سؤال وجواب

الإعجاز-التربوي-ألم-تر-إلى-الذي-حا


الإعجاز التربوي في القرآن الكريم

يعدّ كتاب الله -سبحانه وتعالى- كتابًا معجزًا بكلِّ جوانبه، فهو أبلغ كتاب موجود باللغة العربية الفصحى، وهذا ما جعل الإعجاز البلاغي فيه حاضرًا في كلِّ حروفه وكلماته، كما أنَّ الحقائق العلمية التي أخبر بها القرآن الكريم أرست دعائم الإعجاز العلمي المكتشف حديثًا، وقد مثَّل القرآن الكريم أسمى صور الإعجاز التربوي في هذه الحياة من خلال الحوارات التربوية العظيمة التي وردت في آياته، ومن خلال الأحكام التربوية التي نصَّ عليها وكتبها للناس أجمعين، هذه الأحكام التي تنظم شؤون حياة الإنسان كاملة إعجازًا تربويًا تشريعيًا من الله رب العالمين، وهذا المقال سيسلط الضوء على الإعجاز التربوي ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه في سورة البقرة.

تعريف سورة البقرة

تعدّ سورة البقرة سورة من السور القرآنية المدنية، أي هي سورة نزلت على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في المدينة المنورة، وهي السورة الأولى التي نزلت في المدينة المنورة، وتعدّ سورة البقرة من السور الطوال، فهي أطول سورة قرآنية في كتاب الله -تبارك وتعالى- حيث يبلغ عدد آياتها حوالي 286 آية، وهي السورة الثانية في ترتيب المصحف الشريف بعد سورة الفاتحة مباشرة، وتبدأ سورة البقرة بأحرف مقطعة، قال تعالى: {الم * ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [١]، وقد ذُكر لفظ الجلالة في هذه السورة الكريمة أكثر من مئة مرة، وقد سُمِّيت سورة البقرة بهذا الاسم لأنَّ آياتها تضمنت قصة المعجزة الإلهية التي أيَّدَ الله بها نبيه موسى -عليه السَّلام- حيث أمر بني إسرائيل أن يذبحوا بقرة صفراء وأن يضربوا عظمها بعظم الميت فيحيا الميت بإذن الله ويخبر عن اسم قاتله، قال تعالى: "وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ" [٢]، وقد تضمنت سورة البقرة في آياتها آية الكرسي، وتضمنت أيضًا أطول آية في كتاب الله على الاطلاق وهي آية الدين، ولأنها سورة من السور المدينة فقد اهتمت سورة البقرة بعرض الجوانب التشريعي ككلِّ السور المدنية التي اهتمت بهذا الجانب التشريعي الذي يحتاجه المسلمون في حياتهم الاجتماعية وفي معاملاتهم وحياتهم، والله أعلم. [٣]

شرح قوله ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه

يقول الله -عزَّ وجلَّ- في سورة البقرة: {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [٤]، وقد كثرت تفاسير العلماء في شرح هذه الآية المباركة، فقال أبو جعفر: "يعني تعالى ذكره بقوله: {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه}: ألم تَرَ، يا محمد، بقلبِكَ"، فالرؤية هنا ليست مادية إنَّما رؤية قلبية معنوية، وفي تكملة شرح الآية الكريمة، يقول مجاهد: {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك} هو نمرود بن كنعان، وقال قتادة عن هذا الملك الذي آتاه الله الملك: "وهو أول ملك تجبر في الأرض، وهو صاحب الصرح ببابل"، وفي شرح قوله تعالى: {إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} يقول أبو جعفر: "ربي الذي بيده الحياة والموت، يحيي من يشاء ويميت من أراد بعد الإحياء، قال: أنا أفعل ذلك، فأحيي وأميت، أستحيي من أردت قتله فلا أقتله، وأقتل آخر، فيكون ذلك مني إماتة له"، وفي شرح قوله تعالى: {قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، يقول أبو جعفر أيضًا: "قال إبراهيم: فإنَّ الله الذي هو ربِّي يأتي بالشَّمس من مشْرقِها، فأْتِ بها -إنْ كنتَ صادقًا أنَّك إله- من مغربِها! قال الله تعالى ذكره: "فبُهتَ الذي كَفَر"، يعني انقطع وبطُلَتْ حجَّتُهُ"، فالله تعالى لا يهدي الظالمين ويهدي المتقين، والله تعالى أعلم. [٥]

الإعجاز التربوي ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه

يمثل قوله تعالى ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أسمى صور الإعجاز التربوي في الإسلام، فقليل من المتابعة لقصة نبي الله إبراهيم -عليه السَّلام- مع هذا النمرود، تظهر الادعاءات الكاذبة التي ادعاها نمرود لنفسه، وهي أنَّه يحيي ويميت وأنَّه إله من الآلهة، فما كان من إبراهيم -عليه الصَّلاة والسَّلام- إلَّا أن حاوره حوارًا عقلانيًا وحاججه وغلبه بالدلائل والبراهين، ووقف في وجه خوفًا من أن يؤلِّهه الناس، فحاججه نبي الله إبراهيم وناقشه نقاشًا عظيمًا، قال تعالى: {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [٤]، فقد أدار نبي الله إبراهيم هذا الحوار ليصل به إلى مراده وهو {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، فمثلت هذه الآية المباركة صورة ومثالًا من أمثلة الإعجاز التربوي في القرآن الكريم، فقد كانت هذه الآية درسًا من دروس التعامل مع المشركين وإقناعهم بوحدانية الله تعالى، وكانت آية من الآيات التي تظهر فيها قدرة الله تعالى على البعث والإحياء، والله تعالى أعلم. [٦]

أنواع الإعجاز في القرآن الكريم

بعد الحديث عن الإعجاز العلمي في قوله ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه في سورة البقرة، سيتم الحديث عن أنواع الإعجاز في القرآن الكريم، وهنا يمكن القول إنَّ الإعجاز في القرآن يتجسد في أمرين اثنين، أولهما إعجاز كتاب الله تعالى في الألفاظ والتراكيب، وفي بلاغة هذه الألفاظ والتراكيب، فالقرآن الكريم يجمع في سوره كثيرًا من المعاني الإلهية العظيمة، التي عجز عن الإتيان بمثّلها فصحاء العرب الأفذاذ وحكماؤهم وشعراؤهم، قال تعالى في محكم التنزيل: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ} [٧]، إضافة إلى الإعجاز العلمي، وهو إخبار القرآن الكريم بحقائق علمية كبيرة لم يكتشفها الإنسان إلَّا في القرن الماضي أو السنوات الأخيرة من القرن الماضي التي تطور فيها العلم الحديث، يقول السيوطي في هذا المجال: "اختلف أهل العلم في وجه إعجاز القرآن، فذكروا في ذلك وجوهًا كثيرة كلُّها حكمة وصواب، وما بلغوا في وجوه إعجازه جزءًا واحدًا من عشرة معشاره"، والله أعلم. [٨]

المراجع[+]

  1. {البقرة: الآية 1-2}
  2. {البقرة: الآية 67}
  3. سورة البقرة, ، "www.wikiwand.com"، اطُّلِع عليه بتاريخ 17-03-2019، بتصرّف
  4. ^ أ ب {البقرة: الآية 258}
  5. تفسير سورة البقرة, ، "www.quran.ksu.edu.sa"، اطُّلِع عليه بتاريخ 17-03-2019، بتصرّف
  6. الإعجاز التربوي في آية, ، "www.alukah.net"، اطُّلِع عليه بتاريخ 17-03-2019، بتصرّف
  7. {الطور: الآية 34}
  8. إعجاز القرآن: معناه، أنواعه ووجوهه, ، "www.islamweb.net"، اطُّلِع عليه بتاريخ 17-03-2019، بتصرّف