سؤال وجواب

ماهو تحليل قصيدة تموز جيكور


ماهو تحليل قصيدة تموز جيكور

تعدُُّ قصيدة جيكور تموز واحدة من القصائد التي عبّر بها السيّاب عن انتمائه لقريته الريفية بجوّها الشاعري الجميل، وهي قصيدة من قصائد التفعيلة الحديثة، فن التفعيلة الذي كان السيّاب أحد أبرز مؤسسيه، ويقول السيّاب في قصيدته جيكور تموز: 

نابُ الخنزيرِ يشقُّ يديْ

ويغوصُ لظاهُ إلى كَبِدِي

ودمِي يتدفَّقُ ينسابُ

لم يغدُ شقائقَ أو قمحَا

لكنْ ملحا

عشتارُ وتخفقُ أثوابُ

وترفُّ حيالي أعشابُ

من نعلٍ يخفقُ كالبرقِ

كالبرقِ الخُلَّبِ ينسابُ

لو يومضُ في عرقِي

نور فيضيء لي الدُّنيا

لو أنهضُ لو أحيا

لو أسقى آه لو أسقي

لو أنَّ عروقي أعنابُ

وتقبل ثغري عشتارُ

فكأنَّ على فمها ظلمةْ

تنثال علي وتنطبقُ

فيموت بعيني الألقُ

أنا والعتمةْ

يتخيّل الشاعر بدر شاكر السيّاب في هذا المقطع أنَّ الخنزير البري الذي قتلَ تموزَ نالَ منهُ أيضًا فسال دمُهُ، فأنبتَ دمُهُ ملحًا ولم ينبتْ شقائق كما وردَ في أسطورة تموز، ثم يتوجَّه السياب بخطابِهِ إلى عشتار متمنيًا لو أنَّها تُقبِّلُهُ ولو كانت قبلتها مجرّد ظلمة تغشاه وتنطبق عليه فيموت بعينيه ضوء الحياة والنور.

جيكورُ ستولدُ جيكورُ

النورُ سيورِقُ والنُّورُ

جيكورُ ستولدُ من جرحِي

من غصةِ موتِي منْ ناري

سيفيضُ البيدرُ بالقمحِ

والجرن سيضحك للصبحِ

والقريةُ دارًا عن دارِ

تتماوج أنغامًا حلوةْ

والشيخُ ينامُ على الربوة

والنَّخلُ يوسْوسُ أسرارِي

جيكورُ ستولدُ لكنِّي

لنْ أخرجَ فيها منْ سِجْنِي

في ليلِ الطِّينِ الممدودِ

لن ينبضَ قلبي كاللحنِ

فِي الأوتار

لنْ يخفقَ فيه سوى الدودِ

يؤكِّدُ السيَّابُ في هذا المقطع أنَّ جيكور قريته الريفية ستولد وتخرج من جرحه ومن غصة موتِهِ وستملأ الأرض قمحًا وتورق الأشجار ويعمّ الفرح قلوب الناس أجمعين، ويصف ويفصل في مشاهد الرح التي ستكون عند ولادة جيكور، ولكنَّه يؤكّد أنَّه الوحيد الذي سيبقى في حزنِهِ حزينًا مسجونًا يعجُّ قلبُهُ الدود ويخفق به فقط.

هيهاتَ أتولدُ جيكورُ

إلا من خضة ميلادي؟

هيهاتَ أينبثقُ النُّورُ

ودمائِي تُظلَمُ في الوادِي؟

أيسقسِقُ فيها عصفورُ

ولسانِي كومةُ أعواد؟

والحقلُ متى يلدُ القَمْحا

والوردُ وجرحِيَ مغفورُ

وعظامِي ناضحةٌ ملحَا

لا شيءَ سوى العدمِ العدمِ

والموتُ هو الموتُ الباقي

يا ليلُ أظلَّ مسيلَ دمي

ولتغدُ ترابًا أعراقِي

هيهاتَ أتولدُ جيكورُ

من حقدِ الخنزير المتدثِّر بالليلِ

والقبلةُ برعمةُ القتلِ

والغيمةُ رملٌ منثورُ

يا جيكورُ

يتراجع السياب عن حُلمِهِ في هذا المقطع، حلمه بولادة جيكور من جديد كما أرادها هو تمامًا، فيبدأ بالاستفهام وطرح الأسئلة عن كيفية ولادة هذه القرية من جديد ويضع عوائق خيالية في باله ليمنع ولادتها من جديد من هذا الجرح المفتوح في قلبِهِ، فكيف لجيكور أن تولد من جديد في وقت تظلم فيه دماء الشاعر في الوادي، وتنضح عظامه بالملح والأسى.