سؤال وجواب

سنن الله الكونية في نزول البلاء


مفهوم البلاء

البلاء في اللغة الاختبار، يقول بَلَى الرّجلَ وابتلاهُ إذا اختبره، وبلاهُ يبلُوَهُ إذا اختبره، ولذلك كان من أدعية المسلم: "اللهم لا تُبْلنا إلاّ بالتي هي أَحسن"؛ والمعنى أي: لا تمتحنّا، وقولهم ابتلاه الله إذا اختبره وامتحنه سواء بالخير أو الشر، والاسم من ذلك هو البلوى أو البلوة أو البليَة أو البليّة على اختلاف رسم الكلمة،[١] وأمّا في الاصطلاح فالابتلاء هو الامتحان والاختبار في شدائد الأمور كما يرى الإمام الطبري، أو هو امتحان الله -تعالى- واختباره للعبد، وهو بذلك إمّا أن يكون حَسَنًا وإمّا أن يكون سيّئًا كما يرى الإمام المُفسّر القرطبي رحمه الله تعالى، وفيما يأتي سيتحدث المقال عن سنن الله الكونية في نزول البلاء.[٢]

سنن الله الكونية في نزول البلاء

إنّ من سنن الله -تعالى- الكونيّة في خلقه سنن نزول البلاء، وسنة الله في نزول البلاء هي -كما يرى علماء المسلمين- قدرٌ مقدورٌ على العباد ليَمِيزَ منهم الخبيث من الطيّب؛ فقد قال -عزّ اسمه- في سورة العنكبوت: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}،[٣] فالعبد المؤمن في ابتلاء مستمر حتى يلقى الله تعالى،[٤] وابتلاؤه يكون على حسب قوة إيمانه؛ فمن اشتدّ إيمانه اشتدّ بلاؤه، والعكس كذلك، والابتلاء من الله تعالى يكون لعبده الذي يعلم أنّه مخلص له ليرفع من مكانته، ويُعلي شأنه، ويُمكّن له في الأرض ويستخلفه فيها، فقد أرسل الله -تعالى- نبيّه ليبتَليَه ويبتلي به الذين آمنوا معه، وهذه السنة باقية إلى قيام الساعة، فقد ثبت في الحديث الصحيح الذي جاء في صحيح مسلم أنّ الله تعالى حين نظر إلى أهل الأرض جميعًا قبل مبعث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فمقتهم إلّا بقايا من أهل الكتاب، فأرسل الله -تعالى- نبيّه ليبتليه ويبتلي به، فقال صلّى الله عليه وسلّم: "وَقالَ: إنَّما بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بكَ"،[٥] وواضح في الحديث الشريف هذا الحكمة من البلاء، وبعض الناس إذا أصابهم البلاء لم يصبروا عليه، بل يصل ببعضهم إلى الكفر بالله -سبحانه- والعياذ بالله؛ فكأنّه من الذين قال تعالى فيهم في أيّوب عليه السلام؛ فهو من بين أنبياء الله -عليهم السلام- مشهور بصبره الذي صار مضربًا للمثل، فقد ابتلاه الله -عزّ وجلّ- بفقد المال والأبناء والأهل، وأصابه مرضٌ في جسمه جعل الناس تنفر منه، فلم يبقَ له من أحدٍ إلّا امرأته التي كانت تقوم على خدمته وتعمل عند الناس بالأجرة لتطعمه، ومع هذا كلّه بقي صابرًا ذاكرًا لله شاكرًا له، وفي النهاية أوحى الله إليه أن اركض فنبعت تحته عين ماء بارد فاغتسل منها وعاد صحيحًا خاليًا من الأمراض وأعاد الله -تعالى- له أهله وأسرته وأمطر عليه من السماء الذهب والفضة وأغناه من فضله.[٨]

  • وممّا يُذكر في الصبر على البلاء أنّ أحد الصالحين كان في بلدة فيها ملكٌ يُجبر الناس على أكل لحم الخنزير، ففي يوم طلب الملكُ ذلك الرجل ليجبره على أكل لحم الخنزير، ولكن قبل ذلك جاء صاحب الشرطة بجدي وذبحه وقدّمه للملك لئلّا يجبر الرجل الصالح على أكل لحم الخنزير، وأخبر صاحب الشرطة الرجلَ الصالح بذلك، فحين جاء الملك بالرجل قال له: كل من هذا اللحم، فرفض الرجل، وهنا غمزه صاحب الشرطة أن كل؛ فهذا لحمٌ حلال، ولكنّ الرجل رفض الأكل، فأمر به الملك أن يُقتل، فأخذه صاحب الشرطة إلى الإعدام وسأله: لماذا لم تأكل اللحم وهو حلال؟ فقال له الرجل الصالح: "خفت أن يفتتن الناس بي، فإذا أُريدَ أحدُهم على أكلِ لحم الخنزير قال: قد أكله فلان؛ فيستنوا بي، فأكون فتنة لهم".[٩]
  • المراجع[+]

    1. "تعريف و معنى البلاء في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 03-05-2020. بتصرّف.
    2. "التمهيد في معنى البلاء في اللغة والاصطلاح"، مجلة البحوث الإسلامية، العدد 87، صفحة 168. بتصرّف.
    3. سورة العنكبوت، آية: 2.
    4. سعيد بن مسفر بن مفرح القحطاني، دروس للشيخ سعيد بن مسفر، صفحة 9، جزء 6. بتصرّف.
    5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عياض بن حمار، الصفحة أو الرقم: 2865، حديث صحيح.
    6. سورة الحج، آية: 11.
    7. خالد الراشد، دروس الشيخ خالد الراشد، صفحة 2، جزء 25. بتصرّف.
    8. أحمد فريد، دروس الشيخ أحمد فريد، صفحة 12، جزء 57.
    9. احمد فريد، دروس الشيخ أحمد فريد، صفحة 14، جزء 57. بتصرّف.