سؤال وجواب

أسباب-التطرف


التطرف

يُستعمل تعبير التطرف لوصف أفكار أو أعمال غير مبرّرة، فمن ناحية الأفكار، يستعمل لوصف الأيديولوجيا السياسية التي تعدّ بعيدةً عن التوجه السياسيّ للمجتمع. ومن ناحية الأعمال، يستعمل لوصف المنهجيات العنيفة المستعملة في محاولة تغير سياسية أو اجتماعية. وقد يعني التعبير استعمال وسائل غير مقبولة من المجتمع مثل التخريب أو العنف للترويج لجدول أعمال معين. ومصطلح التطرّف يُطلق دائمًا من الآخرين، بدلًا من وصف شخص أو مجموعة أنفسَهم بذلك، فلا توجد طائفة أو حزب سياسيّ يدعو نفسه بمتطرّف يميني أو متطرّف يساري. وتصنيف شخص أو مجموعة أو عمل كمتطرّف حاليا، في أغلب الأحيان يعتبر تقنية لتحقيق هدف سياسي، وتمرير قوانين معينة، أو حتى شنّ الحروب. وهذا المقال خاص للحديث عن أسباب التطرف.[١]

أسباب التطرف

تتنوّع أسباب التطرف ومنابعها، إلا أنّه يمكن تصنيفها إلى ثلاث فئات رئيسة، وهي: الأسباب بيولوجية: وهي من أسباب التطرف الناجمة من سوء معاملة الأسرة، أو تعرض المتطرف لصدمة نفسية في سن معين، أو فقدان المتطرف أحد الأبوين في سنّ مبكرة ومعاناته الفقد، وشعور المتطرف بالظلم وجنون الشك والاضطهاد والإقصاء، ممّا يجعله رافضًا لأيّ شكل من أشكال السلطة، وأكثر ميولاً لتكوين جماعات مع أشخاص من الفئة العمرية نفسها دون أن تكون خاضعة لأيّ نوع من القوانين.[٢]

ومن أسباب التطرف الأخرى، الأسباب نفسية: ويقصد بأسباب التطرف هذه، أن يعاني الفرد المتطرف من اضطرابات عصبية، أو اضطرابات في الشخصية، يكون التطرف فيها طوق الخلاص الذي يساعد المتطرف للخروج من دوامة القلق والاكتئاب المسيطر على حياته وتفكيره. كما تعدّ الأسباب الاجتماعية من أسباب التطرف: كأن ينشأ الفرد في بيئة مجتمعية فقيرة والمستوى المعيشي المتدني، مليئة بالجهل والتخلف، مما يزعزع وحدة العائلة في أوقات الشدة ويدفع بأفرادها للجوء إلى التطرّف. ويمكن الزيادة إليها الأسباب الثقافية بوصفها من أسباب التطرف، عندما تعارض الثقافة حريات الفرد، ورغبته بالتعلم، والتطوّر، والانفتاح إلى العالم، والاستمتاع بالفنون المعاصرة.[٢]

كما يمكن اعتبار الأسباب الدينيّة من أسباب التطرف؛ كأن يعيش المتطرف في وسط مناقض لنفسه، فيتعلم من رجال الدين أن السرقة والرشوة حرام، وعندما يخرج إلى العالم الحقيقي يصدم بالتناقض الواضح وانتهاك كل ما كان يعتبره محرمًا، فيدخل في دوامة تدفعه ليصبح أكثر عدوانية وتعصبًا، رفضًا لهذا التناقض. ويمكن الاضافة إلى الأسباب السابقة من أسباب التطرف الأزمات السياسية والاقتصادية والمشاكل الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع ككل، فتضيق الحصار على الفرد، فتصبه ردة فعل عنيفة احتجاجًا على هذه الأوضاع بالتطرف. وبشكلٍ عامّ يمكن القول إنّ الاستبداد أيضًا، الخارجي والداخلي يعتبر من أسباب التطرف وتغذيته وتقويته في دول العالم النامية المتخلّفة، أما في الدول المتقدمة فإن النظام الرأسمالي الظالم هو المسؤول عن أسباب التطرف.[٢]

حركات متطرفة

تاريخيًا، عرفت مجموعة من الحركات السياسية أو المجتمعية بأنّها حركات متطرّفة، فقد توافرت فيها كل أسباب التطرف، ودلّت أعمالها على تطرّفها، وقد وصفت هذه الحركات بالتطرف من نقادها، وهذه الحركات هي:[٣]

  • الفاشية: وهي أيديولوجية سياسية وطنية سلطوية راديكالية. نشأت في إيطاليا، وهي حركة تقابل من الوجهة السياسية النظام الديمقراطي ومن الوجهة الاقتصادية تقوم على نظام النقابات وعلى تدخل الدولة في كل مظاهر النشاط الاقتصادي. ويروج الفاشيون إلى العنف والحرب كأدوات لتحقيق التجدد الوطني، الروحي، والحيوي. ويرون الصراع على أنه حقيقة الحياة المسؤولة عن تقدم البشرية جمعاء.[٥]
  • الحملات الصليبية: وهي الحملات والحروب الصليبية التي قام بها الأوروبيون من بين أواخر القرن الحادي عشر حتى الثلث الأخير من القرن الثالث عشر، وكانت بشكل رئيس حروب فرسان، سمّيت بهذا الأسم لأن من اشتركوا فيها كانوا يخيطون على ألبستهم على الصدر والكتف علامة الصليب من قماش أحمر. وكانت السبب الرئيس في سقوط الإمبراطورية البيزنطية.[٦]

ومن الحركات التي توصَف بالتطرّف أيضا: الحركة الصهيونية، وحملات التكفير الإسلامية، وحركات التمييز العنصري بين البيض والملونين، والراديكاليين السياسيّين الذين يدعون بالمتطرّفين أحيانًا، رغم أنّ مصطلح راديكالي يُعنَى به التوجّه إلى جذر المشكلة أصلًا، أيْ التوجّه إلى أسباب التطرف في حالة التطرف.[٣]

بين الأصولية والتطرف

ظهر في الآونة الأخيرة حركاتٌ متطرفة، وجماعات شبابية في العالم الإسلامي، تبنَّت أفكارًا وآراء تدَّعي بها نسبًا إلى الأصول الأولى للإسلام، واختلفت هذه الجماعات في الاجتهادات والاستنباطات، وموقفها من المجتمع ومشكلاته، والحكم ونظامه، والإنسان ومنهج تربيّته. ومع ازدياد عدد هذه الجماعات، استغلت بعض الجماعات استغلالا سيئًا، لزم معه التفريقبين الأصولية الإسلامية، والتطرف وأسباب التطرف والغلو، الذي حذَّر منه الإسلام، ونفر منه.[٧]

والأصولية مصطلح غربيّ، لم تعرفه البيئة العربية الإسلامية قديمًا، نُقِل إلى اللغة العربيّة، حاملًا معه تجرِبةَ الغرب، وهمومَه، وملابساته، وكان أوّل ظهور للمصطلح في معجم "لاروس الصغير" 1966م، وكان معناه عامًّا غير محدد ولا دقيق، وكان يُرمز به إلى: "مواقفَ عامةٍ لمجموعة الكاثوليك الذين دأبوا على التَّمَسُّك بالماضي، ورفضوا كل جديد، وعدم القدرة على تكييف عقيدتهم مع ظروف الحياة وتطوراتها الجديدة في فرنسا"، وبعد ذلك بثلاث سنوات ظهرت الكلمةُ في معجم "لاروس الجيب" سنة 1969، يقصد بها الكاثوليك وحدهم، وخاصة الذين كانوا يتميزون بالاستعداد الفكري لرفض التكيف مع ظروف الحياة الحديثة.[٧]

وفي سنة 1984م ظهر "المعجم الكبير" أخذ المصطلح يتحدد معناه بشيء من الدقة والوضوح، فهو يعني داخل الحركة الدينية: "موقف الجمود والتصلب، والمعارضة والرفض لكل جديد ولكل تطور"، وكل الأمثلة التي ذكرها "لاروس" في معجمه توضيحًا لمفهوم مصطلح الأصولية، كانت مأخوذة من مواقف الكاثوليك في فرنسا، والتي جسدت حركة الكفاح في ظل يبوس العاشر بفرنسا، من سنة 1903م - 1914م. وفي عصر الحداثة شهد المصطلح تطورًا كبيرًا، خاصة بعد مؤتمر الفاتيكان الثاني، ثم انتقل المصطلح من مجال الدراسات الدينية الكاثوليكية، إلى مجال السياسة والاجتماع، حيث أريد به "المذهب المحافظ والمتصلب في موضوع المعتقد السياسي".[٧]

أما جيمس يبير، فيؤكّد المعاني السابقة لمصطلح أصولية في الغرب عمومًا، وفرنسا خصوصًا، وأضاف: يطلق المصطلح على فرقة من البروتستانت تؤمن بالعصمة الحرفية لكل كلمة وردتْ في الكتاب المقدس؛ لأن أفرادها يدَّعون أن الآباء يتلقَّوْن مباشرة عن الله، ويرفضون العقل، ويردُّون أحكامه وأحكام العلماء، ويرفضون التفكير العلمي، ويرونه احتقارًا للكنيسة التي تختص بكلمة الرب، ويميلون إلى العنف واستخدام القوة لبسط آرائهم ومعتقداتهم على الجميع.[٧]

وتظهر البدايةَ الأولى للممارسات العملية للفكر الأصولي في موقف اليهود من نصوص التوراة، ومحاولة جذب البروتستانت إلى الأصول التوراتيّة، للإيمان بها، والاعتقاد فيها، خاصة ما جاء في هذه النصوص من نبوءات تبشِّر بميلاد إسرائيل، واستعادة أرض الميعاد، ثم عودة المسيح ثانية ليحكم العالم من مسقط رأسه بأرض أورشليم القدس، ولقد نجحت الأصولية الصهيونية في إقناع الأصولية النصرانية بهذه النبوءة الخرافية، وأصبح البروتستانت -خاصة في أمريكا- على قناعة تامة بذلك، وارتبط عندهم عودةُ المسيح الثانية بقيام دولة إسرائيل، وأصبح من الواجب عليهم -تبعًا لذلك وتحقيقًا لهذه النّبوءة- أن يعملوا جاهدين لإقامة دولة "إسرائيل" ومساندتها، وصار ذلك واجبًا دينيًّا مقدسًا عند البروتستانت.

وكان ميلاد دولة إسرائيل سنة 1948م، واحتلال إسرائيل للقدس كاملة لأول مرة في التاريخ سنة 1967م - هي أبرزَ الإشارات التاريخية لتحقيق هذه النبوءة، كما ساعد الوضع المتردي للعرب، وسيطرة إسرائيل على القدس كاملة لأول مرة منذ أكثر من ألفي عام، على الترويج لهذه النبوءة، وضرورة الاعتقاد بصحّة الأصول التوراتية التي اشتملت على هذه النبوءة، والعودة إليها كمرجع عَقَدِي لإدارة شؤون الحياة في الأصولية الصهيونية والنصرانية على حد سواء. وترتب على ذلك زيادةُ عدد الأصوليين البروتستانت في الغرب، العاملين على مساعدة الصهيونية، إذ بلغ عددهم في أمريكا وحدها بـ30 مليون أصولي، من مجموع النصارى البروتستانت البالغ 40 مليون شخص.[٧]

نُقل لفظ الأصولية إلى العالم العربي، محمّلًا بمعاني "جمود، جنوح إلى الماضي، مناهضة التطور، عدم التكيُّف مع الواقع المعاصر، العلاقة التناقضية القائمة بين الدين والتطور، بين التراث والحداثة، العنف"، كلُّ هذه الصفات صاحبت المصطلحَ ولازمتْه تاريخيًّا، وبالتالي صاحبتْه حين نقل إلى اللغة العربية، حيث تُرجم المصطلح وهو يعني كل هذه الصفات، وأصبح كلُّ مَن يُسمى أصوليًّا يرمز به إلى كل هذه المعاني. وأصبح يُطلق على كل ملتزم بالأصول الإسلامية والسنن النبوية، فصار كلُّ مَن يرتاد المسجد، ومَن يُطلِق لحيته، ومَن ترتدي الحجابَ، رموزًا حية للأصولية دون توضيح الفرقَ بين معنى المصطلح في موطنه الذي ولد فيه، وبينه في اللغة العربية والبيئة الإسلامية، وماذا يعني لفظ أصولي وأصولية في لغة العرب.[٧]

وهنا لا بُد من التفريق بين الفكر الأصولي، والفكر المتطرف، ومنطلقاتهما في معناهما الأصلي، وأسباب التطرف وأسباب الأصولية كل منهما حسب بيئته واللغة التي نشأ فيها وخاصة الفرق بينهما في الإسلام، فالأصولية تعني الإسلامَ الحي المتحرك، والتطرف يعني التقوُّل على الإسلام، والتطاول عليه. كما أن منطلق الأصولية هو النص قرآنًا وسنة، أما منطلق التطرف فهو أقوال البشر، من رؤساء الفِرق، وآراء علمائها. والأصولية تعني الالتزام بالوسطية، وبالحكم الشرعي أمرًا ونهيًا، بينما يعني التطرف الخروج عن حد الوسطية والاعتدال، إلى الغلو، والتنطع، والتشدد. والأصولية محمودة، ومطلوبة شرعًا، والتطرف مذموم، منهي عنه شرعًا. والأصولية تمثل سماحة الإسلام في الدعوة إليه، أما التطرف، فمِن سماته العنفُ والغلظة. والأصولية التزام بما ألزم الشرع أمرًا ونهيًا، والتطرف إلزام بما لا يلزم شرعًا.[٧]

الأصولية تعني حياة الإسلام واقعًا، والتطرف وأسباب التطرف، فهي آفة الدين وعلة التدين معًا؛ لأنه يجعل ما ليس شرعيًّا أمرًا شرعيًّا؛ ولذلك فإن المنطلقات الفكرية للتطرف، تختلف في أصولها ومبادئها عن منطلقات الأصولية، وهذا أمر على درجة كبيرة من الأهمية؛ أن يتبين الناس الفروق بين مصطلح التطرف والأصولية من جانب، والفرق بين منطلقات كلٍّ منهما من جانب آخر.[٧]

أقوال عن التطرف

عند البحث عن أسباب التطرّف ومفهومه، فلا بُدّ أن يعترض الباحث مجموعة من الأقول عنه في الأدبيات السابقة، فها هو دانتي في الكوميديا الإلاهية يقول "الأماكن الأسخن في الجحيم محجوزة لأولئك الذين، يظهر حيادهم أثناء الأزمات الأخلاقية". كما قال باري غولدوتر في مؤتمر 1964 الجمهوري "التطرّف في الدفاع عن الحريّة ليس بالرذيلة، والاعتدال في مسعى العدالة ليس بالفضيلة". ومن الأقوال المتداولة أن المتطرف برأي شخص هو "مقاتل للحرية"، وبرأي شخص آخر " التطرّف يُحَسُّ ويُستَشعَر من خلال الاعتقادات السائدة في وقت إطلاق اللقب، التاريخ والاعتقادات السائدة في وقت آخر قد تروي قصّة مختلفة".[١]

المراجع[+]

  1. ^ أ ب "تطرف"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 20-10-2019. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت "الاستبداد والتطرّف.. وسرقة الثقافة السورية!"، www.arageek.com، اطّلع عليه بتاريخ 20-10-2019. بتصرّف.
  3. ^ أ ب "تطرف"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 20-10-2019. بتصرّف.
  4. "نازية"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 20-10-2019. بتصرّف.
  5. "فاشية"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 20-10-2019. بتصرّف.
  6. "الحملات الصليبية"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 20-10-2019. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ت ث ج ح خ د "بين الأصولية والتطرف"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 20-10-2019. بتصرّف.