سؤال وجواب

ما-هي-الظلمات-الثلاث


خلق الإنسان

مرّ خلق الإنسان الأوّل بأربعة مراحل وأطوار حيث بدأ خلقه من الطين ثم الحمأ المسنون ثم صلصال كالفخار وأخيرًا نُفخت فيه الروح، وقد تمّت معرفة هذه المراحل من القرآن الكريم ومنها قوله تعالى في سورة السجدة: {وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ}،[١] وكذلك الأمر بالنسبة لمرحلتي الصلصال ونفخ الروح، كما ذكر القرآن الكريم مراحل تشكّل الجنين في بطن أمه حيث تمّ تفصيل هذه المراحل في سورة الزمر: {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ۚ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ}،[٣] أشارت هذه الآية الكريمة إلى أطوار خلق الإنسان في بطن أمه بشكل مجمل ولم تتعرض لتفاصيل هذا الخلق كما ذكرت أن الإنسان في هذه المرحلة من تكوينه يكون في ظلماتٍ ثلاث، فما هي الظلمات الثلاث وما تفسيرها هذا ما أجابت عليه كتب التفسير بعدّة إجابات.[٤]

تعرّض ابن عطيّة -رحمه الله- في تفسيره إلى هذه الآية الكريمة وذكر جانب من اختلاف الأقوال الوارد في الإجابة عن سؤال ما هي الظلمات الثلاث، حيث بيّن أن القول الأول في تفسير الظمات الثلاث هو أنها ظهر الأب ثم رحم الأم ثم المشيمة التي تكون داخل رحم الأم، وقد ذكر القول الثاني ونسبه إلى مجاهد وقَتادة والسُّدّي وابن زيد حيث فسّروا الظلمات الثلاث بأنها المشيمة والرحم وبطن الأم، وفي ختام تفسير هذه الآية والآيات السابقة أشارابن عطيّة إلى كون هذه الآيات والدلائل ما هي إلا للعبرة والتفكر في عظمة الخالق -سبحانه- وقدرته العظيمة على الخلق والإيجاد فيكون هذا سبيل إلى عبادته وحده ونبذ عبادة كل ما سواه من أصنام وغيرها.[٥]

أما تفسير نظم الدُّرر في تناسب الآيات والسور لمؤلفه برهان الدين البقاعي فقد أجاب عن سؤال ما هي الظلمات الثلاث بإجابة ثالثة وتفسير مختلف، حيث بيّن أن هذه الظلمات الثلاث هي ظلمة النطفة ثم ظلمة العلقة ثم ظلمة المضغة، ومن لطائف التفسير التي ذكرها البقاعي هي أن الإنسان بعد أن يُتم هذه المراحل الثلاث من تكوينه وينتقل إلى مرحلة العظام التي تُكسى باللحم يتبيّن جنسه ويعرف هل هو ذكر أما أنثى فتزول عنه ظلمات الجهل التي كان فيها لا يعلم حقيقته ويصبح إنسان آخر وهذا وجه تسمية تلك الأطوار الخَلقية بالظلمات -والله تعالى أعلم-.[٦]

الإعجاز العلمي في الظلمات الثلاث

بعد بيان أقوال المفسّرين في الإجابة عن سؤال ما هي الظلمات الثلاث يبرُز سؤال جديد وهو ما هو التحليل العلمي لوصف وجود الجنين في بطن أمه بالظلمات الثلاث وما دلالة هذه الظلمات، وكما اختلف المفسرون قديمًا اختلفوا حديثًا في تفسير الظلمات الثلاث على عدّة أقوال فمنهم من عدّ الظلمات الثلاث هي ظلمة الخصية وظلمة المِبْيَض وظلمة الرحم، كما ذهب آخرون إلى القول بأن هذه الظلمات هي ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة الغشاء الأمينوسي، وهناك قول ثالث يتبين من خلاله الإعجاز العلمي في هذا الوصف القرآني حيث عدّ أصحاب هذا القول الأغشية المحيطة بالجنين هي الظلمات الثلاث على الترتيب الآتي:[٤]

  • الغشاء الأمينوسي: وهو الغشاء الذي يُحيط بالسائل الذي يسبح به الجنين ويتغذى من خلاله ويُسمّى بالسائل الأمينوسي.
  • الغشاء الكوريوني: وهو الغشاء الذي الذي تصدُرُ عنه الزغابات والأهداب التي تنغرِس في مخاطية وجدار الرحم.
  • الظلمة الساقط: وهو الغشاء المكِّون لمخاطية الرحم السطحية في بداية الحمل ونمو الجنين، وسُمِّي بالساقط لأنه يسقط مع الجنين عند الولادة.

الظلمات في قصة يونس

قال تعالى في سورة الأنبياء: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ}،[٧] تتحدّث هذه الآية الكريمة عن قصة سيدنا يونس بعدما يأس من قومه وتوجّه إلى عرض البحر وشاء الله أن يبتلعه الحوت ثم استغفر -عليه السلام- ربه وسبّحه فجاء الفرج والنجاة، ومن المُلاحظ أن القرآن الكريم ذكر أن يونس -عليه السلام- كان على تلك الحالة في ظلمات ولكن لم يُذكر عدد هذه الظلمات إلا أن عددها قد جاء في تفسير الصحابة لهذه الآية حيث نُسب إلى ابن مسعود وابن عباس - رضي الله عنهم- القول بأن هذه الظلمات هي ظلمة بطن الحوت وظلمة البحر وظلمة الليل وممّن تبنى هذا التفسير من التابعين الحسن البصري وسعيد بن جبير -رحمهم الله-، وقد تعهّد الله -عزّ وجلّ- باستجابة دعوة من دعا بدعاء النبي يونس عند الشدائد واجتماع الظلمات والمحن.[٨]

الظلمات والنور في القرآن الكريم

بعد معرفة ما هي الظلمات الثلاث التي تحيط بالإنسان وهو في بطن أمه، وما هي الظلمات الثلاث التي أحاطت بالنبي يونس في بطن الحوت، لا بدّ من التطرق إلى دلالة وتفسير كلمة ظلمات في القرآن الكريم حيث وردت معرّفة بأل كما في سورة الأنبياء ووردت بدون أل التعريف كما في سورة الزمر، وقد اعتنى العلماء في بيان تفسير معنى الظلمات عند اقترانها بكلمة النور مثل قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ}،[٩] ذهب فريق إلى حمل لفظ الظلمات والنور على حقيقته وبينّوا أن المراد بكلٍ منهما النور الذي يُرى بالبصر والظلمة التي يشعر بها الإنسان عند عدم وجود النور، وذهب فريق آخر إلى القول بأن المقصود هو المعنى المجازي وهو كون الظلمات هي الكفر والشرك أما النور فهو الإيمان واليقين.[١٠]

المراجع[+]

  1. سورة السجدة، آية: 7.
  2. "أطوار خلق الإنسان في القرآن "بين الإعجاز التربوي والإعجاز العلمي""، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 08-11-2019. بتصرّف.
  3. سورة الزمر، آية: 6.
  4. ^ أ ب "مدة الحمل والظلمات الثلاث"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-11-2019. بتصرّف.
  5. "تفسير ابن عطية"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-11-2019. بتصرّف.
  6. "نظم الدرر في تناسب الآيات والسور"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-11-2019. بتصرّف.
  7. سورة الأنبياء، آية: 87-88.
  8. "تفسير ابن كثير"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-11-2019. بتصرّف.
  9. سورة الأنعام، آية: 1.
  10. "كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2019. بتصرّف.