سؤال وجواب

تعريف-الرشوة


المحرمات في الإسلام

يكثر في هذا الزمن المحرمات ويسهُل الوصول إليها في ظلِّ الانفتاح العالمي الذي قد وصل إلى كل بيتٍ وإلى كل فردٍ في المجتمع، وقد يخطئ البعض في معرفة أحكام الأمور الشريعة، فيظن حِلَّها وهي محرمة أو العكس، والمحرَّمات توجِبُ الإثمَ على صاحبها، ومنها ما هو من الكبائر ومنها ما هو من الصغائر، والحرام: هو ما طلب الشارع من العباد تركه من الأمور طلبًا جازمًا، ويُؤجر العبد بتركه إذا تركه امتثالًا لله سبحانَه وتعالى، أما إذا كان الترك بسبب الخوف أو العجز أو الحياء فلا يُؤجَر عليه، ومن بعض هذه المحرمات الرشوة؛ فما هو تعريف الرِشوة ؟ وما أنواعها؟ وما حكمها؟ وما الأضرار الناتجة عنها؟[١]

تعريف الرشوة

قام العلماءُ بتعريف الرشوة شرعًا على أنها: كل ما يتمُّ إعطائه لإبطال حق، أو لإحقاق باطل، وهي من أخطر الظواهر التي قد تفَشَّت في المجتمعات، وما تفشَّت هذه الظاهرة في مجتمعٍ إلا وتلاشت أركانُه وهبطت مستوى أخلاقياته وضاع الحق فيها، فيصبح مالك الحق خائفًا، لأنه لن يصل إلى حقه إلا إذا أقدَمَ على الرشوة،[٢] وقد قيل في تعريف الرشوة أيضًا أنها: دفعُ مالٍ ونحوه إلى شخص أخر لقضاءِ حاجة لا يمكن الوصول إليها بالنسبة لدافعِ المال إلا بالرشوة، سواء كانت هذه الحاجة موصلة إلى حق أو إلى باطل.[٣]

ولا يكاد يوجد ظالم يريد أن يرفع ظلمه إلا وقدَّم رشوة لمن يستطيع رفعها، والمرتشي وهو من تُقدَّمُ إليه الرشوة والراشي من يُقدِّمُ الرشوة للمرتشي، وقد يصل الأمر إلى المرتشي ليُعلن عن الرشوة ويُصرح بها ويُجادل في مقدارها بلا خجلٍ ولا حياء، فيصبح في ذلك أضرارٌ من ضياع الحقوق والكرامة وانخفاض الجد في العمل ليحِلَّ محلُها الرشوة، والرشوة لها أسباب عديدة وأولها ضعف الوازع الديني والطمع وعدم وجود القناعة والأنانية وضعف الشعور الاجتماعي، فالمرتشي لا يقف عند حد معين من الرشوة، لأن ما ينقصه حقيقة ليس المال وإنما عنده فقراً معنويًا وفقرًا في دينه وأخلاقه ومبادئه، وغيرها من الأمور التي قد تدفع إلى انتشار هذه الظاهرة المدمرة.[٢]

أنواع الرشوة

للرشوة أنواع عديدة كما ظهر في تعريف الرشوة وهذا التقسيم يأتي من خلال الحالات والأطراف التي تفرِض الرشوة على الأخر فمن الرشوة مثلًا، قضاء حوائج المسؤول لكي يتم التغاضي عن أخطائه في العمل، ومن الرشوة أيضًا أن يتم دفع قسم من المال للمسؤول لكي يوظف بعض الأفراد، ومن الرشوة كذلك أن يتم دفع المال من أجل تزوير الشهادات أو إعطاء الطلاب أسئلة الامتحانات أو مخالفة أنظمة قانونية تم وضعها من قبل المختصين.[٢]

ولكن في بعض الصور يكون فيها البعض مضطَرًا إلى دفع الرشوة مثلًا للوصول إلى حقٍ لا يصل إليه إلا بدفع الرِّشوة أو رفع ظلم لا يستطيع رفعه إلا بالرشوة، فقد يكون غير راضٍ عن دفع الرشوة ولكن يضطر لدفعها للحالاتِ السابقة، فما هو الحكم الشرعي في هذه الحالات وهل تدخل في مفهوم تعريف الرشوة الذي اصطلح العلماء على ذكره؟.[٢]

حكم الرشوة

أما الحُكم الشرعي للرشوة فهو مأخوذٌ من تعريف الرشوة بحيث أن كل ما يجعل الباطل حقًا أو يجعل الحق باطلًا فهو حرام، فالرشوة حرام بكل صورها بإجماع كل علماء أهل السنة والجماعة سواءٌ كانوا متقدمين أو معاصرين، وقد ثبت تحريمُها بالقرآن الكريم والسنة النبوية فقال الله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}،[٤] قال الإمام الذهبي: أي لا تدلوا بأموالكم إلى الحكام ولا ترشوهم ليقطعوا لكم حقًا لغيركم وأنتم تعلمون أنه لا يحل لكم، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لعَن اللهُ الرَّاشيَ والمُرتشيَ".[٥][٦]

والرشوة كبيرة من الكبائر ويقع إثمها على الراشي والمرتشي معًا، أما إذا كان دفع الرشوة بهدف رفع الظلم عن شخص في دينه أو دُنياه أو رد حقٍ لم يستطع الوصول إليه إلا بالرشوة، فهنا تخرج هذه الحالة من مفهوم تعريف الرشوة وتجوزُ شرعًا، ويكون الإثم فيها على المرتشي من غير الراشي.[٢] وقد قال ابن نجيم: أن الرشوة على أربعةِ أوجه منها ما هو حرام من الطرفين ومنها ما هو حرام على الآخذ لا المعطي.[٧]

وعقوبة الرشوة تأتي في الدنيا قبل يوم القيامة لقوله -صلى الله عليه وسلَّم-: "ما من ذنبٍ أجدرُ أن يُعجِّلَ اللهُ لصاحبِه العقوبةَ في الدُّنيا مع ما يدَّخِرُ له في الآخرةِ من البَغْيِ، وقطيعةِ الرَّحِمِ"،[٨] والرشوة صورة من صور البغي، ويوجد لمن يتعامل بالرشوة عقوبة التعزير لكي يُضمَن عدم معاودته للرشوة ويكون التعزير إما بالمال كأن يدفع قدرًا من المال يناسب حجم رشوته، وإما أن يعزَّر بالحبس وهذا ثابت في الشرع، فسجن الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- ضابئ بن الحارث عندما أقدم على هذا الفعل، وكذلك فعل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، ويجدر الإشارة إلى أنه يجب على المرتشي التوبة إلى الله سبحانه وتعالى ويجب على المجتمع عدم السكوت عن هذه الظاهرة، فالسكوت عنها يدل على الإقرار بها، وبذلك تعُمُّ العقوبة الحسية والمعنوية على المجتمعِ بأكمله ويصبح الجميع مشتركًا بالجريمة.[٢]

أدلة على حكم الرشوة

قد تبين من تعريف الرشوة وحكمها وأثرها على تعاون المجتمع وهذه أدلة يستزيد بها المستدل على حرمة الرشوة، ومن الأدلة التي تؤكد حكم الرشوة في الإسلام ما يأتي:[٦]

  • الدليل القرآني في سورة المائدة: قال سبحانه وتعالى: {لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}،[٩]قال ابن مسعود مفسرًا السحت أي الرشوة.
  • الدليل القرآني في سورة الأعراف: قال سبحانه وتعالى: {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا الْأَدْنَىٰ}،[١٠] قال الإمام البغوي مفسرًا أي يرتشون في الأحكام.
وروى الشيخان عن أبي حميد الساعدي قال: "استَعمَلَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- رَجُلًا مِنَ الأزْدِ يُقالُ له ابنُ الأُتبِيَّةِ على صَدَقةٍ، فلمَّا قدِمَ قال: هذا لكم، وهذا أُهديَ إليَّ. فقامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على المِنبَرِ، فحمِدَ اللهَ -عزَّ وجلَّ-، وأثْنى عليه، ثم قال: ما بالُ العامِلِ نَبعَثُهُ فيَجيءُ فيَقولُ: هذا لكم، وهذا أُهديَ إليَّ، فهَلَّا جلَسَ في بَيتِ أُمِّهِ أو بَيتِ أبيهِ فيَنظُرَ مَن يُهدي إليه، والذي نفْسُ مُحمَّدٍ بيَدِهِ، لا يَأخُذُ أحدٌ منه شَيئًا إلَّا جاءَ به على رَقَبتِهِ يَحمِلُهُ يَومَ القيامةِ، بَعيرًا له رُغاءٌ، أو بَقَرةً لها خوارٌ، أو شاةً تَيْعَرُ. ثم رفَعَ يَدَيْهِ حتى رأيْنا عُقدةَ إبْطَيْهِ، فقال: اللَّهمَّ هل بلَّغتُ، اللَّهمَّ هل بلَّغتُ، اللَّهمَّ هل بلَّغتُ"،[١١] قال عمر بن عبد العزيز: كانت الهدية في زمن رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- هدية، واليوم رشوة.[٦]

المراجع[+]

  1. "تعريف الحرام والمكروه"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 09-29-2019. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح "الرشوة: أسبابها وعلاجها"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 09-30-2019. بتصرّف.
  3. "الغلول والرشوة"، www.ahlalhdeeth.com، اطّلع عليه بتاريخ 10-02-2019. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية: 188.
  5. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 5077، أخرجه في صحيحه.
  6. ^ أ ب ت "بحث في الرشوة"، www.ahlalhdeeth.com، اطّلع عليه بتاريخ 09-30-2019. بتصرّف.
  7. "أنواع الرشوة وأحكامها"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-02-2019. بتصرّف.
  8. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن نفيع بن الحارث الثقفي أبو بكرة، الصفحة أو الرقم: 2511، حسن صحيح.
  9. سورة المائدة، آية: 63.
  10. سورة الأعراف، آية: 169.
  11. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج مشكل الآثار، عن أبو حميد الساعدي، الصفحة أو الرقم: 4340 ، إسناده صحيح على شرط الشيخين.