تاريخ-الحضارة-القبصية
محتويات
الثقافة القبصية
وجدت الثقافة القبصية في العصر الحجري المتأخّر بالمنطقة المغاربية، وهي حديثًا الجزائر وتونس وصولًا إلى برقة في ليبيا، واستمرت من حوالي سنة 8000 إلى 4000 قبل الميلاد، وسُمّيت باسم مدينة قفصة التونسية، تركزت صناعات القبصيين بشكلٍ أساسيّ في تونس والجزائر، مع بعض المواقع الحجرية التي شهدتها جنوب إسبانيا إلى صقلية، وتميزت هذه الحضارة بصناعة أدوات حجرية بواسطة صفيحات صوانية، إضافةً إلى الشفرات والمكاشط، لكن قلّ لديهم تنوع الأشكال الهندسية أو كان معدومًا فكانت معظم مصنوعاتهم بشكل المثلث، وترافق معها بعض الأدوات العظمية لكنها كانت نادرة واقتصر استخدامها على صنع بعض المثاقب الضيقة، في هذا الموضوع توجد معلومات حول تاريخ الحضارة القبصية.[١]
تاريخ الحضارة القبصية
خلال هذه الفترة في تاريخ الحضارة القبصية كانت بيئة المنطقة المغاربية بمثابة السافانا المفتوح، حيث غابات البحر الأبيض المتوسط على ارتفاعات عالية، كان القبصيون يسكنون في الأكواخ الخشبية أو المغارات، واعتادوا على الترحال بين الصحارى والمرتفعات خلال فصول السنة، حيث عاشوا في الأودية أثناء فصلَيْ الصيف والخريف، وتضمن النظام الغذائي للقبصيين مجموعة واسعة من الحيوانات، مثل الأرانب البرية والقواقع أو الحلازين، وهناك القليل من الأدلة بشأن النباتات التي تناولوها، وتقتصر على استهلاك الفاكهة وبعض الحبوب، أما من الناحية البيولوجية فقد كان السكان القبصيون من نسل الإنسان العاقل هومو الحديث، أما لغتهم، فبالنظر إلى النطاق الزمني لثقافة القبصيين، والتواجد في نطاق واسع في الصحراء، والاقتران الجغرافي مع المتحدثين باللغات الإفروآسيوية، ربط اللغويون التاريخيون لغتهم مبدئيًا مع أقرب المتحدثين بالعائلة اللغوية الإفروآسيوية في القارة.
صناعة الأدوات القبصية
في تاريخ الحضارة القبصية تُعدّ أدواتهم مثالًا كلاسيكيًا على صناعات تلك الفترة، فقد عبارة عن مجموعة من الأدوات متناهية الصغر مثل شفرة صغيرة الحجم، تُنسب بعض اللوحات الصخرية في شمال إفريقيا إلى أهل صناعة القبصيين[٢]، وقد شهد الإنسان تغيّرًا تكنولوجيًا مفاجئًا في حوالي عام 8000 قبل الميلاد في المنطقة بسبب صناعة القبصيين، وهي تتميز بالشفرات الكبيرة المدعومة إضافة إلى تواجد الرقائق الكبيرة المسننة وغير المسننة، كمت توجد بعض أحجار الطحن، والمزيد من أدوات العظام، والصخور المصقولة، وقشر بيض طائر النعام المزخرف، وبعض حبات الصدف، وربما نقش صور الطيور على حصاة، يُعتقد أن هذا تزامن مع تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة بعد حوالي 8000 قبل الميلاد.[٣].
الاقتصاد القبصي
بنى القبصيون الاقتصاد على أسس معتبَرة للاستقرار، وذلك بِحَسب الفصول السنويّة الأربعة والمناطق كونها صحراويّة أو ساحلية، وبحسب مواسم معينة لقطاف الثمار وصيد الحيوانات[٤]، وقد وُجِد عدد كبير جدًا من مواقع القبصيين ولكن كثافة المواقع غير معروفة في تاريخ الحضارة القبصية، كما يبدو أن الكثافة السكانية كانت في كثير من الأحيان عالية، لا سيما في منطقة تبسة في شرق الجزائر، وهناك قدر معروف عن أنماط حياتهم، وعلى الرغم من عدم كفاية بناء نموذج موثوق لأنظمتهم الاقتصادية، فقد كانوا صيادين وخاصة في السهول العالية بدلا من الجبال أو الساحل، وشملت تربية الثدييات الخاصة بهم، والماشية البرية، والأغنام البربرية، والغزال، والحمار الوحشي، والأرنب البري، وحتى السلحفاة البرية، واشتهروا باستهلاك بيض النعام.
أما أحد مصادر البروتينات، فكان من القواقع والحلازين الأرضية التي توجد بكميات هائلة في بعض المواقع، التي يتم جمعها على مدار العام ولكن بشكل خاص في الربيع والصيف، وهناك بعض المؤشرات التي تشير إلى أن الظباء قد تم ذبحها بشكل انتقائي للغاية أو حتى إبقاؤها تحت شكل من أشكال التدجين، وربما كان جمع النباتات البرية أكثر أهمية في نمط الشمولية من الصيد وجمع الحلزون، وقد تشمل الفواكه والجذور والأعشاب البرية المختلفة، ويبدو أن هناك عددًا من القطع الأثرية التي تشير إلى جمع النباتات وإعدادها، مثل الأحجار المثقبة التي ربما كانت تعمل على حفر الجذور، وشفرات الصوان اللامعة الحواف، والعديد من المناجل العظمية أو السكاكين المحصنة، وقد تم طهي الطعام على ما يبدو بمساعدة الأحجار، ربما بحرق الحطب في حاويات مخبئة أو في أفران أرضية.[٣].
تقسيمات الحضارة القبصية
مع كثرة وتنوع مواقع القبصيين، وطول مدة حضارتهم في شمال إفريقيا لآلاف السنين، فقد انقسم تاريخ الحضارة القبصية إلى قسمين حسب المكان الجغرافي والنطاق الزمني، وهما:[٣]
- الحضارة القبصية الشرقية: وعرفت بالمعيارية، وقد بدأت 8000 قبل الميلاد إلى 5000 قبل الميلاد، ويشار إلى أنها قد عمّت شرق الجزائر إلى وسط تونس.
- الحضارة القبصية الغربية: أو العليا، بدأت 6500 قبل الميلاد إلى سادت غرب ووسط الجزائر وفي المناطق حول مدينة سطيف وما جاورها إلى الجنوب، واشتهرت بالصناعات الحجرية الصغيرة، وكانت الأشكال الهندسية ذات اهتمام وجيز، وظهرت صناعة الأدوات على شكل مثلث، كما توصلوا إلى تسنين الشفرات والمثاقب اليدوية.
تقليديًا، كان يُعتقد أن هاتين المرحلتين ليس بينهما تطور في تاريخ الحضارة القبصية، فلم تكن الروابط التطورية بينهما واضحة، لكن في الآونة الأخيرة، تشير نتائج تحليل الكربون المشع إلى أن الشرقية التي ربما بدأت في حوالي 8000 قبل الميلاد، قد استمرت لفترة أطول بكثير مما كان متوقعًا؛ في حين أن الغربية قد بدأت قبل ما لا يقل عن 6500 قبل الميلاد، وكان هناك تداخل كبير بينهما، ومن الواضح أن مراجعة التفكير السابق ليس فقط حول تزامن الحضارتين، ولكن أيضًا أهمية التباين التكنولوجي بين الأدوات.[٣]
بشكلٍ عامّ، تعد الأعمال الفنية الحجرية القبصية الشرقية أكثر من الغربية، تعتبر الشفرات والصناديق الكبيرة المدعومة أمرًا شائعًا، فضلًا عن كاشطات ذات نهاية ثقيلة على الشفرات والرقائق، والبلاط المسنن، ولكن هناك أيضًا أدوات دقيقة، وتتميز الغربية بأدوات أكثر صغرًا تحتوي على الكثير من الأدوات التي أصبحت أكثر تنوعًا مع العديد من الأنماط المثلثة الشكل، تعدّ القطع الأثرية للعظام أكثر شيوعًا في الغربية، مثل عظام الخفافيش المصقولة، وفي بعض الأحيان كانت العظام الطويلة البشرية تتحول إلى أدوات أثرية، كما من الواضح أنه تم استخدام قشر بيض النعام المزخرف كزجاجات مياه.[٣]