أمور فعلها أبو بكر من باب السياسة ا
مفهوم السياسة الشرعية
جاء في كتاب المصباح المنير تعريف مفهوم السياسة لغةً بأنَّها: "ساس زيدٌ الأمرَ، يسوسه أي: دبَّره وقام بأمرِهِ."، والسياسة في اللغة هي الإشراف والقيام على أمر ما بطريقة تؤدي إلى إصلاحه وتحسينه، أمَّا تعريف السياسة الشرعية شرعًا فهو اصطلاح أطلقه الفقهاء وعرفوه بأنَّه ما يفعله الحاكم أو الخليفة من أفعال تؤدي إلى الإصلاح وتنفع المصلحة العامة، ولا يُشترط في هذه الأفعال أن يكون لها دليل شرعي يجزئها من كتاب الله، أو سنة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، أو إجماع العلماء أو قياسهم على مسائل أخرى، وعُرِّفتِ السياسية الشرعية أيضًا بأنَّها: "تدبير شؤون الدولة الإسلامية التي لم يردْ بحكمها نصٌّ صريح، أو التي من شأنها أن تتغير، وتتبدل بما فيه مصلحة الأمة"، وهذا المقال سيسلِّط الضوء على أمور فعلها أبو بكر من باب السياسة الشرعية، كما سيتحدَّث عن خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه.[١]
أمور فعلها أبو بكر من باب السياسة الشرعية
في الحديث عن أمور فعلها أبو بكر من باب السياسة الشرعية، بداية يجب القول إنَّ الصحابي الجليل أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- استلمَ خلافة المسلمين بعد وفاة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في السنة الحادية عشرة للهجرة، وهو من خيرة الصحابة الكرام، فكان مما لا شكَّ فيه أنَّ سياسة أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- في حكم المسلمين ستكون على نهج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقد جاء عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه قال: "أوصيكم بتقوى اللَّهِ والسَّمعِ والطَّاعةِ وإن عبدٌ حبشيٌّ فإنَّهُ من يعِش منْكم يرَ اختلافًا كثيرًا وإيَّاكم ومحدَثاتِ الأمورِ فإنَّها ضَلالةٌ فمن أدرَكَ ذلِكَ منْكم فعليْهِ بِسُنَّتي وسنَّةِ الخلفاءِ الرَّاشدينَ المَهديِّينَ عضُّوا عليْها بالنَّواجذِ"،[٢] وهناك أمور فعلها أبو بكر الصديق من باب السياسة الشرعية، وهي تصرفات تشرح وتبين السياسة الشرعية التي اتبعها أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- في فترة خلافته للمسلمين والتي استمرتْ عامين وثلاثة شهور فقط، ولعلَّ أبرز ما يبين ويوضِّح سياسة أبي بكر الشرعية في خلافته هي خطبته التي استهلَّ بها استلامه خلافة المسلمين بعد رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام، يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه: "أما بعد أيها الناس، فإنِّي قد وليت عليكم ولستٌ بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصِّدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم".[٣]
إنَّ هذه الكلمات التي قالها أبو بكر الصديق في مستهل خلافته، ألقت الضوء على سياسته الشرعية في حكم المسلمين، حيث يتضحُ كمال عدله وتقواه في قوله: "فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني"، وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "هذا من كمال عدله وتقواه، وواجب على كل إمامٍ أن يقتدي به في ذلك، وواجب على الرعية أن تعامل الأئمة بذلك، فإن استقام الإمام أعانوه على طاعة الله تعالى، وإن زاغ وأخطأ بينوا له الصواب ودلوه عليه، وإن تعمد ظلما منعوه منه بحسب الإمكان"، وثمَّة أمور فعلها أبو بكر الصديق وشدَّد عليها، توضحُ هذه الأمور سياسته الشرعية التي حكم فيها المسلمين، حيث كان أبو بكر يرى أنَّ من واجباته كخليفة للمسلمين حفظ الشريعة والجهاد من أجلها؛ حتَّى أنَّه سيَّر الجيوش لقتال المردين وردَّهم على أعقابهم، ومن سياسته أنَّه كان يؤمن أنَّ من واجبات الخليفة أن يسيِّر جيوس المسلمين لفتح الأمصار ونشر الإسلام، فسيَّر الجيوش إلى فارس والروم ولم يتوانَ عن ذلك ثانية واحدة، وكان أبو بكر أيضًا يرى أنَّ شرع الله تعالى يُطبَّق على جميع من في الدولة، ولا يستثنى منه أحد أيَّا كان حتَّى الخليفة ذاته، فجميع الناس متساوون أمام شرع الله تعالى، وقد اعتبر نفسه كحاكم أجيرًا عند المسلمين يحكمهم ويقوم على رعايتهم مقابل أجر مالي يحدده المسلمون له، جاء في صحيح البخاري ما يأتي: "أنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قالَتْ: لَمَّا اسْتُخْلِفَ أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، قالَ: لقَدْ عَلِمَ قَوْمِي أنَّ حِرْفَتي لَمْ تَكُنْ تَعْجِزُ عن مَئُونَةِ أهْلِي، وشُغِلْتُ بأَمْرِ المُسْلِمِينَ، فَسَيَأْكُلُ آلُ أبِي بَكْرٍ مِن هذا المَالِ، ويَحْتَرِفُ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ"،[٤] ومما جاء من أمور فعلها أبو بكر من باب السياسة الشرعية أنَّه كان ينفق أموال الدولة على ما ينفع المسلمين، وما يزيد من هذا المال كان يوزِّعه على المسلمين، صغيرهم وكبيرهم بعدل وأمانة، والله تعالى أعلم.[٣]
خلافة أبي بكر الصديق
بعد التفصيل في كل ما جاء من أمور فعلها أبو بكر من باب السياسة الشرعية، سيتم إلقاء على خلافة أبي بكر الصديق التي بدأت بعد وفاة رسول الله واستمرَّت سنتين وثلاثة شهور تقريبًا، وفي هذه الفترة تمكَّن أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- من إعادة توطيد أركان الجزيرة العربية التي ثارت فيها قبائل عربية كثيرة وارتدَّت عن الإسلام، فسيَّر أبو بكر الجيوش وحارب المرتدين ومدِّعي النبوَّة حتَّى هزمهم وأخضع الجزيرة العربية وأعاد نشر الإسلام في كامل أرجائها، كما تمَّكن أبو بكر الصديق من تسيير الجيوش لمحاربة الفرس في العراق، ومحاربة الروم في بلاد الشام، فكانت في عهده بداية الفتوحات الإسلامية في فارس والروم، كما تمكَّن أبو بكر الصديق في فترة خلافته من حفظ الشورى الذي دعا إليه الله تعالى في القرآن الكريم، فكان لا يقدم على أمر إلَّا استشار المسلمين به وعمل بمشورتهم، فأسس أركان الدولة الإسلامية التي بدأها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، والتي تمكَّن أبو بكر من إرساء دعائمها وتعزيز قاعدة بنيانها، حتَّى وافته المنية بعد عامين وثلاثة شهور من خلافته، ليستلم بعده الحكم فاروق الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.[٥]
المراجع[+]
- ↑ "كتاب السياسة الشرعية - جامعة المدينة"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 03-05-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن العرباض بن سارية، الصفحة أو الرقم: 2676، حديث صحيح.
- ^ أ ب "سياسة أبي بكر الشرعية"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 03-05-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2070، حديث صحيح.
- ↑ "أبو بكر الصديق"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 03-05-2020. بتصرّف.