عدة-المطلقة-الحامل
الطلاق
إنّ كلمة الطّلاق مُشتقّة من "طلّق" أيْ حرّرَ، والطّلاق في اصطلاح الفقهاء معناه، حلُّ قيد النّكاح بين الزّوج وزوجته كلّه أو بعضه، والمُراد بالبعض هنا الطّلاق الرّجعي، ويقع الطلاق صريحًا باللّفظ المُباشر، أو كنائيًّا باللّفظ غير المُباشر، وقد يتمّ عن طريق القضاء الشّرعي ويُسمّى فسخًا، أو باتّفاق الزّوجين، وهنالك العديد من الآثار المُترتبة على الطّلاق ومنها: النّفقة والعدّة، والعدّة تختلف باختلاف ماهيّة الطلاق وحالة المرأة حيث إنّ عدّة المرأة المطلقة تختلف عن عدّة المُتوفى عنها زوجها، وهذه الحالات ستُوضّح فيما بعد، وفي هذا المقال سيتمّ التّعرف على مشروعيّة الطّلاق، وأنواعه، وآثاره، إضافة إلى عدّة المطلقة الحامل.[١]
مشروعية الطلاق
إنّ الطّلاق مشروع وجائز للضّرورة باتفاق أهل العلم، وليس كما يقول البعض بحرمة الطّلاق استنادًا إلى حديث: "أبغَضُ الحلالِ إلى اللهِ تعالى الطَّلاقُ"،[٢]فهذا حديث ضعيف جدًا ولا يجوز الأخذ به كمرجع لإطلاق الحكم الشّرعي، وفيما سيأتي بيان مشروعيّة الطّلاق من القرآن والسُّنّة الصّحيحة:[١]
- قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}،[٣]جاءت هذه الآية لتُبيّن معنى الطّلاق وإطلاق حكم الإباحة عليه، وتُعدّ بيانًا لعدد الطلاق الذي للمرء فيه أن يراجع زوجته دون تجديد مهر وولي، ولفظ التّسريح معناه، حلُّ العصمة المُنعقدة بين الزّوجين بألفاظ مخصوصة.
- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}،[٤]هذا خطاب للنّبي -صلّى الله عليه وسلّم- ولأمّته، ومعناه أن يُطلّق الزّوج زوجته طلقة واحدة في طُهر لم يُجامعها فيه، ثمّ يتركها لانتهاء العدّة وله أن يُراجعها في فترة العدّة سواء عدّة المُطلّقة الحامل أو غير الحامل، ممّا يدلّ أيضًا على إباحة الطّلاق.
- وردت صيغة النّفي مع لفظ "جناح" لتكون دلالة على إباحة الطّلاق، كقوله تعالى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً}.[٥]
- قول الرّسول -عليه السّلام-: "أيُّما امرأةٍ سألتْ زوجَها الطلاقَ، منْ غيرِ ما بأسٍ، فحرامٌ عليها رائحةُ الجنةِ"،[٦]يدل هذا الحديث في دلالة المسكوت على إباحة الطّلاق في أصله إن كان له سبب، أمّا إن لم يكن له سبب، فيكون الحكم الحُرمة في دلالة المنطوق.
أنواع الطلاق
إنّ الطّلاق يقع باللّفظ أو الكتابة، وللعاجز عنهما بإشارته المعلومة، وقد صرّح العلماء بأنّ الطّلاق عن طريق الكتابة لا يقع إلا بوجود نّيّة الطّلاق، وفيما سيأتي بيان أنواع الطّلاق وحالاته:[٧]
- طلاق السّكران: إذا سَكِرَ الإنسان بالإكراه، أو لم يكن يعلم بأنّ ما شربه مُسكِر، فلا يقع طلاقه اتفاقًا، أمّا إذا سَكِرَ بإرادته فخلاف، منهم من يرى أنّ طلاقه يقع زجرًا له، ومنهم من يرى أنّ طلاقه لا يقع قياسًا على المجنون والمُكرَه.
- طلاق المُكرَه: ذهب جمهور العلماء إلى أنّ طلاق المُكرَه لا يقع، ودليل ذلك، عن ابنِ عبَّاسٍ أنّه قال: "ليس لمُكْرَهٍ ولا لمُضْطهَدٍ طَلاقٌ".[٨]
- الطلاق الصّريح والكنائي: الصّريح، هو الذي يقع بالألفاظ الصّريحة، كأن يقول الزّوج لزوجته: أنتِ طالق، أمّا الكنائي هو الذي يتمّ بالألفاظ التي تحتمل معنى الطّلاق كأن يقول الزّوج لزوجته: الحقي بأهلك، اخرجي من المنزل، ونحو ذلك.
- الطّلاق المعلّق على شرط: كأن يقول الزّوج لزوجته: أنتِ طالق إن خرجتِ من المنزل، هذا الطّلاق واقع وصحيح إذا لم يكن مستحيلًا عقلًا أو عادة كأن يقول الزّوج: أنتِ طالق إن أصبحت الأرض ذهبًا.
- الطلاق المُضاف إلى المُستقبل: كأن يقول الزّوج لزوجته: أنتِ طالق غدًا، أو أنتِ طالق في السّنة القادمة، في هذه الحالة لا يقع الطّلاق.
- طلاق الثلاث بلفظ واحد: إنّ الطّلاق المُكرّر في مجلس واحد لا يقع إلّا طلقة واحدة ودليل ذلك، عن ابن عبّاس قال: "أن أبا ركانةَ طلَّق امرأتَه ثلاثًا فردَّها عليه النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- وقال: إنها واحدةٌ".[٩]
- الحلف بعليّ الطّلاق وعليّ الحرام: لا يلزم الحالف شيئًا إن لم يحنث في يمينه اتفاقًا، فإن حنث فيه خلاف، فقد عدّه البعض طلقة، ولم يعدّه آخرون شيئًا، وأعدل الأقوال أنّ الطّلاق لا يقع إلا إذا كان بنيّة إيقاع الطّلاق.
- الطّلاق الرّجعي والبائن: كلّ الطّلاق يقع رجعيًّا إلاّ المُكمّل للثلاث، والطّلاق قبل الدّخول، فالطّلاق الرّجعي لا يزيل الزّوجيّة في الحال، حيث يستطيع الزّوج أن يُراجع زوجته ما دامت في العدّة، سواء عدة المُطلقة الحامل أو غير الحامل، بعكس البائن فهو يُزيل الزّوجيّة، حيث لا يستطيع الزّوج أن يُراجع زوجته حتى تنكح زوجًا غيره.
عدة المطلقة الحامل
العدّة واجبة على كلّ امرأة فارق زوجها الحياة أو طلّقها بعد الدّخول بها دخولًا صحيحًا، أو الخلوة بها، والعدّة تُعرّف: بأنها المدّة التي تمكث الزّوجة فيها، وتمتنع عن الزّواج لاستبراء الرّحم، أو مراجعة الزوج لزوجته وغيرها، وتختلف العدّة باختلاف حال المرأة المُعتدّة، فعدة المطلقة الحامل تختلف عن المطلقة غير الحامل، وتختلف عن المتوفى عنها زوجها، فالمرأة غير الحامل المُطلقة أو المُختلعة أو المفسوخة التي تحيض تعتدّ ثلاث حيضات، لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ}،[١٠]أمّا المرأة الآيسة التي لا تحيض، فعدّة طلاقها ثلاثة أشهر، سواء أكان خلعًا أو فسخًا أو طلاقًا.[١١]
أمّا بالنّسبة لعدّة المطلقة الحامل فحكمها مختلف، حيث تستمرّ إلى وضع الحمل، وذلك واضح في قوله تعالى: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}،[١٢]وهذه الآية عامّة تشمل عدة المطلقة الحامل وعدة المُتوفى عنها زوجها الحامل،[١٣]وكذلك عدة المختلعة الحامل فهي داخلة في مضمون الآية الكريمة، والخلع: هو أن تدفع الزّوجة مقدار من المال مقابل أن يُطلّقها زوجها،[١٤]والآية مشتملة أيضًا على عدّة المفسوخة من قِبَل الحاكم، والفسخ: يكون بقرار القاضي بسبب خلل في العقد، كما لو تمّ العقد بيّن الزّوجين وتبيّن فيما بعد أنّ أحد الزّوجين مصاب بمرض، كالرّتق والجنون، ومثال ذلك أيضًا: إذا ارتدّ أحد الزّوجين عن الدّين الإسلاميّ، فيحكم القاضي بالتفريق بينهما بسبب الرّدّة، فهؤلاء عدتهنّ إلى وضع حملهنّ.[١٥]
آثار الطلاق
وبعد أن تمّ الحديث عن الطّلاق ومشروعيته، وحالات عدّة المرأة وخصوصًا عدّة المُطلّقة الحامل، لا بدّ من التّعرف على آثار الطّلاق المُترتبة على الفرد والمُجتمع:[١٦]
- تشتت شمل الأسرة، وضياع الأبناء بين الأمّ والأب، ممّا يؤدّي إلى انحراف الأطفال إلى الطّريق المظلم كلجوئهم إلى المخدرات وغيرها.
- تزعزع العلاقات بين أسرة الزّوج وطليقته، خاصة إذا كانوا أقارب، فتنقطع العلاقات، وتتلاشى صلة الرّحم التي أمر الله تعالى بها.
- ومن مفاسد الطّلاق، أن يضع الأب أبناءَه عند زوجة أخرى مسلوبة منها الرّحمة، حيث تكيد لهم السّوء ليلًا نهارًا.
- المرأة المطلّقة تُصبح ضحيّة للمجتمع، حيث يُصبح الجميع ينظر إليها نظرات مُريبة كأنّها فعلت أمرًا فاحشًا، إضافة إلى أنّ ألمها سيكون أشدّ من الرّجل وربّما يدوم؛ لأن طبيعة المرأة عاطفيّة أكثر من الرّجل.
- الضرر الذي يلحق بالرّجل من التّبعات المادّيّة: كمؤخّر المهر، ونفقات العدّة والأبناء، مما يجعله أقلّ إنتاجًا في المجتمع، بسبب انتكاسته الماليّة.
المراجع[+]
- ^ أ ب "الطلاق تعريفه ومشروعيته"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-09-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في غاية المرام، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 253، ضعيف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 229.
- ↑ سورة الطلاق، آية: 1.
- ↑ سورة البقرة، آية: 236.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن ثوبان مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، الصفحة أو الرقم: 2829، صحيح.
- ↑ عمر سليمان الأشقر (2015)، قانون الأحوال الشّخصيّة (الطبعة السادسة)، الأردن: النفائس، صفحة 225-237. بتصرّف.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج سير أعلام النبلاء، عن عكرمة، الصفحة أو الرقم: 8/80، رجاله ثقات.
- ↑ رواه ابن باز، في مجموع فتاوى ابن باز، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 420/21، إسناده جيّد.
- ↑ سورة البقرة، آية: 228.
- ↑ "أحكام العدّة"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 27-09-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الطلاق، آية: 4.
- ↑ "عدة المرأة المطلقة"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 27-09-2019. بتصرّف.
- ↑ "عدة المرأة المختلعة"، www.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 27-09-2019. بتصرّف.
- ↑ "الفرق بين الطلاق والفسخ"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 29-9-2019. بتصرّف.
- ↑ "الطلاق: أسبابه وآثاره"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 27-09-2019. بتصرّف.