سؤال وجواب

قصائد-صوفية-في-حب-الله


الشعر الصوفي

أتى مفهوم الشعر الصوفي من مفهوم الصوفية، والتي تعدّ مذهبًا إسلاميًا يبحث في السلوك والأدب، ولا يعدّه ممثلوه مذهبًا، إذ إنّه واحدٌ من أركان الدّين: الإسلام، الإيمان، الإحسان، والمرء يسعى ليبلغ مرحلة الإحسان[١]، وأما الشعر الصوفي، فهو ذلك النظم، الذي يترجم حب الشاعر، والذي يسعى جاهدًا لأن يكون على عتبة الحضرة الإلهية، ويصل بذلك إلى العشق الإلهيّ والمحمديّ، وعادةً ما تصحبه الشعراء أبدعوا في الشعر الصوفي، وأكثر ما يميز الشعر الصوفي هو صدق العاطفة والمشاعر، وتدفّق الأحاسيس، إذ كان الشعراء يكتبون ما يجول في خواطرهم من شوق وحب لله تعالى ورسوله، وتاليًا تذكر أشهر قصائد صوفية في حب الله، وما قاله ابن الفارض:[٣]

زِدْني بفَرْطِ الحُبّ فيك تَحَيُّرا

وارْحَمْ حشىً بلَظَى هواكَ تسعّرا

وإذا سألُتكَ أن أراكَ حقيقةً

فاسمَحْ ولا تجعلْ جوابي لن تَرى

يا قلبُ أنتَ وعدَتني في حُبّهمْ

صَبراً فحاذرْ أن تَضِيقَ وتَضجرا

إنَّ الغرامَ هوَ الحياةُ فمُتْ بِهِ

صَبّاً فحقّك أن تَموتَ وتُعذرا

قُل لِلّذِينَ تقدَّموا قَبلي ومَن

بَعدي ومَن أضحى لأشجاني يَرَى

عنّي خذوا وبي اقْتدوا وليَ اسمعوا

وتحدّثوا بصَبابتي بَينَ الوَرى

ولقد خَلَوْتُ مع الحَبيب وبَيْنَنَا

سِرٌّ أرَقّ منَ النسيمِ إذا سرى

وأباحَ طَرْفِي نَظْرْةً أمّلْتُها

فَغَدَوْتُ معروفاً وكُنْتُ مُنَكَّرا

فَدُهِشْتُ بينَ جمالِهِ وجَلالِهِ

وغدا لسانُ الحال عنّي مُخْبِرا

فأَدِرْ لِحَاظَكَ في محاسنِ وجْهه

تَلْقَى جميعَ الحُسْنِ فيه مُصَوَّرا

لو أنّ كُلّ الحُسْنِ يكمُلُ صُورةً

ورآهُ كان مُهَلِّلًا ومُكَبِّرا
  • ومن أجمل قصائد صوفية في حب الله:[٤]

نسخْتُ بِحَبّي آية العِشْقِ من قبلي

فأهْلُ الهوى جُندي وحكمي على الكُلّ

وكلُّ فَتىً يهوى فإنّي إمَامُهُ

وإني بَريءٌ من فَتىً سامعِ العَذْلِ

ولي في الهوى عِلْمٌ تَجِلُّ صفاتُهُ

ومَن لم يُفَقّهه الهوى فهْو في جهل

ومن لم يكنْ في عِزّةِ الحبِّ تائهًا

بِحُبّ الذي يَهوى فَبَشّرْهُ بالذّل

إذا جادَ أقوامٌ بمالٍ رأيْتَهُمْ

يَجودونَ بالأرواحِ مِنْهُمْ بِلا بُخل

وإن أودِعوا سِراً رأيتَ صُدورهم

قُبوراً لأسرارٍ تُنَزّهُ عن نَقلِ

وإن هُدّدوا بالهَجْرِ ماتوا مَخافَةً

وإن أوعِدوا بالقَتْلِ حنّوا إلى القتل

لَعَمري هُمُ العُشّاقُ عندي حقيقةً

على الجِدّ والباقون منهم على الهَزْل
  • ومن أجمل ما كتب من قصائد صوفية في حب الله:[٥]

عـرفت الهـوى مذ عرفت هـواك

وأغـلـقـت قلـبـي عـمـن سـواك

وكــنت أناجيـــك يـا من تــرى

خـفـايا الـقـلـوب ولسـنا نـراك

أحبــك حـبـيــن حـب الهـــــوى

وحــبـًّـا لأنـــك أهـــل لـــذاك

فــأمّا الــذي هــو حب الهــــوى

فشـغلـي بـذكـرك عـمـن سـواك

وأمـّا الـــذي أنــت أهــل لــــه

فكـشـفـك للـحُـجـب حـتـى أراك

فـلا الحـمد فـي ذا ولا ذاك لا

ولـكـن لك الـحـمـد فـي ذا وذاك

وأشتـاق شوقيـن .. شوق النـوى

وشـوق لقرب الخلـي من حمـاك

فأمـا الــذي هــو شــوق النــوى

فمسـرى الدمــوع لطــول نـواك

وأمــا اشتيـــاق لقـــرب الحمـــى

فنــار حيـــاة خبت فــي ضيــاك

ولست على الشجو أشكو الهوى

رضيت بما شئت لـي فـي هداكـا
  • ومن أجمل ما كتب من قصائد صوفية في حب الله أيضًا:[٥]

يا سروري ومنيتي وعمـادي

وأنـيـسـي وعـدتـي ومــرادي

أنت روح الفؤاد أنت رجائـي

أنت لي مؤنس وشوقك زادي

أنت لولاك يا حياتي وأنســي

مـا تـشـتت في فـسـيـح البـلاد

كم بدت منةٌ، وكم لك عنــدي

مـن عـطـاء ونـعـمـة وأيـادي

حبـك الآن بغيتـي ونعـيـمــي

وجـلاء لعيـن قلبــي الصـادي

إن تكـن راضيـاً عنـي فإننــي

يا منـى القلب قد بـدا إسعـادي

قصائد صوفية في حب النبي

بعد ذكر مفهوم الصوفية ومفهوم الشعر الصوفي، وذكر بعض قصائد صوفية في حب الله، لا بد من ذكر بعض قصائد صوفية في حب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهنا، تظهر إبداعات الشعراء المتقدمين والمتأخرين، وتاليًا تذكر بعض قصائد صوفية في حب النبي -صلى الله عليه وسلم-:[٦]

أمِنْ تَذَكُّرِ جِيران بِذِي سَلَمٍ

مَزَجْتَ دَمْعاً جَرَى مِنْ مُقْلَةٍ بِدَمِ

أمْ هَبَّتْ الريحُ مِنْ تِلْقاءِ كاظِمَةٍ

وأوْمَضَ البَرْقُ فِي الظلْماءِ مِنْ إضَمِ

فما لِعَيْنَيْكَ إنْ قُلْتَ اكْفُفاهَمَتا

وَما لِقَلْبِكَ إنْ قُلْتَ اسْتَفِقْ يَهِمِ

أَيَحْسَبُ الصَّبُّ أنَّ الحُبَّ مُنْكتِمٌ

ما بَيْنَ مُنْسَجِمٍ منهُ ومُضْطَرِمِ

لولاَ الهَوَى لَمْ تُرِقْ دَمْعَاً عَلَى طَلَلٍ

ولا أَرِقْتَ لِذِكِرِ البَانِ والعَلَمِ

فكيفَ تُنْكِرُ حُبّاً بعدَ ما شَهِدَتْ

بهِ عليكَ عدولُ الدَّمْعِ وَالسَّقَمِ

وَأَثْبَتَ الوجِدُ خَطَّيْ عَبْرَةِ وضَنىً

مِثْلَ البَهارِ عَلَى خَدَّيْكَ وَالعَنَمِ

نَعَمْ سَرَى طَيفُ مَنْ أهوَى فَأَرَّقَنِي

والحُبُّ يَعْتَرِضُ اللَّذاتِ بالألَمِ

يا لائِمِي في الهَوَى العُذْرِيِّ مَعْذِرَةً

مِنِّي إليكَ ولو أَنْصَفْتَ لَمْ تَلُمِ

عَدَتْكَ حالِي لا سِرِّي بِمُسْتَتِرٍ

عَنِ الوُشاةِ وَلا دائي بِمُنْحَسِمِ

مَحَّضْتَنِي النُّصْحَ لكِنْ لَسْتُ أَسْمَعُهُ

إنَّ المُحِبِّ عَنْ العُذَّالِ في صَمَمِ

إنِّي اتهَمْتُ نَصِيحَ الشَّيْبِ في عَذَلٍ

والشِّيْبُ أَبْعَدُ في نُصِحٍ عَنْ التُّهَمِ

فإنَّ أمَّارَتِي بالسُّوءِ ما اتَّعَظَتْ

مِنْ جَهْلِهَا بنذيرِ الشِّيْبِ وَالهَرَمِ

ولا أَعَدَّتْ مِنَ الفِعْلِ الجَمِيلِ قِرَى

ضَيفٍ ألمَّ بِرَأْسِي غيرَ مُحْتَشِمِ

مَنْ لِي بِرَدِّ جِماحٍ مِنْ غَوايَتِها

كما يُرَدُّ جِماحُ الخَيْلِ باللُّجُمِ

فلا تَرُمْ بالمعاصِي كَسْرَ شَهْوَتِها

إنَّ الطعامَ يُقَوِّي شَهْوَةَ النَّهِمِ

والنَّفْسُ كالطِّفْلُ إنْ تُهْمِلُهُ شَبَّ عَلَى

حُبِّ الرِّضاعِ وإنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِمِ

فاصْرِفْ هَواها وَحاذِرْ أنْ تُوَلِّيَهُ

إنَّ الهَوَى ما تَوَلَّى يُصْمِ أَوْ يَصِمِ

وَراعِها وهِيَ في الأعمالِ سائِمَةٌ

وإنْ هِيَ اسْتَحَلَتِ المَرعَى فلا تُسِمِ

كَمْ حَسَّنَتْ لَذَّةًً لِلْمَرْءِ قاتِلَةً

مِنْ حَيْثُ لَمْ يّدْرِ أنَّ السُّمَّ في الدَّسَمِ

وَاخْشَ الدَّسائِسَ مِنْ جُوعٍ وَمِنْ شَبَعٍ

فَرُبَّ مَخْمَصَةٍ شَرٌّ مِنَ التُّخَمِ

واسْتَفْرِغِ الدَّمْعَ مِنْ عَيْنٍ قد امْتَلأَتْ

مِنَ المَحارِمِ وَالْزَمْ حِمْيَةَ النَّدَمِ

وخالِفِ النُّفْسَ والشَّيْطَانَ واعْصِهِمِا

وإنْ هُمَا مَحَّضَاكَ النُّصْحَ فاتَّهِمِ

وَلا تُطِعْ منهما خَصْمًا وَلا حَكَمًا

فأَنْتَ تَعْرِفُ كَيْدَ الخَصْمِ والحَكَمِ

أسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْ قَوْلٍ بِلاَ عَمَلٍ

لقد نَسَبْتُ به نَسْلاً لِذِي عُقُمِ

أمَرْتُكَ الخَيْرَ لكنْ ما ائْتَمَرْتُ به

وما اسْتَقَمْتُ فما قَوْلِي لَكَ اسْتَقِمِ

ولا تَزَوَّدْتُ قبلَ المَوْتِ نافِلةً

ولَمْ أُصَلِّ سِوَى فَرْضٍ ولَمْ أَصُمِ

ظَلَمْتُ سُنَّةَ مَنْ أَحْيا الظَّلامَ إلَى

أنِ اشْتَكَت قَدَماهُ الضُّرَّ مِنْ وَرَمِ

وشدَّ مِنْ سَغَبٍ أحشاءهُ وَطَوَى

تَحْتَ الحِجَارَةِ كَشْحَاً مُتْرَفَ الأَدَمِ

وَرَاوَدَتْهُ الجِالُ الشُّمُّ مِنْ ذَهبٍ

عَنْ نَفْسِهِ فأراها أيُّما شَمَمِ

وَأَكَّدَتْ زُهْدَهُ فيها ضرُورَتُهُ

إنَّ الضَّرُورَة لا تَعْدُو على العِصَمِ

وَكَيْفَ تَدْعُو إلَى الدُّنيا ضَرُورُةُ مَنْ

لولاهُ لَمْ تُخْرِجِ الدُّنيا مِنَ العَدَمِ

مُحَمَّدُ سَيِّدَ الكَوْنَيْنِ والثَّقَلَيْنِ

والفَرِيقَيْنِ مِنْ عُرْبٍ ومِنْ عَجَمِ

نَبِيُّنَا الآمِرُ النَّاهِي فلاَ أَحَدٌ

أبَّرَّ فِي قَوْلِ لا مِنْهُ وَلا نَعَمِ

هُوَ الحَبيبُ الذي تُرْجَى شَفَاعَتُهُ

لِكلِّ هَوْلٍ مِنَ الأهوالِ مُقْتَحَمِ

دَعا إلى اللهِ فالمُسْتَمْسِكُونَ بِهِ

مُسْتَمْسِكُونَ بِحَبْلٍ غيرِ مُنْفَصِمِ

فاقَ النَّبِيِّينَ في خَلْقٍ وفي خُلُقٍ

وَلَمْ يُدانُوهُ في عِلْمٍ وَلا كَرَمِ

وَكلُّهُمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ مُلْتَمِسٌ

غَرْفاً مِنَ الْبَحْرِ أَوْ رَشْفاً مِنَ الدِّيَمِ

ووَاقِفُونَ لَدَيْهِ عندَ حَدِّهِمِ

مِنْ نُقْطَة العِلْمِ أَوْ مِنْ شَكْلَةِ الحِكَمِ

فهْوَ الذي تَمَّ معناهُ وصُورَتُه

ثمَّ اصْطَفَاهُ حَبيباً بارِىءُ النَّسَمِ

مُنَزَّهٌ عَنْ شَرِيكٍ في محاسِنِهِ

فَجَوْهَرُ الحُسْنِ فيه غيرُ مُنْقَسِمِ

دَعْ ما ادَّعَتْهُ النَّصارَى في نَبيِّهِمِ

وَاحْكُمْ بما شْئْتَ مَدْحاً فيهِ واحْتَكِمِ

وانْسُبْ إلى ذانه ما شئْتَ مِنْ شَرَفٍ

وَانْسُبْ إلى قَدْرِهِ ما شِئْتَ منْ عِظَمِ

فإنَّ فَضْلَ رسولِ الله ليسَ لهُ

حَدُّ فيُعْرِبَ عنه ناطِقٌ بِفَمِ

لو ناسَبَتْ قَدْرَهُ آياتُهُ عِظَماً

أحْيا اسمُهُ حِينَ يُدْعَى دَارِسَ الرِّمَمِ

لَمْ يَمْتَحِنَّا بما تعْمل العُقولُ بِهِ

حِرْصاً علينا فلمْ ولَمْ نَهَمِ

أعْيا الوَرَى فَهْمُ معْناهُ فليس يُرَى

في القُرْبِ والبُعْدِ فيهِ غيرُ مُنْفَحِمِ

كالشِّمْسِ تَظْهَرُ لِلْعَيْنينِ مِنْ بُعُدٍ

صَغِيرةً وَتُكِلُّ الطَّرْفَ مِنْ أُمَمِ

وَكيفَ يُدْرِكُ في الدُّنيا حَقِيقَتَهُ

قَوْمٌ نِيَامٌ تَسَلَّوْا عنهُ بالحُلُمِ

فمبْلَغُ العِلْمِ فيهِ أنهُ بَشَرٌ

وأنهُ خَيرُ خَلْقِ اللهِ كلِّهِمِ

وَكلُّ آيٍ أتَى الرُّسْلُ الكِرامُ بها

فإنما اتَّصَلَتْ مِنْ نُورِهِ بهِمِ

فإنَّه شّمْسُ فَضْلٍ هُمْ كَواكِبُها

يُظْهِرْنَ أَنْوَارَها للناسِ في الظُّلَمِ

أكْرِمْ بِخَلْقِ نَبِيٍّ زَانَهُ خُلُقٌ

بالحُسْنِ مُشْتَمِلٍ بِالبِشْرِ مُتَّسِمِ

كالزَّهْرِ في تَرَفٍ والبَدْرٍ في شَرَفٍ

والبَحْر في كَرَمٍ والدَّهْرِ في هَمَمِ

كأَنَّهُ وَهْوَ فَرْدٌ مِنْ جلالَتِهِ

في عَسْكَرٍ حينَ تَلْقَاهُ وفي حَشَمٍ

كَأنَّما اللُّؤلُؤُ المَكْنُونُ في صَدَفٍ

مِنْ مَعْدَنَيْ مَنْطِقٍ منهُ ومَبْتَسَمِ

لا طِيبَ يَعْدِلُ تُرْباً ضّمَّ أَعظُمَهُ

طُوبَى لِمُنْتَشِقٍ منهُ وَمُلْتَثِمِ

أبانَ مَوْلِدُهُ عَنْ طِيبِ عُنْصُرِِ

يا طِيبَ مُبْتَدَإٍ منه ومُخْتَتَمِ

يَوْمٌ تَفَرَّسَ فيه الفُرْسُ أنَّهمُ

قد أُنْذِرُوا بِحُلولِ البُؤْسِ والنَقَمِ

وباتَ إيوانُ كِسْرَى وَهْوَ مُنْصَدِعٌ

كَشَمْلِ أَصْحَابِ كِسْرَى غَيْرَ مُلْتَئِمِ

والنَّارُ خامِدَةُ الأنفاسِ مِنْ أَسَفٍ

عليهِ والنَّهْرُ ساهي العَيْنِ مِنْ سَدَمِ

وساءَ ساوَةَ أنْ غاضَتْ بُحَيْرَتُها

ورُدَّ وارِدُها بالغَيْظِ حينَ ظَمِي

كأنَّ بالنارِ ما بالماءِ مِنْ بَلَلٍ

حُزْناً وَبالماءِ ما بالنَّارِ مِنْ ضَرَمِ

والجِنُّ تَهْتِفُ وَالأَنْوارُ ساطِعَةٌ

وَالحَقُّ يَظْهَرُ مِنْ مَعْنَى ومِنْ كَلِمِ

عَمُوا وَصَمُّوا فإعْلانُ البَشائِرِ لَمْ

تُسْمَعْ وَبارِقَةُ الإِنْذَارِ لَمْ تُشَمِ

مِنْ بَعْدِ ما أَخْبَرَ الأقْوامَ كاهِنُهُمْ

بأنَّ دينَهُمُ المُعْوَجَّ لَمْ يَقُمِ

وبَعْدَ ما عايَنُوا في الأُفْقِ مِنْ شُهُبٍ

مَنْقَضَّةِ وفْقَ ما في الأرْضِ مِنْ صَنَمِ

حَتى غدا عَنْ طَرِيقِ الوَحْيِ مُنْهَزِمٌ

من الشياطِينِ يَقْفُو إثْرَ مَنْهَزِمِ

كأنَّهُمْ هَرَباً أَبطالُ أَبْرَهةٍ

أَوْ عَسْكَرٌ بالحَصَى مِنْ رَاحَتَيْهِ رُمِي

نَبْذاً بهِهِ بَعْدَ تَسْبِيحِ بِبَطْنِهِما

نَبْذَ المُسَبِّحِ مِنْ أحشاءِ مُلْتَقِمِ

جاءتْ لِدَعْوَتِهِ الأشْجارُ ساجِدَةً

تَمْشِي إليهِ عَلَى ساقٍ بِلا قَدَمِ

كأنَّما سَطَرَتْ سَطْراً لِمَا كَتَبَتْ

فُرُوعُها مِنْ بَدِيعِ الخَطِّ في اللَّقَمِ

مِثْلَ الغَمَامَة أنَّى سَارَ سائِرَةٌ

تَقِيهِ حَرَّ وطِيسٍ لِلْهَجِيرِ حَمي

أقْسَمْتُ بالقَمَرِ المُنْشَقِّ إنَّ لَهُ

مِنْ قَلْبِهِ نِسْبَةٌ مَبْرُورُةَ القَسَمِ

ومَا حَوَى الغارُ مِنْ خَيرٍ وَمِنْ كَرَمٍ

وكلُّ طَرْفٍ مِنَ الكُّفَّارِ عنه عَمِي

فالصِّدْقُ في الغارِ والصِّدِّيقُ لَمْ يَرِمِا

وَهُمْ يقولونَ ما بالغارِ مِنْ أَرِمِ

ظَنُّوا الحَمامِ وظَنُّوا العَنْكَبُوتَ على

خَيْرِ البَرِيِّةِ لَمْ تَنْسُجْ ولمْ تَحُمِ

وِقاية اللهِ أغنَتْ عَنْ مُضَاعَفَةٍ

مِنَ الدُّرُوعِ وَعَنْ عالٍ مِنَ الأُطُمِ

ما سامَنِي الدَّهْرُ ضَيْماً وَاسْتَجَرْتُ به

إلاَّ اسْتَلَمتُ النَّدَى مِنْ خَيْرِ مُسْتَلَمِ

لا تُنْكِرِ الوَحْيَ مِنْ رُؤْيَاهُ إنَّ لهُ

قَلْباً إذا نامتِ العَيْنانِ لَمْ يَنَمِ

وذاكَ حينَ بُلوغِ مِنْ نُبُوَّتِهِ

فليسَ يُنْكِرُ فيهِ حالٌ مُحْتَلِمِ

تَبَارَكَ اللهُ ما وحْيٌ بِمُكْتَسَبٍ

وَلا نَبِيٌّ عَلَى غَيْبٍ بِمُتَّهَمِ

كَمْ أبْرَأْتَ وَصِباً باللَّمْسِ راحَتُهُ

وأَطْلَقَتْ أرِباً مِنْ رِبْقَةِ اللَّمَمِ

وأحْيَتِ السُنَّةُ الشَهْبَاءُ دَعْوتُهُ

حتى حَكضتْ غُرَّةَ في الأعْصُرِ الدُّهُمِ

بعارِضٍ جادَ أَوْ خِلْتَ البِطاحَ بها

سَيْبٌ مِنَ اليَمِّ أَوْ سَيْلٌ مِنَ العَرِمِ

دَعْنِي وَوَصْفِي آياتٍ لهُ ظَهَرَتْ

ظُهورَ نارِ القِرَى لَيْلاً عَلَى عَلَمِ

فالدُّرُّ يَزدادُ حُسْناً وَهْوَ مَنْتَظِمٌ

وَليسَ يَنْقُصُ قَدْراً غيرَ مَنْتَظِمِ

فما تَطَاوَلُ آمالُ المَدِيحِ إلى

ما فيهِ مِنْ كَرَمِ الأخلاقِ والشِّيَمِ

آياتُ حَقٍّ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثَةٌ

قَدِيمَةٌ صِفَةُ المَوصوفِ بالقِدَمِ

لَمْ تَقْتَرِنْ بِزمانٍ وَهْيَ تُخْبِرُنا

عَنِ المعادِ وعَنْ عادٍ وعَنْ إرَمِ

دامَتْ لَدَيْنا فَفاقَتْ كلَّ مُعْجِزَةٍ

مِنَ النَّبِيِّينَ إذْ جاءَتْ ولَمْ تَدُمِ

مُحَكَّماتٌ فما تُبْقِينَ مِنْ شُبَهٍ

لذِي شِقاقٍ وما تَبْغِينَ مِنْ حَكَمِ

ما حُورِبَتْ قَطُّ إلاَّعادَ مِنْ حَرَبٍ

أَعُدَى الأعادي إليها مُلْقِيَ السَّلَمِ

رَدَّتْ بَلاغَتُها دَعْوَى مُعارِضِها

رَدَّ الغَيُورِ يَدَ الجَاني عَنِ الحُرَمِ

لها مَعانٍ كَمَوْجِ البَحْرِ في مَدَدٍ

وفَوْقَ جَوْهَرِهِ فِي الحُسْنِ والقِيَمِ

فما تُعَدُّ وَلا تُحْصى عَجَائِبُها

ولا تُسامُ عَلَى الإكثارِ بالسَّأَمِ

قَرَّتْ بها عَيْنُ قارِيها فَقُلْتُ لهُ

لقد ظَفِرتَ بِحَبْلِ اللهِ فاعْتَصِمِ

إنْ تَتْلُها خِيفَةً مِنْ حَرِّ نارِ لَظىً

أَطْفَأْتَ نارَ لَظىً مِنْ وِرْدِها الشَّبِمِ

كَأَنَّها الحَوْضُ تَبْيَضُّ الوجوهُ به

مِنَ العُصاةِ وقد جاءُوهُ كَالحُمَمِ

وَكَالصَِراطِ وكالمِيزانِ مَعْدِلَةً

فالقِسْطُ مِنْ غَيرها في الناسِ لَمْ يَقُمِ

لا تَعْجَبَنْ لِحَسُودٍ راحَ يُنْكِرُها

تَجاهُلاً وهْوَ عَيْنُ الحاذِقِ الفَهِمِ

قد تُنْكِرُ العيْنُ ضَوْءَ الشِّمْسِ من رَمَدٍ

ويُنْكِرُ الفَمُّ طَعْمَ الماءِ كم سَقَمٍ

يا خيرَ منَ يَمَّمَ العافُونَ ساحَتَهُ

سَعْياً وفَوْقَ الأَيْنُقِ الرُّسُمِ

وَمَنْ هُوَ الآيَةُ الكُبْرَى لَمُعْتَبِرٍ

وَمَنْ هُوَ النِّعْمَةُ العُظْمَى لِمُغْتَنِمِ

سَرَيْتَ مِنْ حَرَمٍ لَيْلاً إلَى حَرَمٍ

كما سَرَى البَدْرُ في داجٍ مِنَ الظُّلَمِ

وَبِتَّ تَرْقَى إلَى أنْ نِلْتَ مَنْزِلَةً

مِنْ قَابِ قَوْسَيْنِ لَمْ تُدْرَكْ وَلَمْ تُرَمِ

وَقَدَّمتْكَ جَميعُ الأنبياءِ بِها

والرُّسْلِ تَقْدِيمَ مَخُدُومٍ عَلَى خَدَمِ

وأَنْتَ تَخْتَرِقُ السَّبْعَ الطَّباقَ بهِمْ

في مَوْكِبِ كُنْتَ فيهِ صاحِبَ العلَمِ

حتى إذا لَمْ تَدَعْ شَأْوَاً لِمُسْتَبِقٍ

مِنَ الدُّنُوِّ وَلا مَرْقَىً لِمُسْتَنِمِ

خَفَضْتَ كلَّ مَقامِ بالإِضافَةِ إذْ

نُودِيتَ بالرَّفْعِ مِثْلَ المُفْرَدِ العَلَمِ

كَيْمَا تَفُوزَ بِوَصْلٍ أَيِّ مُسْتَتِرٍ

عَنِ العُيُونِ وَسِرٍّ أَيِّ مُكْتَتِمِ

فَحُزْتَ كلَّ فَخَارٍ غَيْرَ مُشْتَرَكٍ

وَجُزْتَ كلَّ مَقامٍ غيرَ مُزْدَحَمِ

وَجَلِّ مِقْدَارُ ما وُلِّيتَ مِنْ رُتَبٍ

وعَزَّ إدْرَاكُ ما أُولِيتَ مِنْ نِعَمِ

بُشْرَى لَنَا مَعْشَرَ الإِسِلامِ إنًّ لنا

مِنَ العِنَايَةِ رُكْناً غيرَ مُنْهَدِمِ

لَمَّا دَعا اللهَ داعِينا لَطَاعَتِهِ

بأَكْرَمِ الرُّسْلِ كُنَّا أَكْرَمَ الأُمَمِ

راعِتْ قلوبَ العِدا أَنباءُ بِعْثَتِهِ

كَنَبْأَةٍ أَجْفَلَتْ غَفْلاً مِنَ الغَنَمِ

ما زالَ يَلْقاهُمَ في كلِّ مُعْتَرَكٍ

حتى حَكَوْا بالقَنا لَحْماً على وَضَمِ

وَدُّوا الفِرارَ فكادُوا يَغْبِطُونَ بهِ

أَشْلاَءَ شالَتْ مَعَ العِقْبَانِ والرَّخَمِ

تَمْضِي اللَّيالِي وَلا يَدْرُونَ عِدَّتها

ما لَمْ تَكُنْ مِنْ لَيالِي الأَشْهُرِ الحُرُمِ

كأنَّما الدِّينُ ضَيْفٌ حَلَّ سَاحَتَهُمْ

بِكلِّ قَرْمٍ إلَى لَحْمِ العِدا قَرِمِ

يَجُرُّ بَحْرَ خَمِيسٍ فوقَ سابِحَةٍ

يَرْمِي بِمَوجٍ مِنَ الأبطالِ مُلْتَطِمِ

مِنْ كلِّ مُنْتَدِبٍ للهِ مُحْتَسِبٍ

يَسْطو بِمُسْتَأْصِلٍ لِلْكُفْرِ مُصْطَلِمِ

حتَّى غَدَتْ مَلَّةُ الإسلامِ وهِيَ بِهِمْ

مِنْ بَعْدِ غُرْبَتِها مَوْصُولَةَ الرَّحِمِ

مَكْفُولَةً أَبَداً مِنهمْ بِخَيْرِ أَبٍ

وخيرِ بَعلٍ فَلَمْ تَيْتَمْ وَلَمْ تَئِمِ

همُ الجِبالُ فَسَلْ عنهمْ مُصادِمَهُمْ

ماذا رأى مِنْهُمُ في كلِّ مُصطَدَمِ

وسَلْ حُنَيْناً وسَلْ بَدْراً وَسَلْ أُحُداً

فُصُول حَتْفٍ ملهُمْ أَدْهَى مِنَ الوَخَمِ

المُصْدِرِي البِيضَ حُمْراً بعدَ ما وَرَدَتْ

مِنَ العِدا كُلَّ مُسْوَدٍّ مِنَ اللِّمَمِ

وَالكاتِبِينَ بِسُمْرِ الخَطِّ مَا تَرَكَتْ

أقْلامُهُمْ حَرْفَ جِسْمٍ غَيْرَ مُنْعَجِمِ

شاكِي السِّلاحِ لهمْ سِيمَى تُمِيِّزُهُم

والوَرْدُ يَمْتازُ بالسِّمَى عَنِ السَّلَمِ

تُهْدِي إليكَ رِياحُ النَّصْرِ نَشْرَهُمُ

فَتَحْسَبُ الزَّهْرَ في الأكمامِ كلَّ كَمِي

كأنَّهمْ في ظُهُورِ الخَيْلِ نَبْتُ رُباً

مِنْ شَدَّةِ الحَزْمِ لاَ مِنْ شِدَّةِ الحُزُمِ

طارَتْ قلوبُ العِدا مِنْ بَأْسِهِمْ فَرْقاً

فما تُفَرِّقُ بينَ البَهْمِ والبُهَمِ

ومَنْ تَكُنْ بِرَسُولِ اللهِ نُصْرَتُهُ

إنْ تَلْقَهُ الأُسْدُ في أجامِها تَجِمِ

ولَنْ تَرَى مِنْ وَلِيٍّ غَيْرَ مُنْتَصِرِ

بهِ ولا مِنْ عَدُوٍّ غيْرَ مُنْقَصِمِ

أحَلَّ أُمَّتَهُ في حِرزِ مِلَّتِهِ

كاللَّيْثِ حَلَّ مَعَ الأشبالِ في أُجَمِ

كَمْ جَدَّلَتْ كلماتُ اللهِ مِنْ جَدِلٍ

فيهِ وكم خَصَمَ البُرْهانُ مِنْ خَصِمِ

كفاكَ بالعِلْمِ في الأُمِيِّ مُعْجِزَةً

في الجاهِليَّةِ وَالتَّأْدِيبِ في اليُتُمِ

خَدَمْتُهُ بِمَدِيحٍ أسْتَقِيلُ بِهِ

ذُنُوبَ عُمْرٍ مَضَى في الشِّعْرِ والخِدَمِ

إذْ قَلَّدانِيَ ما تُخْشَى عَواقِبُهُ

كأنَّني بِهِما هَدْيٌ مِنَ النَّعَمِ

أطعتُ غيَّ الصَبَا في الحَالَتينِ وَما

حَصَلْتُ إلاَّ عَلَى الآثَامِ والنَّدَمِ

فيا خَسَارَةَ نَفْسٍ في تِجَارَتِها

لَمْ تَشْتَرِ الدِّينَ بالدُّنيا ولَمْ تَسُمِ

وَمَنْ يَبِعْ آجِلاً منهُ بِعاجِلِهِ

بَيْنَ لهُ الغَبْنُ في بَيْعٍ وَفي سَلَمِ

إنْ آتِ ذَنْباً فما عَهْدِي بِمُنْتَقِضٍ

مِنَ النبيِّ وَلا حَبْلِي بِمُنْصَرِمِ

فإنَّ لِي ذِمَّةً منهُ بِتَسْمِيَتي

مُحمداً وَهْوَ أَوْفَى الخَلْقِ بالذِّمَمِ

إنْ لَمْ يَكُنْ في مَعادِي آخِذاً بِيَدِي

فَضْلاً وَإلاَّ فَقُلْ يا زَلَّةَ القَدَمِ

حاشاهُ أنْ يَحْرِمَ الرَّاجِي مَكارِمَهُ

أَوْ يَرْجِعُ الجارُ منهُ غيرَ مُحَتَرَمِ

وَمُنْذُ ألزَمْتُ أفكارِي مَدائِحَهُ

وَجَدْتُهُ لِخَلاَصِي خيرَ مُلْتَزِمِ

وَلَنء يَفُوتَ الغِنَى مِنْهُ يَداً تَرِبَتْ

إنَّ الحَيا يُنْبِتُ الأزهارَ في الأُكَمِ

وَلَمْ أُرِدْ زَهْرَةَ الدُّنيا التي اقتَطَفَتْ

يَدَا زُهَيْرٍ بما أَثْنَى عَلَى هَرَمِ

يا أكْرَمَ الرُّسْلِ مالِي مَنْ أَلوذُ به

سِواكَ عندَ حلولِ الحادِثِ العَمِمِ

وَلَنْ يَضِيقَ رَسولَ اللهِ جاهُكَ بي

إذا الكريمُ تَحَلَّى باسْمِ مُنْتَقِمِ

فإنَّ مِنْ جُودِكَ الدنيا وضَرَّتَها

وَمِنْ عُلُومِكَ عِلمَ اللَّوْحِ والقَلَمِ

يا نَفْسُ لا تَقْنُطِي مِنْ زَلَّةٍ عَظُمَتْ

إنَّ الكَبَائِرَ في الغُفْرانِ كاللَّمَمِ

لَعَلَّ رَحْمَةَ رَبِّي حينَ يَقْسِمُه

تأْتي عَلَى حَسَبِ العِصْيانِ في القِسَمِ

يارَبِّ وَاجْعَلْ رَجائي غَيرَ مُنْعَكِسِ

لَدَيْكَ وَاجْعَلْ حِسابِي غَيْرَ مُنْخَرِمِ

وَالْطُفْ بِعَبْدِكَ في الدَّاريْنِ إنَّ لَهُ

صَبْراُ مَتى تَدْعُهُ الأهوالُ يَنْهَزِمِ

وَائْذَنْ لِسُحْبِ صلاةٍ مِنكَ دائِمةً

عَلَى النَّبيِّ بِمُنْهَلٍّ ومُنْسَجِمِ

ما رَنَّحَتْ عَذَباتِ البانِ ريحُ صَبًا

وأطْرَبَ العِيسَ حادي العِيسِ بِالنَّغَمِ

المراجع[+]

  1. "صوفية"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 07-01-2020. بتصرف.
  2. "شعر صوفي"، www.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 07-01-2020. بتصرّف.
  3. "زدني بفرط الحب فيك تحيرا"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 07-01-2020.
  4. "نسخْتُ بِحَبّي آية العِشْقِ من قبلي"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 07-01-2020.
  5. ^ أ ب "رابعة العدوية"، www.marefa.com، اطّلع عليه بتاريخ 07-01-2020.
  6. "أمن تذكر جيران بذي سلم"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 07-01-2020.