سؤال وجواب

حكم-تربية-الحمام


معاملة الحيوان في الإسلام

الإسلام هو دين الرحمة والإحسان ورسول الإسلام بُعِث رحمةً للعالمين فكان مثالًا للإحسان في جميع أنواع التعامل، ومنها التعامل مع الحيوان، إذ أوصى الرسول الكريم برحمة الحيوان والرأفة والرفق به حيث قال: "إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإحْسَانَ علَى كُلِّ شيءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فأحْسِنُوا القِتْلَةَ، وإذَا ذَبَحْتُمْ فأحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ"،[١] فحقوق الحيوان محفوظة حتى عند أخذه إلى الذبح، كما نهى رسول الله عن ضرب الحيوان وتعذيبه بالوسم والتشويه ونهى عن التفريق بين الوالدة وولدها، وحرّم استخدام ذوات الأرواح في التدرب على الرماية، كما شجع على الإحسان للحيوان وإطعامه وعدم حبسه وتجويعه، ولكن ما حكم تربية الحيوان وبالأخص ما حكم تربية الحمام هو ما ستتم مناقشته في هذا المقال.[٢]

مشروعية اقتناء الحيوان وتربيته

إن اقتناء الحيوان وتربيته من الأمور المشروعة في أصلها ولكن هذه المشروعية وهذه الإباحة محددة بضوابط شرعية معينة، ويمكن اختصارها بضابطين أحدهما الغرض الذي يتم من أجله اقتناء حيوان معين والثاني فما هو هذا الحيوان، فتربية الحيوانات النجسة مثل الخنزير والكلب محرمة إلا أن الكلب الذي تتم تربيته من أجل الصيد أو لحراسة فلا بأس باقتنائه، حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا، ليسَ بكَلْبِ صَيْدٍ، ولا ماشِيَةٍ، ولا أرْضٍ، فإنَّه يَنْقُصُ مِن أجْرِهِ قِيراطانِ كُلَّ يَومٍ"،[٣] كما وردت أحاديث تخصص حيوانات معينة بوجوب قتلها عند رؤيتها حتى ولو كانت في الأماكن المحرمة والأشهر التي يحرم فيها صيد الحيوان وقتله،[٤] عن رسول الله قال: "خَمْسٌ فَوَاسِقُ، يُقْتَلْنَ في الحَرَمِ: الفَأْرَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْغُرَابُ، وَالْحُدَيَّا، وَالْكَلْبُ العَقُورُ"،[٥] والمراد بالكلب العقور جميع أنواع الحيوانات المفترسة التي تؤذي الإنسان وتهاجمه.[٦]

أما بالنسبة للضابط الأول وهو الغرض الذي تُربى الحيوانات من أجله فهو الضابط الأهم والأدق، فتربية المواشي من غنم وبقر وغيرها التي يُستفاد من لحمها وحليبها في الأكل والتجارة جائزة، وكذلك تربية الحيوان بهدف الزينة والاستمتاع مباحة حيث قال تعالى: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ}،[٧] كما أن تربية الحيوان بهدف استخدامه في الركوب وحمل المتاع مشروعة في الإسلام، ويمكن تلخيص الكلام السابق بأن تربية الحيوان جائزة إذا كانت تعود بالنفع على الإنسان مع مراعاة الحقوق المقررة للحيوان في الإسلام من تقديم الطعام والشراب وعدم تحميله فوق طاقته أو تعذيبه وتشويهه بالوسم أو الكي.[٤]

حكم تربية الحمام

إن حكم تربية الحمام من الأحكام التي تحتاج إلى تفصيل إذ وردت الكثير من الأحاديث والآثار التي تنهى وتُحذر من اللعب بالحمام وتربيته، ولكن الراجح -والله أعلم- أن جميع هذه الأحاديث لا تصح كما نص على ذلك ابن القيم -رحمه الله- إلا حديث واحد وهو عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، رأى رجلًا يتبعُ حمامةً، فقال: شيطانٌ يتبَع شيطانةً"،[٨] وقد حسّن كثير من العلماء هذا الحديث وصححه الألباني -رحمه الله-، إلا أنهم حملوا معناه على حالة مخصوصة وهي أن اللعب بتلك الحمامة قد حملت صاحبها على الانشغال عن الطاعات وعن الغرض الأسمى الذي خُلق الإنسان لأجله وهو العبادة وصار في غفلة ولهو عن ذلك.[٩]

إن حكم تربية الحمام يختلف باختلاف الغرض من التربية وهو في أصله مباح وذلك إذا كان الحمام يُربى لأجل الاستمتاع بمنظره أو للاستفادة منه بالتجارة ونحوها وقد كانوا قديمًا يستخدمون الحمام في إرسال الرسائل والخطابات فهذا جميعه من الأمور التي لم ينهى عنها الشرع والإسلام دين يراعي مصلحة الإنسان فكل ما يعود بالنفع والفائدة عليه يكون جائز، ولكن لا بدّ من معرفة أن حكم تربية الحمام قد يصبح مكروهًا أو محرمًا وذلك عندما يرتبط بتربية الحمام ضرر وأذى لمن يُربي الحمام أو لمن حوله من أهل بيته وجيرانه.[٩]

شروط تربية الحمام

إن حكم تربية الحمام الإباحة والجواز كما تمّ بيانه مع مراعاة المحافظة على الحقوق المنصوص عليها في كتب الفقه والشريعة بالنسبة لتربية الحيوانات في البيوت والتي تمّ الحديث عنها سابقًا، أما بالنسبة لحكم تربية الحمام فقد وضع العلماء عدّة شروط ليكون حكم تربية الحمام مباحًا ولا يتحول إلى الحرمة والكراهة، ومن هذه الشروط ما يأتي:[٩]

  • عدم الانشغال بتربية الحمام واللعب به عن الواجبات الشرعية والفرائض، وتضييع الحقوق الشرعية بسبب كثرة الجلوس لمشاهدة الحمام والاستئناس به مثل حق الوالدين والزوجة والأبناء.
  • الحرص على عدم الإشراف على بيوت الجيران فإن أدت تربية الحمام واقتنائه إلى النظر في بيوت الناس وتتبع عوراتهم حُرّمت تلك التربية.
  • إذا كانت تربية الحمام تؤدي إلى سرقة حمام الناس سواءٌ عن قصد كأن يقوم مُربي الحمام بإغرائها لتأتي إليه أو بدون قصد كأن تأتي بنفسها فتصبح محرّمة.
  • وجوب عدم أذى الجيران برمي الحجارة عليهم أو ترك الحمام يأكل من زروعهم ويؤذي المحاصيل ويفسدها.

تربية الحمام وقبول الشهادة

إن شهادة صاحب الحمام ومربيه متعلقة بحكم تربية الحمام فإذا كانت تربية الحمام مباحة كأن تكون تربيته بهدف الزينة أو التجارة وغيرها فإن شهادته تُقبل، أما إذا احتوت تربية الحمام على محظور شرعي فإن شهادة صاحب الحمام تُرد ولا تُقبل في المحكمة، وقد نصّ كثير من العلماء على هذا الأمر وبحثوا فيه، ومن أقوالهم في هذا الموضوع ما يأتي:

  • السرخسي: لا تُقبل شهادة من يُربي الحمام إذا كان غافلًا مُنشغلًا بحمامه عن دينه أو كان يجعل من تربية الحمام وسيلة للنظر داخل البيوت وهذا من الفسق الذي تُرد به شهادة الشاهد، أما إذا خلا من ذلك فلا بأس بشهادته.[١٠]
  • ابن قدامة: شهادة من يُربي الحمام لغرض مباح مقبولة إذا لم يطيرها ويؤذي بها الجيران، وقد كان شُريح القاضي لا يقبل شهادة صاحب الحمام ويعد ذلك من خوارم المروءة.[١١]
  • ابن القيم: على الحاكم أن يمنع اللعب بالحمام المؤدي إلى الإشراف على بيوت الناس والنظر إلى عوراتهم.[١١]

المراجع[+]

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن شداد بن أوس، الصفحة أو الرقم: 1955، صحيح.
  2. "رسول الله وحقوق الحيوان الثلاثا"، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 04-10-2019. بتصرّف.
  3. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 1575، صحيح.
  4. ^ أ ب "حكم اقتناء الحيوان وبعض ضوابطه"، www.consult.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 05-10-2019. بتصرّف.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1198، صحيح.
  6. "شروح الأحاديث"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 05-10-2019. بتصرّف.
  7. سورة النحل، آية: 5-6.
  8. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 4940، سكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح].
  9. ^ أ ب ت "اقتناء الحمام وتربيته"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 05-10-2019. بتصرّف.
  10. "شهادة من يربي الحمام بين القبول الرد"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 05-10-2019. بتصرّف.
  11. ^ أ ب "هل تُقبل شهادة مربي الحمَام؟"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 05-10-2019. بتصرّف.