من-هو-طرفة-بن-العبد
محتويات
الشعراء الجاهليون
تعدّدت أغراض الشعر في العصر الجاهلي بين هجاء ومدح وغزل وفخر[١]، وقد برع الجاهليون في النظم في هذه الأغراض على تفاوت الإبداع في النظم الشعري في هذه الفنون بين شاعر وآخر، فمنهم من برع في الغزل مثل عنترة بن شداد وزهير بن أبي سلمى، ومنهم من برع في الهجاء مثل حسان بن ثابت، وقد سار شعراء الجاهلية قد على نظام واحد يقوم على تقسيم القصيدة إلى أقسام حيث تستهل القصيدة بالوقوف على الأطلال، ثم استيقاف الرفيق ووصف الرحلة، ثم المدح والفخر ثم الحكمة، ولعل من أبرز هؤلاء الشعراء: الحارث بن حلزة والنمر بن تولب والخنساء وكعب بن مالك والنابغة الذبياني والشنفرى وتأبط شرًا وطرفة بن العبد الذي عرف بفضل معلقته.
حياة طرفة بن العبد
وهو عمرو بن العبد بن سفيان من بني بكر من قبيلة وائل، وطرفة لقب لقّب به ويعني المال الموروث، ولد في البحرين في بيت عريق الأصل، إلا أنه تيتم في صغره مما جعل أعمامه يضيقون عليه العيش طمعًا بميراثه، فظلموه ووالدته ظلمًا شديدًا، وذلك قد دفعه للتمرد على قبيلته والخروج عليها، ووالسعي في الإنفاق إسرافًا وتبذيرًا، كما أنه قد اعتزل أهله وعشيرته[٢]، وندد بهم في الشعر فقال:[٣]
ما تَنظُرونَ بِحَقّ وَردَة َ فيكُمُ،
- صَغُرَ البَنونَ، ورَهطُ وردة َغُيّبُ
قد يَبعَثُ الأمرَ العَظِيمَ صغيرُهُ،
- حتى تظلّ له الدماءُ تَصَبَّبُ
والظُّلْمُ فَرّقَ بينَ حَبّيْ وَائِلٍ:
- بَكرٌ تُساقيها المَنايا تَغلبُ
كان طرفة بن العبد شاعرًا حاذقًا فخورًا بشعره، كما كان الشعر له منجاة له في كثير من السقطات، إذ يذكر أن طرفة بن العبد قد فقد ماله، واحتاج أهله وعشيرته، فعمل لدى أخيه راعيًا للإبل حتى ضيّعها، فسأله أخوه إذا كان بمقدوره أن يرد إبله بشعره، ففعل وحصل لنفسه على إبل منها وظل ينفق منها كافيًا نفسه مر السؤال والحاجة.
طرفة بن العبد في الفخر والحكمة
برع طرفة بن العبد في نظم الشعر، وتكشّفت حذاقته الشعرية في سن صغيرة، ولعله كغيره من شعراء العصر الجاهلي قد جعل من الشعر وثيقة يفرغ فيها ما يعثر به من عقبات الحياة، ويسجل فيها ما أحرزه من نقاط نصر على أعدائه وعشيرته ونفسه أيضًا، فالظروف الصعبة التي عاشها طرفة بن العبد في صغره والمعاناة التي قاساها خلال فترة حياته بين أعمامه بعد وفاة والده، عملت على صقل شخصيته الاجتماعية من جهة، والفنية من جهة أخرى، فقد اتخذ لنفسه ردة فعل قوية تجاه ما لقيه من أبناء عشيرته وفضل اعتزالهم، وانكب على نفسه وصحبه يلهو ويمضي ما تبقى له من أيام العمر، إلا أن الحياة لم تساوره فسرعان ما انقلب حاله وتغير وتخلى عنه رفقته وأصحابه، وارتأى الرجوع إلى حضن العشيرة ثانية، وبذل العمل الشاق فيها والسعي من أجل الكسب، ومن هنا ظهرت أولى حذاقاته الشعرية وقت استرداده نوق أخيه بشعره، فبدا الشعر له وسيلة وهدفًا في آن معًا، وجعل من شعره موقدًا يصقل فيه تجاربه ويصوغ فيه مغامراته وعراكه مع الحياة، فاكتسى شعره بلون الحكمة والوقار كما في قوله:[٤]
إذا كنتَ في حاجة ٍ مرسلاً
- فأرْسِلْ حَكِيماً، ولا تُوصِهِ
وإنْ ناصحٌ منكَ يوماً دنَا
- فلا تنأَ عنه ولاتُقْصهِ
وإنْ بابُ أمرٍ عليكَ التَوَى
- فشاوِرْ لبيبًا ولاتعصهِ
وَذو الحَقِّ لا تَنتَقِص حَقَّهُ
- فَإِنَّ القَطيعَةَ في نَقصِهِ
ولعلّ هذه الحكمة التي اكتسبها طرفة بن العبد من خلال تجاربه في الحياة، كانت نابعة من تلك الثقة بالنفس التي تسامت بلا حدود، والتي قد تنامت لديه واكتسبت وقت اعتزاله أهله وعشيرته واختلائه بنفسه وبصحبته، إذ استشعر في نفسه القوة والقدرة على الاعتماد على الذات وعدم الاحتياج إلى الآخر، إلا أن الحياة لم ترغب بتعليمه هذا الدرس وحده، فألقت عليه بصفعتها وأدارته حيث الحاجة لكل ما قد تخلى عنه وتركه،فأيقن في قرارة نفسه أهمية الموازنة بين الذات والآخر، بين الفرد والجماعة، فصنع من نفسه شاعرًا حكيمًا مفاخرًا، ويقول في فخره بنفسه وعزته:[٥]
إذا القومُ قالوا مَن فَتًى ؟ خِلتُ أنّني
- عُنِيتُ فلمْ أكسَلْ ولم أتبَلّدِ
أحَلْتُ عليها بالقَطيعِ فأجذَمتْ،
- وقد خبَّ آل الأَمعز المتوقد
فذلك كما ذالت وليدة مجلس
- تُري ربّها أذيالَ سَحْلٍ مُمَدَّدِ
ولستُ بحلاّل التلاع مخافة ً
- ولكن متى يسترفِد القومُ أرفد
وإلى جانب ذلك فقد تميز شعر طرفة بن العبد بالكثير من السمات الفنية، فهو يلجأ لاستخدام بالإيجاز، إضافة إلى الحس الموسيقي العميق الذي يخلفه الوزن والتصريع بالقوافي.
كتب عن طرفة بن العبد
لقد كان لشعر طرفة بن العبد أهمية بالغة في رفد مصادر الأدب واللغة بالشواهد والعبر الشعرية، لذلك فقد عني الدارسون بجمع أشعار طرفة بن العبد في دواوين وعمدوا إلى شرحها وتفسيرها والتعقيب عليها، هذا بالإضافة إلى الكتب التي تناولت قصائده بالدراسة النقدية واللغوية، ومنها:
- ديوان طرفة بن العبد: وفيه عمد الأعلم الشنتمري إلى شرح ديوان طرفة بن العبد، وتفسيره كما أرفق فيه طائفة بالشعر المنسوب إليه.
- الذات والآخر: قراءة في شعر طرفة بن العبد: وهي دراسة عمد إليها نضال يوسف محمد ملكاوي، لتحليل شعر طرفة بن العبد للكشف عن أثر الذات في تشكيل بنيته الشعرية، وصراعها مع الآخر المتمثل بالعشيرة والصديق.
- الصورة الشعرية في شعر طرفة بن العبد، موضوعها ومصدرها: وهي دراسة قام بها إسماعيل العالم، بغية الوقف على عنصر الصورة الشعرية في قصائد طرفة بن العبد وبيان أثرها في التشكيل المضموني والفني.
- طرفة بن العبد: حياته وشعره: وهي دراسة قام بها محمد علي الهاشمي، ووقف خلالها على حياة طرفة بن العبد ونسبه، وأبرز أعماله الشعرية.
- فلسفة التأمل وثنائية الأنا والآخر في معلقة طرفة بن العبد: وهي دراسة قام بها إبراهيم عبد الله فاضل، ووقف من خلالها على أثر الذات وصراعه مع الآخر في خوض معترك الحياة من خلال اتخاذ المعلقة أنموذجًا.
قصائد طرفة ابن العبد
حملت مصادر الأدب العربي ذخيرة وفيرة مما بلغ من قصائد طرفة بن العبد، في فترتي العزلة واللهو والانكباب على الذات، وفترة الردة للعشيرة وبناء الذات تحت أطر جماعية، ومن أبرز قصائد طرفة بن العبد التي يبرز فيها إبداعه الفني الأبيات الآتية:
- أولًا: الفخر:[٦]
إِنَّ اِمرَأً سَرفَ الفُؤادِ يَرى
- عَسَلاً بِماءِ سَحابَةٍ شَتمي
وَأَنا اِمرُؤٌ أُكوى مِنَ القَصرِ ال
- بادي وَأَغشى الدُهمَ بِالدُهمِ
وَأُصيبُ شاكِلَةَ الرِمِيَّةِ إِذ
- صَدَّت بِصَفحَتِها عَنِ السَهمِ
وَأُجِرُّ ذا الكَفِلِ القَناةَ عَلى
- أَنسائِهِ فَيَظَلُّ يَستَدمي
وَتَصُدُّ عَنكَ مَخيلَةَ الرَجُلِ ال
- عِرّيضِ موضِحَةٌ عَنِ العَظمِ
- ثانيًا: المعلقة:[٧]
لِخَولة َ أطْلالٌ بِبُرقَة ثَهمَدِ،
- تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليدِ
وُقوفاً بِها صَحبي عَلَيَّ مَطيَّهُم
- يَقولونَ لا تَهلِك أَسىً وَتَجَلَّدِ
كَأَنَّ حُدوجَ المالِكيَّةِ غُدوَةً
- خَلايا سَفينٍ بِالنَواصِفِ مِن دَدِ
عدولية ٌ أو من سفين ابن يامنٍ
- يجورُ بها المَّلاح طورًا ويهتدي
يشقُّ حبابَ الماءِ حيزومها بها
- كما قسَمَ التُّربَ المُفايِلُ باليَدِ
- ثالثًا: اللوم والعتاب:[٨]
أَسلَمَني قوْمي ولم يغضَبوا
- لِسَوْءة حلّتْ بهمْ، فادحَهْ
كلُّ خليلٍ كنتُ خاللتُهُ
- لا تركَ اللَّهُ له واضِحهْ
كلُّهُمُ اروَغُ من ثعلبٍ
- ما أشبهَ اللّيْلَة َ بالبارحَهْ
- رابعًا: الغزل:[٩]
أصحوتَ اليومَ أم شاقتكَ هرّ
- ومِنَ الحُبّ جُنونٌ مُسْتَعِرْ
لا يكنْ حبَّك داءً قاتلاً
- لَيسَ هذا منكِ، ماوِيَّ، بِحُرّ
كيفَ أرجو حُبَّها منْ بَعدِ ما
- عَلِقَ القَلْبُ بِنُصْبٍ مسْتَسِرّ
أرّق العينَ خيال لمْ يقرّ
- طافَ، والرّكْبُ بصَحْراءِ يُسُرْ
- خامسًا: الحكمة:[١٠]
فَكيفَ يُرجّي المرءُ دَهراً مُخلَّدًا،
- وأعمالُهُ عمّا قليلٍ تُحاسبُهْ
ألم تَرَ لُقمانَ بنَ عادٍ تَتابَعتْ
- عليه النّسورُ، ثمّ غابتْ كواكبه؟
وللصعبِ أسبابٌ نجلُّ خطوبها،
- أقامَ زمانًا، ثمّ بانتْ مطالبهُ
إذا الصعبُ ذو القرنينِ أرخى لواءهُ
- إلى مالكٍ ساماهُ، قامت نوادبه؟
المراجع[+]
- ↑ شوقي ضيف (1960)، تاريخ الأدب العربي، العصر الجاهلي (الطبعة الحادية عشرة)، القاهرة: دار المعارف، صفحة 190. بتصرّف.
- ↑ طرفة بن العبد (2002)، ديوان طرفة بن العبد (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 3. بتصرّف.
- ↑ "ما تَنظُرونَ بِحَقّ وَردَة َ فيكُمُ،"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 16-11-2019.
- ↑ "إذا كنتَ في حاجة ٍ مرسلاً"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 16-11-2019.
- ↑ "لِخَولة َ أطْلالٌ بِبُرقَة ِ ثَهمَدِ، ( معلقة )"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 16-11-2019.
- ↑ "إن امرأ سرف الفؤاد يرى"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 16-11-2019.
- ↑ "لِخَولة َ أطْلالٌ بِبُرقَة ِ ثَهمَدِ، ( معلقة )"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 17-11-2019.
- ↑ "أَسلَمَني قوْمي ولم يغضَبوا"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 17-11-2019.
- ↑ " أصحوتَ اليومَ أم شاقتكَ هرّ"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 17-11-2019.
- ↑ "فَكيفَ يُرجّي المرءُ دَهراً مُخلَّداً،"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 17-11-2019.