصرّف.
  5. سورة البقرة، آية: 132.
  6. رواه الألباني، في الإيمان لابن أبي شيبة، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 55، هذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن النعمان بن بشير، الصفحة أو الرقم: 1599، حديث صحيح.
  8. "الاستقامة أصل السعادة"، al-maktaba.org، 30-4-2020. بتصرّف.
  9. سورة الأنفال، آية: 45.
  10. سورة النحل، آية: 102.
  11. "نماذج من ثبات السابقين"، www.alukah.net، 30-4-2020. بتصرّف.