أسباب-الثورة-الفرنسية
محتويات
الثورة الفرنسية
تعدّ الثورة الفرنسيّة من أهم الأحداث السياسيّة في تاريخ البشرية التي وقعت تحت شعار "حرية، مساواة، إخاء"، فقد مثّلت مرحلة من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي عاشتها فرنسا ما بين عامَيْ 1789 حتى 1799، وانتهت بحكم نابليون بونابرت وتوسيعه للإمبراطورية الفرنسية من خلال تحويل الاضطرابات الداخلية إلى الخارج بحملاته الاستعمارية، ومنها الحملة الفرنسية على مصر، واحتلال الجزائر سنة 1830م. كان من نتائج الثورة الفرنسية نجاح البرجوازية وإسقاط نظام الحكم الديكتاتوري، والاعتراف بالطبقة العاملة وحقوقها، وتأسيس الجمهورية وإسقاط الملكيّة، وغيرت بشكل عميق مسار التاريخ الحديث إذ ألهمت أوروبا بالربيع الأوروبي- ثورات 1848، وهذا المقال سيتناول أسباب الثورة الفرنسية التي كانت ذات تأثيرات مباشرة في أوروبا إلى القرن التالي للثورة الفرنسية.[١]
أسباب الثورة الفرنسية
تعدّدت أسباب الثورة الفرنسية وعواملها، وكان منها المباشر ومنها غير المباشر، وما قامت الثورة إلا بعد أن استفحلت الأوضاع في فرنسا رداءة حتى ما عاد الشعب يطيقون قدرة على احتمالها، ومن أسباب الثورة الفرنسية:
العامل السياسي
كان النظام السياسي من أسباب الثورة الفرنسية غير المباشرة، فقد تمثل النظام السياسي بالحكم الملكي المطلق المستبد، إذا كانت السلطات في هذا النظام موزّعة على ثلاث سلطات: حاشيه الملك بدءًا من لويس الرابع عشر وزوجته، وكبار النبلاء، ورجال الدين الين استند إليهم الحق الملكي المطلق للملوك في فرنسا، فاستغل كل هؤلاء إرادة الملك في الدولة -خصوصًا لويس السادس عشر الذي عاصر الثورة، وعُرف بضعف شخصيته ورفضه للتطوير السياسي-، وأصبح الشعب تحث هذه السلطات غير آمنين على حياتهم، في ظل نظام استبداديّ جدّا قبل الثورة.[٢]
كان من مساوئ الحكم المطلق وأسباب الثورة الفرنسية السياسية أن لويس السادس عشر كثيرًا ما كان يصدر رسائل مختومة للانتقام من منتقديه، وكان يقحم بلاده في حروب لا فائدة منها سوى إشباع رغبة الملك، ويضع الشعب الذي يعاني البؤس والشقاء في مقدمتها، في حين كانت حاشيته تعيش حالة من البذخ. إضافة إلى النظام الإداري الذي شهد حالة من الفساد لغياب الوحدة الإدارية وارتفاع الضرائب الجمركية على الشعب وعدم وحدتها في مناطق المملكة، وانتشار الرشوة.[٢]
العامل الاجتماعي
كان العامل الاجتماعي ثاني سبب من أسباب الثورة الفرنسية غير المباشرة، فقد كان المجتمع الفرنسي ِمقسومًا إلى ثلاث طبقات: طبقة النبلاء أو أصحاب الدماء الزرقاء ذات العلاقة الوطيدة بالقصر، وقد تمتعوا بامتيازات تضمن لهم الوظائف الحكومية والإعفاء من الضرائب. وطبقة رجال الدين الاكليروس التي تمثل السلطة الدينية التي يستند إليها حكم الملك الفرنسي، وقد ورثت من عصر الإقطاع النصيب الأكبر من الامتيازات التي جعلتها تعيش حياة الترف والمجون، فكرههم الشعب لذلك. والطبقة العاملة أو طبقة عامة الشعب من الفلاحين والبرجوازية الصغيرة وهي الطبقة الأوسع شريحة في المجتمع، وكانت محرومة من كل الامتيازات وعانت من الحرمان ودفع الضرائب وأعمال السخرة وكان أبناؤها يؤخذون إجبارًا إلى الحروب، فكانت سببًا لنقمة هذه الطبقة على السلطة السياسية والوضع الاجتماعي.[٢]
العامل الاقتصادي
وقد كان السبب الأبرز من أسباب الثورة الفرنسية، والمؤجج لها؛ فقد عانت خزينة الدولة من عجز كبير في الموارد بسبب الحروب المتواصلة من أيام لويس الرابع عشر، وتمويل فرنسا لحرب الاستقلال الأمريكية، وإسراف القصر وبذخه، وعندما حاول لويس السادس عشر إصلاح وضع الخزينة بتعيين لجنة خبراء ماليين لمعالجة الأزمة، فشلت اللجنة في عملها لمعارضة الطبقة الأرستقراطية لمشاريع الاصلاح، فأدى كل ذلك إلى ارتفاع الأسعار ارتفاعًا خياليا، ودخلت فرنسا أزمة اقتصادية أثّرت على حياة الشعب، الذي لم يتمكن من شراء رغيف الخبز، خصوصًا في المجاعة التي عاشتها فرنسا عام 1788.[٢]
العامل الفكري
شهدت فرنسا قبل الثورة عصر التنوير الذي تميّز بالتطور الفكري والثقافي وكان سببًا من أسباب الثورة الفرنسية، وكان نتيجته الكشف عن الأوضاع المتردية للدولة، فقد كان الفكر التنويري يتجه إلى نقد الكنيسة والحكومة وبيان مساوئهما، فكان فولتير ومونتسيكيو وروسو من رواد حركة التنوير، فأيقظت أفكاره الطبقة العاملة المظلومة واستجابت لنقده اللاذع ولغته الواضحة، أما مونتسكيو فقد كتب عن العدالة والدستور وضرورة فصل السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية على غرار الدستور الإنكليزي، أمّا جان جاك روسو فكانت أفكاره هي الأبرز خاصة في نظرية العقد الاجتماعي؛ فقد عَرّف الحكومة بأنها عقد اجتماعي يضمن للشعب حمايته ويقوم بموافقة الشعب، أما وظيفة الحاكم فهي الحكم بصفته وكيلا عن الأمة، ملتزمًا برغبات الأمة، ومتى انحرف عن ذلك عُزل من منصبه.[٢]
انطلاق الثورة الفرنسية
ذكر سابقًا أن أسباب الثورة الفرنسية كانت مباشرة وغير مباشرة، وفيما يأتي عرض لأبرز النقاط التي كانت مؤججة ومباشرة لانطلق الثورة الفرنسية، وتحوّلها إلى فعل حقيقي في الساحة الشعبية، والمراحل التي مرّت بها الثورة، والجهات التي قادت الثورة في الشارع الفرنسي:
اجتماع مجلس طبقات الأمة
انطلقت أسباب الثورة الفرنسية المباشرة من اجتماع مجلس طبقات الأمّة الذي تألّف من ثلاث هيئات منتخبة: الاكليروس "الملك- الكنيسة"، والنبلاء، والشعب، وكان الاقتراع فيه يتم على هيئة ثلاث وحدات منفصلة وليس طبقًا لعدد الأعضاء. وقد عقد الاجتماع من أجل الاصلاح السياسي والاقتصادي لنظام الضرائب الذي رفضته الطبقة الارستقراطية وأيقنت أنّ الأصوات في المجلس ستكون لصالحها ضد طبقة الشعب لسيطرتها على رجال الكنيسة، وخططت لتحميل الشعب وحدهم الضرائب، فتنبّه الشعب لمخططاتهم وطالبوا بأن يكون التصويت في المجلس طبقًا لعدد الأعضاء لا طبقًا للطبقة، وأن يكون للمجلس السلطة في تنفيذ المشاريع، وقد أعلن قادة الشعب باسم الجمعية الوطنية العصيان والاعتصام قرب قصر فرساي لحين تنفيذ مطالبهم، وقرروا وضع دستور للبلاد خصوصًا بعد انضمام بعض من أبناء طبقتي النبلاء ورجال الدين.
خاف لويس السادس عشر من هذه التطورات، فاستدعى بعض فرق الجيش لحماية قصره، فكان هذا الحدث مؤججًا للشارع الذي خشي من مؤامرة ملكية ضد الجمعية الوطنية، فاندلعت ثورة شعبية في باريس في 1789 هاجمت مخازن السلاح وسجن الباستيل رمز السلطة الملكية، فسقط السجن في يد الثوار بعد معرك حامية الوطيس، واستولوا على ما بهما من أسلحة، وأطلقوا سراح المساجين، مما دفع بلويس إلى التراجع والاعترف بالجمعية الوطنية، ورفع علم الثورة المثلث الألوان الذي يعتبر اليوم عيدًا لفرنسا.[٢]
الجمعية الوطنية 1789-1791
بعد وقوع أسباب الثورة الفرنسية، عملت الجمعية الوطنية على وضع دستور لفرنسا، فأعلنت عام 1789 لائحة حقوق الإنسان، وعملت على إلغاء الامتيازات الإقطاعية، وأقرّت توزيع الضرائب بين أفراد الشعب بالتساوي دون تمييز طبقي، وتأميم أموال الكنيسة وأراضيها باعتبارها ملكًا للشعب. كما أصدرت الجمعية دستورًا خاصًا برجال الدين مما دفع بلويس السادس عشر إلى الهرب شمال البلاد، وبذلك تمكّنت الجمعيّة الوطنية من صياغة الدستور في أيام الثورة الأولى، بما يضمن الحريات العامة ويوزع السلطات توزيعًا عادلا، وقد أقرّ هذا الدستور في الثالث من أيلول عام 1791 وأكد على مبدأ فصل السلطات، والإبقاء على النظام الملكي مع تحديد سلطات لويس السادس عشر، أعلنت الجمعية عن حل نفسها وإجراء انتخابات جديدة.[٢]
الجمعية التشريعية 1791-1792
كانت مهمة الجمعية التشريعية في أولى جلساتها تنفيذ مواد الدستور وحماية نتائج الثورة، بواسطة عدة قوى سياسية تمثلت بقوى اليمين من النبلاء ذوي الاتجاه التحرري الذين آمنوا بالملكية الدستورية، وقوى الوسط آمنت بالثورة والدستور، وقوى اليسار من الجيرونديون -نسبة لمقاطعة جيروند- واليعاقبة -نسبة لدير يعقوب الذين آمنوا بالنظام الجمهوري. ولكن واجهتهم قوة معادية للثورة من خارج الجمعية من المهاجرين والنبلاء وأباطرة أوربا الذين خافوا من شعارات الثورة وخطرها على عروشهم، وهنا تركت الجمعية التشريعية مهمتها لمواجهة الخطر الخارجي، بعد اعلان بلنتز الذي أصدره إمبراطور النمسا وملك بروسيا، ودعا البيان إلى إعادة السلطات الكاملة للويس السادس عشر بوصفه ملكًا لفرنسا والقضاء على الثورة.[٢]
كانت ردّة الشعب عنيفة اتجاه إعلان بلنتز، فأعلنت فرنسا في نيسان 1789م الحرب على النمسا ودخلت جيوشها بلجيكا، إلا أنها هزمت أمام النمساويين، ثم هددت جيوش النمسا وبروسيا العاصمة باريس، فانتفض الشعب الفرنسي مرّة أخرى بكل حماس لحماية ثورته، فتطوع الشباب في الجيش حتى تمكنت القوات الفرنسية بقيادة ديمورييه من تحقيق الانتصار وصد قوات النمسا وبروسيا في معركة فالمي.[٢]
المؤتمر الوطني 1792-1795
بعد انتصار الفرنسيين في فالمي أنهت الجمعية التشريعية أعمالها، وحل محلها المؤتمر الوطني الذي كانت مهمته إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية ومحاكمة لويس السادس عشر وإعدامه في كانون الثاني 1793م، وقد أعلن المؤتمر عن تبني فرنسا نظرية الحدود الطبيعية، واستعداد فرنسا لمساعدة كل أمة تطالب بحريتها من حكامها، مما أثار ملوك أوروبا لما فيه من تهديد لأنظمة حكمهم، فشكّلت التحالف الأوربي الأول ضد فرنسا مكونًا من بريطانيا، والنمسا، وبروسيا، وهولندا، وإسبانيا، والبرتغال، وسردينا. ساندها فيه ما قام به أنصار الملكية من عصيان داخلي، وتمردات، دفعت بقادة الثورة إلى القضاء عليها فيما عُرف بالعهد الإرهابي.[٢]
أنجز المؤتمر بعد ذلك اصلاحات اجتماعية واقتصادية تغلّبت على أسباب الثورة الفرنسية فوضع القانون المدني الفرنسي، وأنشاء المدارس، وأسس متحف اللوفر، ووضع نظام جديد للمكاييل والمقاييس فيما عُرف بالنظام العشري، وسنّ دستور العام الثالث للجمهورية عام 1795م.[٢]
دور نابليون بونابرت في الثورة الفرنسية
ما إن انتهت أسباب الثورة الفرنسية، وحقق الشعب ما أرادوه من مطالب وتغيرر للدستور يكفل لهم حقوقهم، وشارفت الثورة الفرنسية على الانتهاء، إلا وظهرت مشكلة جديدة، حاول فيها أنصار الملكيّة القيام بمحاولة انقلابية على مقر المؤتمر الوطني عُرفت بانقلاب 18 برومير، خاصة أنّ الثورة في تلك الفترة كانت تعاني مشاكل اقتصادية، عندها قام إيمانويال جوزيف سياس بالتخطيط لإنقاذ الثورة الفرنسية ومنع عودة الملكيين، واختار الضابط نابليون بونابرت الذي كان ضابطًا شابًا المدفعية لقيادة الانقلاب واستلام السلطة.[٣]