ما-هو-القرين
علاقة الجن بالإنس
إنّ معنى الجنّ في اللغة "نوعٌ من العالَم سمُّوا بذلك لاجْتِنانِهم عن الأَبصار ولأَنهم اسْتَجَنُّوا من الناس فلا يُرَوْن، والجمع جِنانٌ، وهم الجِنَّة"،[١] وهم أقوام مختلفون عن البشر والملائكة، وهم أقوام لهم أجناس مختلفة فيما بينهم قد خلقهم الله -تعالى- لعبادته حالهم حال المخلوقات الأخرى من بشر وملائكة وحجر وشجر، وهم في أنفسهم يختلفون عن بعضهم بعضًا؛ فمنهم المسلم ومنهم الكافر، ومن المسلم المؤمن ومنهم المسلم العاصي والضال والمبتعد عن طريق الهداية، أو المتّبع لفرق ضالّة، يقول تعالى في سورة الجنّ: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَٰلِكَ ۖ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا}،[٢] ومن الجنّ من يُوكّل بالإنسان فيلازمه طوال حياته، وهو القرين.[٣]
ما هو القرين
القرين لغة يعني المُصاحب، واصطلاحًا في الشريعة الإسلاميّة يعني شيطانٌ موكَّلٌ بالإنسان يلازمه منذ ولادته ويدفعه نحو المعاصي والضلال، يقول تعالى في صحيح مسلم: "ما مِنكُم مِن أحَدٍ، إلَّا وقدْ وُكِّلَ به قَرِينُهُ مِنَ الجِنِّ"، قالوا: وإيَّاكَ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: "وإيَّايَ؛ إلَّا أنَّ اللَّهَ أعانَنِي عليه فأسْلَمَ، فلا يَأْمُرُنِي إلَّا بخَيْرٍ"،[٨] وبذلك يكون أمر القرين حقيقة لا مجال للنّقاش فيها، ولا يُعصَمُ منه إلّا النبيّ عليه الصلاة والسلام، بل قد روي عن الصدّيق -رضي الله عنه- أنّه قال يومًا وهو على المنبر: "إنّ النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- كان يعتصمُ بالوحي، وإنّ لي شيطانًا يعتريني؛ فإن استقمت فأعينوني، وإن زغت فقوّموني".[٩]
بل أبعد من ذلك فالقرين يلازم الآدميّ منذ ولادته، ولم ينجُ من مسّه عند الولادة سوى مريم ابنة عمران وابنها المسيح عيسى بن مريم عليهما السّلام، فالحديث الذي يرويه رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- في صحيح البخاري يُفيدُ أنّ الإنسان عندما يصرخ عند ولادته فهذا بفعل طعنة يطعنها الشّيطان للإنسان حين يولد، فيقول -عليه أفضل الصّلاة وأتمّ السّلام- فيما يرويه عنه أبو هريرة رضي الله عنه: "كُلُّ بَنِي آدَمَ يَطْعُنُ الشَّيْطانُ في جَنْبَيْهِ بإصْبَعِهِ حِينَ يُولَدُ، غيرَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، ذَهَبَ يَطْعُنُ فَطَعَنَ في الحِجابِ،[١٠] وستقف الفقرة القادمة على علاقة القرين بالإنسان، ومدى تأثير القرين على قرينه، وكيف يمكن الاستعانة على شرور ذلك القرين الخبيث.[١١]
علاقة القرين بالإنسان
بعد الوقوف على حقيقة القرين وماهيّته بقي أن يوقف على علاقة القرين بالإنسان، إنّ علاقة القرين بالإنسان تبدأ منذ الولادة، وتتمثّل مهمّة القرين منذ ولادة ابن آدم في إضلاله وإبعاده عن طريق الحقّ بالوسوسة، وهذا القرين شيطان خبيث كافر، ولا يمكن للإنسان مهما اجتهد أن يجعله يُسلم، بل إنّ كثيرًا من العلماء ذهبوا إلى أنّ المقصود بقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: "إلَّا أنَّ اللَّهَ أعانَنِي عليه فأسْلَم"[٨] هو أنّ الشّيطان هذا قد خَنَسَ وذلّ لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتتلخّص علاقة القرين بالإنسان بأمور عدّة، منها:[١٢]
- أنّه يوسوس له: والاستعانة على وسوسته تكون بالاستعاذة بالله منه كما أمر -سبحانه- في سورة الناس: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَٰهِ النَّاسِ * مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}،[١٣] والوسوسة في الأصل هي الصّوت الخفي، واطلقت على ما يقذفه الشيطان في صدر الإنسان من مفاسد يكون عن طريق حديث النفس والفِكَر.[١٤]
- أنّه يُنسيه الخير: كما قال تعالى في سورة يوسف: {فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ}؛[١٥] إذ إنّ نبي الله يوسف -عليه السلام- قد قال للذي سيخرج من المَسجُونَين أن يذكر مظلمته للملك، وفي ذلك غفلة منه عن ذكر الله الذي لو ناجاه لأسرع بإخراجه من السجن، ولذلك فقد أطال الله -تعالى- حبسه؛ ليعلم العبد ألّا نصير له إلّا الله جلّ ثناؤه.[١٦]
- أنّه يعِدُهُ ويُمنّيه: وفي ذلك يقول تعالى في سورة النساء: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا}.[١٧]
- أنّه يقذف في قلبه الوسوسة المُرعبة: وفي ذلك يقول تعالى: {إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ}،[١٨] والحلّ في ذلك كلّه الاستعاذة بالله -تعالى- والاستعانة به لقهر ذلك الخبيث ولتثبيت القدم على طريق الهداية وعلى المِحجّة البيضاء التي ترك رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- النّاس عليها عند وفاته، والله أعلم.
المراجع[+]
- ↑ "تعريف و معنى الجن في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 15-02-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة الجن، آية: 11.
- ↑ "علاقة الجن بالإنس وما علامات المس"، www.binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 15-02-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة ق، آية: 27-29.
- ↑ سورة ق، آية: 27.
- ↑ سورة إبراهيم، آية: 22.
- ↑ "لكل إنسان قرين من الجن"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 15-02-2020. بتصرّف.
- ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 2814، حديث صحيح.
- ↑ "القرين"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-02-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3286، حديث صحيح.
- ↑ "الموسوعة الحديثية - شروح الأحاديث"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-02-2020. بتصرّف.
- ↑ "القرين... ماهيته... وسائله في الغواية.. وحاله مع نبي الله"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-02-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة الناس، آية: 1-6.
- ↑ "تعريف و معنى يوسوس في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 15-02-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة يوسف، آية: 42.
- ↑ "القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة يوسف - الآية 42"، www.quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 15-02-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 120.
- ↑ سورة آل عِمران، آية: 175.