سؤال وجواب

قصة-موسى-عليه-السلام


النبي موسى عليه السلام

قَصَّ القرآن الكريم بعض قصص الأنبياء السّابقين؛ لحكمٍ كثيرةٍ منها: تثبيت فؤاد الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- في مواجهة أعداء الدعوة الإسلامية، ووعظ المؤمنين وغيرهم، ومن تلك القصص قصة سيدنا موسى عليه السلام كليم الله، وأحد الخمسة أولي العزم الوارد ذكرهم في قوله تعالى: "وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا " [١]، [٢] وفيما يأتي تعريفٌ موجز بقصة سيدنا موسى عليه السلام، وبعض ما يستفاد منها من عِبَر وعظات.

قصة موسى عليه السلام

وُلد موسى عليه السلام في مصر، ويرجع نسبه إلى أبي الأنبياء إبراهيم عليه السّلام؛ فهو موسى بن عمران بن قاهث بن عازر بن لاوى بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السّلام، [٣] وقد كانت مصر في ذلك الوقت تحت حكم فرعون، الذي كان حاكمًا ظالمًا؛ فقد تجبر وطغى وبغى، وجعل أهل مصر شِيَعًا، أي: أحزابًا متفرقين؛ وكان يخشى على ملكه من بني إسرائيل، فأصدر مرسومًا يقضي بقتل كلّ مولودٍ ذكرٍ يُولَدُ مِنْهُم، ولمّا قَلَّ عددهم وقد كبر رجالهم، وصاروا غير قادرين على الخدمة، قرر فرعون أنْ يقلل من قتل أطفالهم الذكور، فصار يعفو عامًا، ويقتل عامًا، وقد وُلِد هارون -عليه السّلام- في عام العفو، أمّا موسى عليه السلام فقد ولد في عام القتل، لذا خافت عليه أمُّهُ خوفًا شديدًا؛ فألهمها الله -جلَّ وعلا- أن ترضعه، ثمَّ تضعه في صندوق، وتلقيه في الْيَمِّ، وأنْ لا تخاف ولا تحزن؛ فالله -سبحانه وتعالى- قد تكفّل بحفظه، وسيرُدُّه إليها سالمًا؛ فوضعته في صندوق، وألقته في نيل مصر، وطلبت من أخته أن تَتْبَعه، فَحَمَله النهر إلى قصر فرعون، وهناك رأته امرأة فرعون، وقد ألقى الله -سبحانه وتعالى- في قلبها محبته، فقالت لفرعون: لا تقتله، ودعنا نربيه؛ ليكون قرة عين لي ولك، وعسى أن ينفعنا، أو نتخذه ولدًا؛ فنحن لم ننجب، قال تعالى: "وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ"، [٤]، ثم بحثوا له بين المرضعات عن مرضعة؛ فامتنع عن الرّضاعة منهن، حتى سمعت أخت موسى عليه السلام بالخبر؛ فذهبت إلى القصر، وأخبرتهم أنّها تعرف مرضعة قد يقبل بها الطفل، وكانت تقصد أمّ موسى عليه السلام، وهكذا تحقق وعد الله -سبحانه وتعالى- لأمّ موسى عليه السلام، فعاد إليها طفلها، وبقي عندها طوال فترة الرّضاعة.

وبعد أن أتم فترة الرّضاعة عاد موسى -عليه السلام- إلى قصر فرعون، وهناك تربى وترعرع، وذات يوم وهو يسير في شوارع المدينة، رأى رجلًا من قومه يتقاتل مع رجل من قوم فرعون؛ فاستنجد الذي من قوم موسى بِهِ؛ فدفع موسى عليه السلام الفرعوني بيده؛ فسقط على الأرض ميتًا، ولم يكن موسى عليه السلام يقصد قتله، بل كان يدافع فقط عن مظلومٍ استنجد به، وقد استغفر ربه فغفر الله -سبحانه وتعالى- له وعفا عنه، وقد انتشر خبر مقتل الفرعوني، وبدأ فرعون وجنوده يبحثون عن موسى عليه السلام، وفي تلك الأثناء جاء رجل من أقصى المدينة يحذر موسى، وينصحه بالخروج من مصر؛ فاستجاب موسى عليه السلام لنُصْح الرجل، وغادر مصر متضرعًا إلى الله -سبحانه وتعالى- أن ينجيه من القوم الظالمين.

وخرج منها متجهًا إلى مدين في جنوب الأردن، فلما وصل إليها وجد قومًا يتجمعون حول بئر يسقون منه دوابهم وأنعامهم، ووجد فتاتين تقفان -ومعهما أغنامهما- بعيدًا عن الماء؛ خوفًا من مزاحمة الرجال، فسقى لهما ثمَّ تولى إلى الظل، وهو يدعو الله – سبحانه وتعالى- طالبًا منه العون والتوفيق، ولمّا عادت الفتاتان إلى أبيهما شعيب عليه السّلام، وقد كان شيخًا كبيرًا، وقصّتا عليه خبر موسى عليه السلام، دعاه إلى بيته، فقص موسى على شعيب -عليهما السلام- ما حدث معه؛ فَطَمْأنه شعيب، وعرض عليه أنْ يزوجه إحدى ابنتيه، مقابل أن يعمل عنده في رعي الأغنام، فوافق موسى عليه السلام على ذلك، وأقام في مدين. [٥]

وبعد سنوات خرج موسى مع أهله من مدين متجهًا إلى مصر، ولمّا وصل إلى طور سيناء ضل الطريق، وقد رأى نارًا فطلب من أهله الانتظار، حتى يذهب إلى مكان النّار، ويأتي منها بشعلة؛ فلمّا وصل إليها ناداه الله -جلّ وعلا-، قال تعالى: "إِذ رَأى نارًا فَقالَ لِأَهلِهِ امكُثوا إِنّي آنَستُ نارًا لَعَلّي آتيكُم مِنها بِقَبَسٍ أَو أَجِدُ عَلَى النّارِ هُدًى، فَلَمّا أَتاها نودِيَ يا موسى، إِنّي أَنا رَبُّكَ فَاخلَع نَعلَيكَ إِنَّكَ بِالوادِ المُقَدَّسِ طُوًى، وَأَنَا اختَرتُكَ فَاستَمِع لِما يوحى، إِنَّني أَنَا اللَّـهُ لا إِلـهَ إِلّا أَنا فَاعبُدني وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكري، إِنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخفيها لِتُجزى كُلُّ نَفسٍ بِما تَسعى" [٦] وقد أيده الله بالمعجزات، وأمره بالذهاب إلى فرعون؛ ليدعوه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأرسل معه أخاه هارون، ولكنّ فرعون اتهمه بالسحر، وجمع له السحرة، فنصره الله عليهم، وآمن السحرة بدعوة موسى عليه السلام رغم تهديد فرعون وتعذيبه لهم، وظل موسى يدعو فرعون وقومه، ولكنّهم لم يستجيبوا له، بل استمروا في الظلم والإفساد وتعذيب المؤمنين؛ فأمر الله -سبحانه وتعالى- موسى أن يخرج ببني إسرائيل من مصر سرًا، ولمّا علم فرعون بذلك تبعهم بجيشه، ولكنّ الله -سبحانه وتعالى- نجى موسى ومن معه، وأغرق فرعون وجنوده. [٧]

مضامين قصة موسى عليه السلام

ممّا تضمنته قصة سيّدنا موسى عليه السلام، حرصه على الدفاع عن المظلوم، والوقوف في وجه الظالم، ومساعدة المحتاج، والاتصاف بمكارم الأخلاق، وصبره وثباته عند الشدائد، وثقته بالله سبحانه وتعالى، وصدق طاعته له، وتوكله عليه، ومما تضمنته أيضًا بيان أن الله -سبحانه وتعالى- إذا أراد أمرًا هيأ له أسبابه، وأن سنة الله -سبحانه وتعالى- قضت بأن يكون النصر في النهاية للحق والخير. [٨]

مواضع ذكر قصة موسى عليه السلام في القرآن

أكثر قصة تَكَرَرَ ذِكْرُها في القرآن الكريم هي قصة موسى عليه السلام؛ فقد وردت بمشاهدها المختلفة، ومواقفها المتعددة، في سورة البقرة، والأعراف، ويونس، وهود، والإسراء، والكهف، وطه، والشعراء، والنمل، والقصص، والصافات، وغافر، والذاريات، والروم، والدخان، والنازعات، وغيرها. [٩]

ومن ذلك قوله تعالى في سورة القصص: "طسم، تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ، نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ، وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ، وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ، وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ، فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ". [١٠]

المراجع[+]

  1. {الأحزاب: الآية 7}
  2. طبقات الخلق في الآخرة - الأولى: طبقة أولي العزم من الرسل, ، "kalemtayeb.com"، اطلع عليه بتاريخ 12-11-2018، بتصرّف.
  3. قصص الأنبياء, ، ابن كثير، ج 2 ص 3، تحقيق مصطفى عبد الواحد، مطبعة دار التأليف، بتصرّف.
  4. {القصص: الآية 9}
  5. قصة موسى عليه السلام في القرآن 1-4, ، "islamweb.net"، اطلع عليه بتاريخ 12-11-2018، بتصرّف.
  6. {طه: الآية 10-15}
  7. نبذة عن موسى عليه السلام, ، "islamqa.info"، اطلع عليه بتاريخ 12-11-2018، بتصرّف.
  8. عبر وعظات من قصة موسى عليه السلام, ، "islamweb.net"، اطلع عليه بتاريخ 12-11-2018، بتصرّف.
  9. نبي الله موسى عليه السلام, ، "alukah.net"، اطلع عليه بتاريخ 12-11-2018، بتصرّف.
  10. {القصص: الآية 1-13}