سؤال وجواب

شعر-عن-الشهيد


الشهيد

ذهب أكثر علماء اللغة والمعاجم إلى أنّ الشّهيد في الإسلام قد أخذ اسمه من معنى الحياة الذي يحمله جذر "شهد" في كتب المعاجم، فالشهيد إذًا هو الحيّ عند ربّه، ولعلّ العلماء أخذوا هذا المعنى من قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}،[١] وقيل كذلك إنّه سُمّي شهيدًا؛ لأنّه يُستشهد مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يوم القيامة،[٢] والشهيد هو إنسان قد وهَبَ حياته لإعلاء كلمة الله سبحانه، ولتكون الأرض آمنة بعباد الله، فليس ثمّة أثمن من حياة الإنسان عنده، فكيف به وهو يهبها في سبيل الله من أجل حياة الآخرين، وهذا المقال سيقف مع أبيات شعر عن الشهيد.[٣]

شعر عن الشهيد

قيل إنّ الشهيد حين ينتقل إلى دار القرار فهو الوحيد الفرِحُ وسط المجتمعين عليه؛ فبينما أهله يبكون، يكون هو فرِحٌ بما آتاه الله -سبحانه- من فضل وكرمٍ ورزق لا ينقطع، ومن كرم الله -تعالى- عليهم أنّهم لا يشعرون بألم لحظة شهادتهم إلّا كما يجد المرء من ألم القرصة كما أخبر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في الحديث الذي رواه عنه أبو هريرة -رضي الله عنه- إذ قال: "ما يجِدُ الشَّهيدُ من مسِّ القتلِ إلَّا كما يجِدُ أحدُكم من مسِّ القَرصةِ"،[٤] وهذه منّة عظيمة منه -سبحانه- إذ جعل آلام الشهيد وأوجاعه تنتهي بمجرّد موته؛ فلا يتعذّب ولا يعاني، وكذلك يحطّ الله -سبحانه- عن الشهيد كلّ خطاياه بمجرّد قتله؛ فكأنّ دمه يغسل ذنوبه مع كلّ قطرة تسيل من دمه الزّكيّ في سبيل الله، كيف لا وهو يقاتل العدو الذي يهجم بسيفه، وكفى بالسّيف فتنة وامتحانًا لصدق عزمه وإصراره على الموت في سبيل الله؛ فإنّ "السّيف محّاءٌ للخطايا"،[٥] كما صحّ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم،[٣] وفيما يأتي أبيات شعر عن الشهيد قالها بعض الشّعراء تخليدًا لذكرى أولئك العظماء:

عِنْدمَا يَذْهَبُ الشُّهَدَاءُ إِلَى النَّوْمِ أَصْحُو
وَأَحْرُسُهُمُ مِنْ هُوَاةِ الرِّثَاءْ
أَقُولُ لَهُم: تُصْبحُونَ عَلَى وَطَنٍ..
مِنْ سَحَابٍ وَمِنْ شَجَرٍ..
مِنْ سَرَابٍ وَمَاءْ..
أُهَنِّئُهُم بِالسَّلامَةِ مِنْ حَادِثِ المُسْتَحِيلِ
وَمِنْ قِيمَةِ الَمَذْبَحِ الفَائِضَهْ
وَأَسْرِقُ وَقْتًا لِكَيْ يسْرِقُوني مِنَ الوَقْتِ..
هَلْ كُلُنَا شُهَدَاءْ؟
وَأهْمسُ: يَا أَصْدِقَائِي اتْرُكُوا حَائِطاَ وَاحدًا لحِبَالِ الغَسِيلِ..
اتْرُكُوا لَيْلَةَ
لِلْغِنَاءْ
اُعَلِّقُ أسْمَاءَكُمْ أيْنَ شِئْتُمْ فَنَامُوا قلِيلًا
وَنَامُوا عَلَى سُلَّم الكَرْمَة الحَامضَهْ
لأحْرُسَ أَحْلاَمَكُمْ مِنْ خَنَاجِرِ حُرَّاسِكُم
وانْقِلاَب الكِتَابِ عَلَى الأَنْبِيَاءْ
وَكُونُوا نَشِيدَ الذِي لاَ نَشيدَ لهُ
عِنْدمَا تَذْهَبُونَ إِلَى النَّومِ هَذَا المَسَاءْ
أَقُولُ لَكُم: تُصْبِحُونَ عَلَى وَطَنٍ
حَمّلُوهُ عَلَى فَرَسٍ راكِضَهْ..
وَأَهْمِسُ: يَا أَصْدِقَائيَ لَنْ تُصْبِحُوا مِثْلَنَا... حَبْلَ مِشْنَقةٍ غَامِضَهْ!

يومَ الشَهيد: تحيةٌ وسلامُ

بكَ -والنضالِ- تؤرَّخُ الأعوام

بكَ -والضحايا الغُرِّ- يزهو شامخًا

علمُ الحساب، وتفخر الأرقام

بكَ -والذي ضمَّ الثرى من طيبِهم-

تتعطَّرُ الأرَضونَ والأيام

بكَ يُبعَث "الجيلُ" المحتَّمُ بعثُه

وبكَ "القيامةُ" للطُغاة تُقام

وبكَ العُتاة سيُحشَرون، وجوهُهُم

سودٌ، وحَشْوُ أُنوفهم إرغام

صفًا إلى صفٍّ طغامًا لم تذُقْ

ذَنبًا، ولا شُرطًا يحوز "إمام"

وسيسألون مَن الذين تسخَّروا

هذي الجموع كأنّها أنعام

بكَ بعد مُحتَدِمِ النضالِ سينجَلي

ممّا ابتدأتَ من النِضالِ ختام

سيُجازُ شَهرٌ بالعَناء وآخَرٌ

ويُخاضُ عامٌ بالدماء وعام

ستطيرُ في أفقِ الكفاح سَواعدٌ

وتَطيحُ في سُوح الكرامة هام

ستَشور من رَهَج اللُهاث عجاجةٌ

ويَهُبُّ من وَهَجِ الشَّكاة قَتام

سيُعالَجُ الباغي بنَضْحٍ من دَمٍ

حتى تُسَكَّنَ شَهوةٌ وعُرام

لابُدَّ من نارٍ يروح وَقودُها

منّا ومنه غارِبٌ وسَنام
  • قصيدة الشهيد لإبراهيم طوقان:[٨]

عبسَ الخطبُ فابتسمْ

وطغى الهولُ فاقتحمْ

رابطُ النّفسِ والنُّهى

ثابتُ القلبِ والقدمْ

نفسهُ طوعُ همّةٍ

وجمَتْ دونَها الهممْ

تلتقــــي فـــي مزاجهـــا

بالأعــــــاصيرِ والحِـــــممْ

تجـــمَعُ الهـــائجَ الخـــضمْ

إلــــى الراســــخِ الأشـــمْ

وهــي مــن عنصــرِ الفــداء

ومــــن جــــوهرِ الكـــرمْ

ومــــن الحـــقِّ جـــذوةٌ

لفَحَهــــا حــــررُ الأمـــمْ

ســـارَ فــي منهــجِ العــلي

يطــــرقُ الخُــــلدَ مـــنزلا

لا يبــــــالي، مكبـــــلًا

نالـــــــه أم مجــــــدلا
فهـــو رهـــنٌ بمـــا عــزم

أحاديث نبوية عن الشهيد

بعد الوقوف مع بعض أبيات من شعر عن الشهيد يقف المقال في محطته الأخيرة مع بعض الأحاديث النبوية التي حكت عن فضل الشهيد ومنزلته وبيان مكانته عند الله تبارك وتعالى، ومن تلك الأحاديث الكثيرة التي قيلت عن الشهيد يختار المقال ما يأتي:[٩]

  • الحديث الذي رواه جابر بن عبد الله: إذ قال: لقِيَني النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال لي: "يا جابرُ، ما لي أراك مُنكسِرًا"؟ فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ، استُشهِد أبي وترَك عيالًا ودَيْنًا، فقال: "ألَا أُبشِّرُكَ بما لقي اللهُ به أباكَ"؟ قُلْتُ: بلى يا رسولَ اللهِ، قال: "ما كلَّم اللهُ أحَدًا قطُّ إلَّا مِن وراءِ حجابٍ، وإنَّ اللهَ أحيا أباكَ فكلَّمه كِفاحًا فقال: يا عبدي، تَمَنَّ أُعْطِكَ، قال: تُحييني فأُقتَلَ قَتْلةً ثانيةً، قال اللهُ: إنِّي قضَيْتُ أنَّهم لا يرجِعونَ"، ونزَلتْ هذه الآيةُ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}.[١٠]
  • الحديث الذي رواه عبد الله بن عبّاس: أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: "لمَّا أُصيبَ إخوانُكم بأُحدٍ جعل اللهُ أرواحَهم في جوفِ طيرٍ خضرٍ تَرِدُ أنهارَ الجنةِ تأكلُ من ثمارِها، وتأوي إلى قناديلَ من ذهبٍ معلقةٍ في ظِلِّ العرشِ، فلمَّا وجدوا طِيبَ مأكلِهم ومشربِهم ومَقِيلِهم، قالوا: من يُبلِّغَ إخوانَنا عنَّا أنَّا أحياءٌ في الجنةِ نُرزقُ؛ لئلا يزهدوا في الجهادِ ولا ينكلوا عن الحربِ؟ فقال اللهُ سبحانه: أنا أُبلِّغُهم عنكم، قال: فأنزل اللهُ: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتًا} إلى آخرِ الآياتِ".[١١]
  • الحديث الذي رواه عبد الله بن عمر: أنّه قال: عن رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فيما يحكي عن ربِّه قال: "أيّما عبدٍ من عبادِي خرج مجاهدًا في سبيلِ ابتغاءَ مرضاتي ضمنتُ له إن رجعتُه أن أرجعَه بما أصابَ من أجرٍ أو غنيمةٍ".[١٢]
  • الحديث الذي رواه نعيم بن همار الغطفاني: أنَّ رجلًا سأل رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيُّ الشُّهداءِ أفضلُ؟ قال: "الَّذين إن يلقوا في الصَّفِّ لا يلفتون وجوهَهم حتَّى يُقتَلوا، أولئك ينطلِقون في الغُرَفِ في الجنَّةِ ويضحَكُ إليهم ربُّهم، وإذا ضحِك ربُّك إلى عبدٍ في الدُّنيا فلا حسابَ عليه".[١٣]

أقوال عن الشهيد

بعد الوقوف على شعر عن الشهيد وبعض الأحاديث النبويّة التي تحدثت عن فضل الشهيد وثوابه بقي أن يختم هذا المقال ببعض الأقوال المقتبسة لبعض الأشخاص والكتّاب الذين كتبوا عن الشهداء في مجال رثائهم أو في مجال بيان عظمتهم للناس والعالم، ومن تلك الأقوال:[١٤]

  • "أما الشهداء فهم طيور الدنيا الجميلة، أتعرف لماذا؟ لأنّهم أكثر الناس حبًّا للحريّة، تظلّ تناديهم و تناديهم، يجرون وراءها، ولأنّها تحبّهم تواصلُ اللّعب معهم، تعلو وتهبط فيصعدون خلفها وينزلون.. يفتّشون عنها في كلّ مكان.. وهم لا يعلمون أنّها مختبئة في أجسادهم.. الجنود يعرفون هذا السر.. نعم، الجنود هناك خلف الحواجز، في الطائرة المروحية، في الدبابة، القناصون فوق الأبراج يعرفون السر؛ ولهذا السبب يصوّبون نيرانهم نحونا.. نعم.. هذا كلّ ما في الأمر.. لا يصوّبون نحونا كي يقتلونا، يصوبون نحونا كي يقتلوا الحرية التي تختبئ فينا.. الحريّة التي نطاردها طوال عمرنا كي نمسك بها"؛ إبراهيم نصر الله.
  • "الشهداء قناديل في عتمة خيباتنا"؛ أيمن العتوم.
  • "الشهداء يتساقطون على جانبي الطريق؛ لأنّ الطغاة يسيرون وسطها"؛ محمد الماغوط.
  • "إذا كان الأحياء يشيخون؛ فإنّ الشّهداء يزدادون شبابًا"؛ مريد البرغوثي.

المراجع[+]

  1. سورة آل عمران، آية: 169.
  2. "تعريف و معنى الشهيد في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-03-2020. بتصرّف.
  3. ^ أ ب "أولى لحظات الشهيد"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-03-2020. بتصرّف.
  4. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1668، حديث حسن صحيح غريب.
  5. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عتبة بن عبد السلمي، الصفحة أو الرقم: 4663، حديث أخرجه في صحيحه.
  6. "عندما يذهب الشهداء إلى النوم"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-03-2020.
  7. "يوم الشهيد"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-03-2020.
  8. "الشهيد"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-03-2020. بتصرّف.
  9. "فضل الشهداء"، www.kalemtayeb.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-03-2020.
  10. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 7022، حديث أخرجه ابن حبان في صحيحه.
  11. رواه الإمام القرطبي المفسر، في تفسير القرطبي، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 5/406، حديث إسناده صحيح.
  12. رواه ابن حجر العسقلاني، في فتح الباري لابن حجر، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 10/6، حديث رجاله ثقات.
  13. رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن نعيم بن همار الغطفاني، الصفحة أو الرقم: 2/280، حديث رواته ثقات.
  14. "الشهداء"، www.goodreads.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-03-2020.