سؤال وجواب

من-هم-الخوارج


نشأة الخوارج

إنّ نشأة الخوارج في التاريخ الإسلامي هو أمر مُختَلَفٌ فيه، فبين من يرى أنّ ذلك بدأ مع ذي الخويصرة التميميّ الذي أساء الأدب مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وبين من يرى أنّهم قد ظهروا في نهاية عهد عثمان -رضي الله عنه- حين خرجوا على أمره حتى قتلوه شهيدًا، ومنهم -وهو الرّأي الذي عليه أكثر أهل العلم- يرَون أنّهم ظهروا بوصفهم فرقةً لها عقيدةٌ واضحةٌ ومنهجٌ واضحٌ بعد معركة صِفّين حين رضي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- بالتّحكيم، فتبرّؤوا منه واتّهموه في دينه، ثمّ قاتلهم في النّهروان وأبادهم عن بكرة أبيهم فلم ينجُ منهم إلّا سبعة أو ثمانية، وسيقف هذا المقال مع التّعريف بالخوارج.[١]

من هم الخوارج

يقول الإمام أبو الحسن الأشعريّ -رضي الله عنه- متحدّثًا عن السبب الذي اكتسب الخوارج منه اسمهم بقوله: "والسبب الذي سموا له خوارجَ خروجهم على عليّ لمّا حكم"، إذًا فالإمام أبو الحسن الأشعريّ يرى أنّ الخوارج هم الذي خرجوا على أمر الخليفة عليّ -رضي الله عنه- وشقّوا عصا الطّاعة وفرّقوا أمر كلمة المسلمين، ويعود تاريخهم كما مرّ آنفًا إلى حادثة التّحكيم التي جرت بين جيش الشام بقيادة معاوية بن أبي سفيان وجيش العراق بقيادة علي بن أبي طالب رضي الله عنهم جميعًا، فقد رأى الخوارج أنّ عليًّا بن أبي طالب حين قبل بالتّحكيم فهو قد اجترأ على الله تعالى؛ إذ إنّ الحكم إلّا لله، وهذه كلمة حقّ أُريدَ بها باطل كما قال أمير المؤمنين، ثمّ اعترضوا على أنّ عليًّا بن أبي طالب قد محا اسم أمير المؤمنين وهذا يعني أنّه ليس أمير المؤمنين ولكن أمير الكافرين كما كانوا يرَون أخزاهم الله.[٢]

فكان عددهم اثني عشر ألفَ مقاتل تركوا جيش العراق وانحازوا إلى حَرَوراء، وهي قرية بجانب الكوفة، ومن هنا جاء اسم الحروريّة لإحدى فرق الخوارج، فبعث إليهم عليّ بن أبي طالب عبد الله بن عبّاس -رضي الله عنهم- لمناظرتهم، فأعاد منهم ألفَي رجل، ثمّ خرج إليهم عليّ بن أبي طالب بنفسه ليحاورهم، فعادوا معه واعتقدوا أنّه قد تاب من كفره الذي يزعمون، فعادوا معه وصاروا ينشرون خبر توبته بين العامّة، فخطب فيهم أمير المؤمنين وتوصّل معهم إلى نتيجة أنّه لن يمنعهم من دخول المساجد، ولن يمنعهم من الفيء ما داموا يقاتلون معه، ولن يبدأ قتالهم حتى يقاتلوه هم فبذلك يقيمون الحُجّة على أنفسهم، فأشار عليهم بعض خبثائهم أن اخرجوا من دياركم تلك، ثمّ بعدها تجمّعوا بالنهروان.[٣]

فكتب إليهم عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن ارجِعوا، فرفضوا، ثمّ بعدها ارتكبوا فعلًا إرهابيًّا وهو أنّهم قتلوا عبد الله بن خباب بن الأرَت، وبقروا بطن جاريته، فبلغ الأمر أمير المؤمنين فبعث إليهم يطالبهم بقتَلَة عبد الله والجارية، فرفضوا أن يعطوهم له، وقالوا: "وكيف نقيدُك وكلّنا قتله؟ قال: أوَكلكم قتله؟ قالوا: نعم"، فسار إليهم بجيشه الذي كان سائرًا به إلى الشّام، واجتمع بهم في النهروان، وهو نهرٌ، فأرسل إليهم أن ارجِعوا عن أمركم هذا، وما زال رسله يختلفون إليهم حتّى قتلوا رُسُلَ أمير المؤمنين، وعندها أقاموا البيّنة على أنفسهم، فتحرّك إليهم جيش العراق وقد فرّ معظمهم؛ فقد قيل كان عددهم أربعة آلاف ثمّ بقي منهم ألف، فقاتلهم الخليفة الراشد بجيشه وقضى عليهم، ولم يبق منهم سوى عشرة في أكثر الروايات، وهؤلاء هم الذين أسّسوا فيما بعد لفِرَق الخوارج المعروفة،[٢] وقد انقسم الخوارج فيما بعد إلى سبع فرق، وهي: المـُحَكِّمَة الأولى والأزارقة والنجدات والصفرية والعجاردة والإباضية والثعالبة.[٤]

حديث كلاب النار

بعد الوقوف على نشأة الخوارج والتّعريف بهم بقي أن يُذكر حديثُ أبي أمامة -رضي الله عنه- عن الخوارج الذي سمعه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والحديث قد رواه غير واحد من أئمّة المسلمين كالترمذي والإمام أحمد بن حنبل على اختلاف في صيغة الرواية، ويقول الحديث: "دخل أبو أمامة الباهلي دمشق فرأى رؤوس حروراء قد نُصِبَت فقال: كلاب النار وكلاب النار ثلاثًا، شرُّ قتلى تحت ظلّ السّماء، خيرُ قتلى من قَتَلوا، ثُمَّ بكى، فقام إليه رجلٌ فقال: يا أبا أمامة، هذا الذي تقولُ من رأيكَ أم سمعته؟ قال: إنّي إذًا لجريء! كيف أقول هذا عن رأيٍ؟ قد سمعتُهُ غير مرّةٍ ولا مرّتين، قال: فيما يُبكيكَ؟ قال: أبكي لخروجهم من الإسلام، هؤلاء الذين تفرّقوا واتخذوا دينهم شِيَعًا".[٥]

وفي رواية أنّه رأى رؤوس الخوارج قد عُلّقت على درج مسجد دمشق، وفي رواية أخرى أنّ أبا أمامة قال: "لَو لَم أسمَعهُ إلَّا مرَّةً أو مرَّتينِ أو ثلاثًا أو أربعًا- حتَّى عدَّ سَبعًا- ما حدَّثتُكُموهُ"،[٦] وهذا الحديث قد جاء من غير طريق يقوّي بعضه بعضًا، وهذا الحديث قد أنكره من ليس على قدر عالٍ من العلم بدعوى الانقطاع في بعض الروايات من حيث السّند، ولكنّ العلماء الثّقات الأكابر قد اعتبروه وجعلوه عندهم كالأمر الذي لا داعي إلى الخوض فيه، بل قد رأى بعض العلماء أنّ هذا الكلام -أي أنّ الخوارج هم كلاب النّار- قد جاء ما يُسانده في القرآن الكريم، وذلك في قوله تعالى في سورة الأعراف: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ* وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا}؛[٧] إذ هنا القرآن الكريم يُشبّه من كان عنده علمٌ في الدّين ثمّ ينسلخ منه أنّه كالكلب، والخوارج كان عندهم علم ولهم صلاةٌ وصيام وقيام، ولكنّهم اتّبعوا أهواءهم وصاروا شيَعًا، واستحلّوا دماء المسلمين واستباحوا أعراضهم وانتهكوا حرمات الله تعالى؛ فلم يرقبوا في مؤمنٍ إلًّا ولا ذمّة،[٨] وأخيرًا فالحديث يشهد للخوارج أنّهم كفرة، وأنّهم من أهل النّار، وأنّهم شرّ القتلى تحت أديم الأرض، وفيه فائدة أخرى وهي حرص السّلف الصّالح على التّثبّت من أحاديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حين سأل الرّجل -واسمه أبو غالب البصري- أبا أمامة عن الحديث هل سمعه عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أو لا، وهذا يثبت أنّ الحديث صحيح لا لبس فيه، والله -تعالى- أعلى وأعلم.[٩]

المراجع[+]

  1. "الفصل الثالث: نشأة الخوارج"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 16-02-2020. بتصرّف.
  2. ^ أ ب "الخوارج"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 16-02-2020. بتصرّف.
  3. "الخوارج العقائد والأفكار"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 16-02-2020. بتصرّف.
  4. "فرق الخوارج"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 16-02-2020. بتصرّف.
  5. رواه الوادعي، في الصحيح المسند، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم: 481، حديث جيد.
  6. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم: 3000، حديثٌ حسنٌ صحيح.
  7. سورة الأعراف، آية: 175-176.
  8. "تثبيت حديث الخوارج كلاب النار"، www.ahlalhdeeth.com، اطّلع عليه بتاريخ 16-02-2020. بتصرّف.
  9. "الموسوعة الحديثيّة - شروح الأحاديث"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 16-02-2020. بتصرّف.