الفرق-بين-الحمد-والشكر

بواسطة:

الترادف في القرآن الكريم

مسألة علومه قديمًا وحديثًا، ومعنى الترادف هو: وجود كلمتين في اللغة العربية يُعطيان معنًى واحدًا، فذهب بعضهم إلى إمكانية وقوع الترادف في القرآن، ومنهم: ابن السكيّت، والفيروز آبادي، وذهبت طائفةٌ أخرى إلى عدم وقوع الترادف في القرآن؛ أيّ أنّه لا توجد كلمتان تدلّان دلالةً واحدةً، ولا بدّ من وجود فرقٍ؛ وتبنّى أبو منصور الثعالبي وأبو هلال العسكري وغيرهما هذا الرأي، وقد وضعوا مؤلفات تؤكّد وجهة نظرهم تلك، كما بيّن ابن تيميّة أنّ عدم وجود الترادف في القرآن دليلٌ على إعجازه، ومن الكلمات القرآنية التي ضمتها معاجم الفروق اللغوية كلمتي الحمد والشكر، وسيتحدّث هذا المقال حول الفرق بين الحمد والشكر.[١]

مفهوم الحمد

الحمد هي كلمةٌ تردّدت في القرآن الكريم وفي الكثير من صيغ الدعاء المأثور، وكجميع الألفاظ القرآنية نالت كلمة الحمد عناية العلماء من الشرح والتفصيل وبيان المعنى، فالحمد في لغة العرب هو نقيض الذم، أمّا في المفهوم الشرعي للحمد فهو ما تعدّدت فيه أقوال العلماء واختلفت آراؤهم، حيث عرّف ابن القيّم -رحمه الله- الحمد بأنّه: "إخبارٌ عن محاسن المحمود مع حبّه وإجلاله وتعظيمه"، ومن لطائف هذا التعريف أنّ زوال الإجلال والتعظيم والمحبة من الحمد يجعله مدحًا لا حمدًا.[٢]

كما أنّ المصحف الشريف مبدوءٌ بلفظ الحمد؛ وذلك في قول الله -تعالى- في سورة الفاتحة: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ* الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}،[٣] فالحمد في هذا السياق هو ثناء الله العظيم على نفسه؛ ليعلّم عباده كيفية حمده والثناء عليه، وشكره بما هو أهلٌ له -سبحانه- وقد فسّر الطبري -رحمه الله- كلمة الحمد في الآية الكريمة بقوله: "الشكر خالصًا لله تعالى بما أنعم على عباده من النعم التي لا يحصيها العدد، ولا يحيط بها غيره أحد"، ثم عدّ -رحمه الله- ألوانًا من النعم التي أنعم الله بها على عباده مثل الرزق وغيره، ومن خلال التعرّف على المفهوم الدقيق للحمد يمكن معرفة الفرق بين الحمد والشكر.[٤]

تعريف الشكر

للشكر الكثير من الفضائل فهو سبيلٌ للفوز بأعلى درجات الجنة، أمّا عن معنى الشكر وماهيته اللغوية فهي: الاعتراف بالإحسان وظهور أثر العطاء، فالظهور هو مدار كلمة الشكر لغةً؛ لذلك فإنّ الشكر بالمعنى الشرعي هو: ظهور أثر نِعَم الله -عزّ وجلّ- على عباده، وذلك من خلال الإيمان القلبي بالله العظيم، والاعتراف باللسان والقول بنِعَم الله الكثيرة، حمدًا وثناءًا عليه -سبحانه- كما أنّ طاعة الله بالتزام الأوامر واجتناب النواهي هي ركنٌ مهمٌ في تحقيق معنى الشكر على الوجه الأكمل.[٥]

اتضّح من معنى الشكر الشرعي وجود علاقة وثيقة بينه وبين والحمد؛ ولكنّ ذلك لا ينفي وجود العديد من جوانب الفرق بين الحمد والشكر، كما أنّ معنى الشكر يقوم على عدّة محاور؛ فالشكر يجب أن ينطوي على معرفة النعمه وقبولها والثناء عليها، أمّا معرفة النعمة فهو إدراكٌ لقيمتها وأهميتها، فينبثق عن تلك المعرفة سؤالٌ آخرٌ؛ وهو من موجِد هذه النِعَم وخالقها؛ وعندما يتيقّن العقل من أنّ الله -عزّ وجلّ- هو المنعِم والمتفضّل بشتّى أصناف النِعَم؛ يمتثل القلب إيمانًا، واللسان ثناءً، والجوارح طاعةً، أمّا قبول النعمة فهو الاعتراف بأنّ جميع النِعَم هي كرم الله تعالى، وليست نتيجة استحقاقٍ شخصيٍ، ويكون الثناء بوصف الله بما يستحقّه من المحامد وإظهار النِعَم وذكرها والحرص على ظهور أثرها.[٥]

الفرق بين الحمد والشكر

على الرغم من شدّة ارتباط كلمتي الحمد والشكر ببعضهم البعض في كلام العرب، وكثرة استخدام أحدهما للدلالة على الآخر، وقد درج كثير من المفسرين على اعتبارهما بمعنىً واحد؛ ومن أبرزهم ابن جرير الطبري -رحمه الله- إلّا أنّ البحث في السياق القرآني لكلّ من الكلمتين أثبت وجود عدّة اختلافاتٍ تؤكد وجود الفرق بين الحمد والشكر، ويُكثِر العلماء عند الحديث عن الفرق بين الحمد والشكر الإشارة إلى أنّ بينهما عمومٌ وخصوصٌ؛ أيّ أنّهما بمعنى واحد في الإطار العام، مع وجود عدّة مواطن دقيقة تُظهر الفرق بينهما، وتعني أيضًا أنّ الحمد يشمل الشكر في بعض المحاور والعكس صحيح؛ وفيما يأتي توضيح تلك الفكرة، وبيانٌ لبعض جوانب الفرق بين الحمد والشكر:[٦]

  • الشكر أعمّ وأشمل من الحمد من جهة تحقيق كلٍّ منهما؛ فالحمد يكون باللسان فقط، أمّا الشكر فيكون باللسان والقلب والجوارح.
  • الحمد أعمّ من الشكر في مسألة وجود النِعَم من عدمه؛ فالحمد يكون مقابل نعمة، ويكون بدون مقابل، أمّا الشكر فلا بدّ فيه من وجود مقابل أدّى إليه.
  • الحمد يكون على الصفات الحسنة بشكلٍ عامٍ، وإن لم ينال الحامد فضلًا من تلك الصفات؛ كأن يحمد إنسانٌ إنسانًا آخر على كرمه، وإن لم ينله شيءٌ من ذلك الكرم.
  • الشكر لا يكون إلّا على الصفات والأفعال الحسنة التي تنفع وتجلب الخير للشاكر؛ كالذي يحمد ابنه على برِّه به، وحُسنِ خلقِه معه.

آثار وأقوال عن الحمد والشكر

في إطار الحديث عن الفرق بين الحمد والشكر، لا بدّ من الإشارة إلى أنّهما عبادتان عظيمتان؛ والدليل ورود الكثير من الآيات القرآنية التي بيّنت فضلهما وجزاءهما، فالشكر هو سبيلٌ من سبل نيل رضا الرحمن ومحبته، وقد أخبر -سبحانه- بأنّ الشكر هو سبب الزيادة في الرزق والبركة في قوله: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ}[٧] كما وردت الكثير من الأحاديث والأقوال عن الحمد والشكر؛ فيما يأتي بيان بعضٍ منها:[٥]

  • قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "أَحَبُّ الكَلامِ إلى اللهِ أرْبَعٌ: سُبْحانَ اللهِ، والْحَمْدُ لِلَّهِ، ولا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، واللَّهُ أكْبَرُ".[٨]
  • قال حمدون القصّار رحمه الله: "الشكر أن ترى نفسك طُفيليًّا".[٩]
  • قال الجُنيد رحمه الله: "الشكر أن لا ترى نفسك أهلًا للنعمة".[٩]
  • قال أبو عثمان رحمه الله: "الشكر معرفة العجز عن الشكر".[٩]

المراجع[+]

  1. "مسألة الترادف في القرآن"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 12-12-2019. بتصرّف.
  2. "من أحسن الأقوال في معنى الحمد"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 12-12-2019. بتصرّف.
  3. سورة الفاتحة، آية: 1-2.
  4. " " الحمدلة (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ""، www.kalemtayeb.com، اطّلع عليه بتاريخ 12-12-2019. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت "الشكر"، www.kalemtayeb.com، اطّلع عليه بتاريخ 12-12-2019. بتصرّف.
  6. "الفرق بين الحمد والشكر"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 12-12-2019. بتصرّف.
  7. سورة إبراهيم، آية: 7.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن سمرة بن جندب، الصفحة أو الرقم: 2137، حديث صحيح.
  9. ^ أ ب ت "كتاب: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (نسخة منقحة)"، www.al-eman.net، اطّلع عليه بتاريخ 12-12-2019. بتصرّف.

مواضيع ذات صلة بـ

معنى اسم سماح

تسمية الأبناء يحاول الآباء عادةً اختيار الأسماء الجميلة للبنات والأولاد، وكثيرًا ما يبحث الوالدان عن اسم للمولود أو المولودة قبل وق

قصة-جلد-الحمار

قصة جلد الحمار  تَحكي قصة جلد الحمار عن ملك يعيش مع زوجته الجميلة وابنتهما حياةً سعيدةً، وكان للملك حمار عجيب يعطيه في كل يوم قطعة ذهب